أفريقيا جنوب الصحراء الأكثر عَوَزاً .. والشرق الأوسط وشمال أفريقيا الرابع عالمياً

لم يعد الفقر يُنظر إليه على أنه مجرد نقص في الدخل، بل هو ظاهرة معقدة تتداخل فيها جوانب مختلفة من الحرمان. ومن هنا، ظهر مفهوم الفقر مُتعدد الأبعاد، الذي يقيس الفقر من خلال مؤشرات متنوعة تشمل الصحة، التعليم، ومستوى المعيشة، وتشير البيانات أن منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى هي الأكثر عَوَزاً واحتياجاً والأكثر انتشاراً للفقر في أبعاده الثلاثة، حيث ظهر هذا الحرمان المُركب في دول هذه المنطقة مرّات عديدة في فترة الرصد مقارنة بعدد مرات ظهوره في المناطق الجغرافية الخمسة الاخرى.
بلغ عدد مرّات ظهور حالة الفقر مُتعدد الأبعاد خلال الفترة من 2011 إلى 2023 نحو 533 مرة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يُمثل نحو 40% من مجموع مرّات ظهور الفقر مُتعدد الأبعاد عالمياً، بينما تفشّي هذا النوع من الفقر في منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي بوتيرة أقل حيث بلغ عدد مرّات ظهوره 252 مرة أي إن هذه المنطقة استحوذت على 19% من مجموع مرّات ظهور الفقر مُتعدد الأبعاد عالمياً، وجاءت منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ في الترتيب الثالث بنسبة 12,4% بعدد مرّات ظهور بلغت 165 مرة، وفي الترتيب الرابع حلّت منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و شرق أوروبا وآسيا الوسطى بنسبة متساوية وهي 9.5% لكل منهما، حيث أن الفقر مُتعدد الأبعاد ظهر 127 مرة في كل منطقة على حدة، أما منطقة جنوب آسيا جاءت في الترتيب الأخير ولكنه الأفضل بمرّات ظهور للفقر بلغ 125 حالة فقط أي بنسبة 9,4% كما هو موضح بالشكل رقم (1).

تُظهر البيانات وجود تفاوتات كبيرة في معدلات الفقر مُتعدد الأبعاد بين المناطق الجغرافية المختلفة. كما يلاحظ أن البيانات لم تُشر إلى بعض المناطق الجغرافية لاسيما منطقة غرب أوروبا ما يدل على عدم ظهور حالة الفقر مُتعدد الحرمان بأبعاده الثلاثة، وهو أمر منطقي إذ تتميز هذه المنطقة بمستويات تنمية بشرية عالية ومستوى معيشي جيد جداً، وتتمتع دول غرب أوروبا بأنظمة رعاية اجتماعية متطورة توفر شبكات أمان اجتماعي قوية. تشمل هذه الأنظمة برامج دعم الدخل، والتأمين الصحي الشامل، والإسكان المدعوم، والخدمات الاجتماعية الأخرى التي تساعد في حماية الأفراد من الوقوع في براثن الفقر. كما تتميز دول غرب أوروبا بمستويات تعليم عالية، مما يوفر فرصًا أفضل للأفراد للحصول على وظائف جيدة وتحسين مستوى معيشتهم. هذه الأسباب وغيرها تجعل مُعدلات الفقر مُتعدد الأبعاد فيها تكاد تكون معدومة مقارنة بالمناطق الأخرى. ومع ذلك، هذا لا يعني أن الفقر غير موجود تمامًا في غرب أوروبا، بل يعني أنه أقل انتشارًا وأقل حدة.
وبالنظر إلى الأبعاد الثلاثة للفقر نجد أن ترتيب المناطق الجغرافية لم يختلف كثيراً، على سبيل المثال رصدت البيانات بُعد التعليم في الفترة من 2011 إلى 2023، ظهور الحرمان من الحضور المدرسي عدد 53 مرة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وهو الأعلى على الإطلاق، بينما بلغت 26 مرة في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، و17 مرة في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، و13 مرة في المناطق الجغرافية الثلاثة الأخرى. وفي بُعد الصحة كان نقص التغذية هو الأعلى في المنطقة ذاتها وهي منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لظهوره 53 مرة فيها، مقبل 24 مرة لمنطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، و13 مرة في كل من منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشرق آسيا والمحيط الهادئ، و11 مرة في لكل من شرق أوروبا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا.
أما في بُعد مستوى المعيشة، كانت الفجوة واضحة بين المناطق الجغرافية الستة، وتكشف البيانات أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنطقة جنوب آسيا هما الأفضل في مستوى المعيشة مقارنة بباقي المناطق الجغرافية، وجاءت في الترتيب الثاني منطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطى، وفي الترتيب الثالث منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ، وتزيل الترتيب كل من منطقتي أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
لا شك أن الحد من القفر مُتعدد الأبعاد يحتاج إلى تضافر ومجهود لا يقتصر فقط على دول المنطقة الجغرافية الواحدة، وإنما للتعاون الدولي أيضا، كتوفير مساعدات إنمائية مستدامة للدول النامية من المؤسسات والدول عالية الدخل، والتركيز على بناء القدرات المحلية وتعزيز التنمية المستدامة وغيرها. ورغم التحديات التي تواجه بعض المناطق في الحد من الفقر مُتعدد الأبعاد إلا أنه يتعين على كل منها الاخذ في الاعتبار مجموعة واسعة من العوامل التي تؤثر على حياة الأفراد منها تحسين الوصول إلى التعليم، فالتعليم في حد ذاته يعد وسيلة مهمة للخروج من دائرة الفقر، توفير التعليم الجيد والشامل للجميع يمكن أن يساعد في تمكين الأفراد وإعدادهم لسوق العمل. بالإضافة الي الوصول إلى الرعاية الصحية الجيدة من خلال توجيه الاستثمار في الخدمات الصحية الشاملة. وأخيرا وليس آخرا ضرورة تحسين البنية التحتية للترقي بمستوى المعيشة للفرد وغيرها من العوامل.