أقلية تصنع الأزمة وأغلبية تكتوى بنارها: 11 دولة تنتج %64.8 من مسببات تغيرات المناخ و169 تتحمل معظم النتائج

جمال محمد غيطاس

في خضم التحضيرات الجارية حاليا للمؤتمر الدولي المرتقب حول أزمة تغير المناخ، يجري تقديم الأزمة باعتبارها خطر كان الجميع في الماضي مسئولون عن نشأته، وباتوا حاليا في نطاق اضراره، ويتحتم عليهم جميعا المشاركة في إزالته أو على الأقل حصاره وتخفيف آثاره، لكن مراجعة بسيطة للإحصاءات الخاصة بهذه القضية، كشفت عن أن عرضها على هذا النحو ينطوي علي قدر غير قليل من التشويش وعدم الحياد، فليس كل من على الأرض شارك في صناعة الأزمة، لأنه طوال السنوات الثلاثين الماضية ( 1990 ـ 2019)، كانت هناك 11 دولة فقط مسئولة عن الغالبية الساحقة من الأنشطة التي أفرزت مسببات تغير المناخ، أو تحديدا ما يقرب من 65% من الغازات المسببة لظاهرة الدفء وارتفاع درجة حرارة الكوكب، وفعلت ذلك من دون أن تكون الأكثر تضررا، في حين كان هناك نحو 169 دولة لم تشارك مطلقا أو شاركت بنسب قليلة للغاية، ثم وجدت نفسها تواجه اعتى مستويات الضرر والاضطراب والتدمير الناجم عن الأزمة.

قام مركز جسور بمراجعة وتحليل سلسلة من البيانات الأولية الواردة في قواعد بيانات البنك الدولي الخاصة بحجم انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة تغير المناخ، المولدة في كل دولة من دول العالم، خلال الثلاثين عاما الماضية، أي 1990 إلى 2019، وتم التركيز علي بيانات انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، وغاز مركبات الهيدروفلوروكربون، باعتبارهما ابرز مسببات تأثير الصوبة الزجاجية، وارتفاع درجة الحرارة عالميا، لمعرفة من هو المسئول الأول عن نشأة الأزمة، ثم مراجعة وتحليل البيانات الأولية التي ترصد حجم الضرر الواقع علي كل دولة من دول العالم جراء تغير المناخ، من خلال البيانات الخاصة بالمؤشر العالمي لمخاطر تغير المناخ، لمعرفة من هم ابرز ضحايا الأزمة، وأخيرا مراجعة وتحليل البيانات الخاصة بموقف كل دولة وجديتها في تطبيق إجراءات مكافحة تغير المناخ، استنادا الي البيانات الواردة في المؤشر الدولي للأداء المناخي لمعرفة من هو الجاد ومن هو غير الجاد في تطبيق إجراءات مكافحة الازمة.

كشفت أعمال التحليل والمراجعة عن أن هناك 11 دولة تعد هي الأبرز على الإطلاق في صناعة الأزمة، كونها انتجت القدر الأعظم من الغازات المسببة لتغير المناخ خلال الفترة المشار اليها، وبحسب البيانات الواردة في الجدول الأول فإن هذه الدول انتجت 64.81% من حجم غاز ثاني أكسيد الكربون ، و86.28% من مركبات الهيدروفلوروكربون التي دخلت الغلاف الجوي للأرض خلال الثلاثين سنة الماضية، و 64.87% من إجمالي ما دخل الغلاف الجوي من الاثنين معا، فيما كانت دول العالم المتبقية، البالغة 169 دولة مسئولة عن النسبة الباقية، وبحسب الجدول فإن الصين وامريكا وروسيا واليابان وألمانيا كانوا الدول الأبرز على الإطلاق في انتاج هذه الغازات.

 يوضح الجدول ايضا أن هذه الدول لم تكن الاكثر عرضه لأضرارها، فالصين التي تحتل المركز الأول في انتاج ثاني أكسيد الكربون والثاني في مركبات الهيدروفلوروكربون والأول في الإنتاج المشترك للاثنين، وتعد اكبر طرف مسئول عن مسببات تغير المناخ، جاءت في المركز 41 من حيث مستوي التعرض للأضرار الناجمة، ومستوي الخطر لديها عند الدرجة 56،، أما أمريكا التي تحتل المركز الثاني في غاز ثاني أكسيد الكربون، والأول في الهيدروفلوروكربون فلم تدرج أصلا في قائمة الدول المتضررة الواردة بمؤشر مخاطر تغير المناخ، وروسيا التي تأتي في المركز الثالث من حيث المسئولية عن حقن هواء الأرض بغازات تغير المناخ، مستوى التعرض للمخاطر لديها من الدرجة الثانية والثلاثين ، وكندا التي تحتل المركز السابع في المسئولية، مستوى التعرض للمخاطر لديها من الدرجة الثالثة والتسعين، وبريطانيا تحتل المركز الثامن ومستوي التعرض لديها عند الدرجة 58.

إذا انتقلنا للجدول رقم (2)الذي يستعرض بيانات أكثر 11 دولة  تأثرا بتغيرات المناخ، ونصيبها من الإجمالي العالمي  لتوليد الغازات المسببة لارتفاعدرجة حرارة الأرض وتغيرات المناخ خلال الفترة من 1990 الي 2019، سنجد أن إجمالي ما انتجته ضخته هذه الدول من غاز ثاني أكسيد الكربون في هواء الأرض يعادل 1.71% فقط مما انتجه العالم اجمع من هذا الغاز خلال الفترة المشار إليها، وانتاجها من مركبات الهيدروفلوروكربون يبلغ 0.01% فقط من الإنتاج العالمي من هذه المركبات، ومع ذلك فإن هذه الدول وقع عليها أكبر اضرار أزمة تغير المناخ على الإطلاق، فدولة بورت ريكو تحتل المركز الأول عالميا أكثر دول الأرض قاطبة من حيث المعاناة من تغير المناخ، فالتعرض للمخاطر لديها من الدرجة السابعة، وهي أقوى درجة مسجلة على المؤشر الدولي لمخاطر تغير المناخ، تليها ميانمار بمستوي تعرض من الدرجة العاشرة ثم هايتي بمستوى تعرض من الدرجة الرابعة عشرة، وتشير بيانات الجدول إلي أن 10 من الـ 11 دولة الأكثر تعرضا للمخاطر، لا تنتج أي من غازات الهيدروفلوركربون، ودولة واحدة منها فقط هي موزمبيق انتجت منه 332.9 طن خلال الثلاثين سنة الماضية، أما انتاج هذه الدول من ثاني أكسيد الكربون فتراوح بين 0.73% من قبل تايلاند التي تحتل المركز التاسع من حيث التعرض للمخاطر، و0.01% لدي موزمبيق وجزر البهاما وهايتي، أما بورت ريكو التي تحتل المركز الأول علي مؤشر الخطر فإنتاجها من غاز ثاني أكسيد الكربون صفر، وكذلك دولة دومينكا التي تحتل المركز الحادي عشر على مؤشر الخطر.

وعند مراجعة البيانات الخاصة بمستوى التزام الدول المختلفة بإجراءات مواجهة الازمة، تبين أن أكثر 11 دولة التزاما بهذه الإجراءات لا يوجد بينها سوي ثلاث من الدول الأكثر انتاجا للغازات المتسببة في الأزمة، وهي بريطانيا التي ظهرت في المركز الرابع عشر  فيما يتعلق بالالتزام بسياسات المناخ، والمركز العاشر في إجراءات استخدام الطاقة، بما لا يضر بالمناخ، والمركز الأول في إجراءات مكافحة انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الصوبة الزجاجية المؤدية لارتفاع درجة حرارة الأرض، والدولة الثانية كانت فرنسا التي احتلت المركز العاشر في الالتزام بسياسات المناخ، والصين التي جاءت في المركز الثالث عشر في المجال نفسه، أما الدول الأكثر تضررا من أزمة تغير المناخ فلم يرد أي منها في مؤشر الالتزام بإجراءات مكافحة الازمة، لأنها ببساطة ليس لديها ما تفعله، في لا تنتج من غاز ثاني أكسيد الكربون إلا أقل القليل، ولا تنتج تقريبا أي كميات من مركبات الهيدروفلوروكربون.

هكذا تشير البيانات بوضوح إلي أن الدول المشاركة بأكبر نصيب في مسببات الأزمة، تعاني معاناة خفيفة من اضرارها أو لا تعاني، والدول المتضررة ليس لها يد تقريبا في صناعتها، أما الدول التي تنشط في اتخاذ إجراءات المكافحة، فليست هي الأكثر مساهمة في صناعة الضرر، ولا هي الأكثر تعرضا له، ما يعني في النهاية أن الطرح الحالي  للأزمة وتقديمها علي أنها معضلة ساهم الجميع في صنعها، وعلي الجميع تحمل عبء مكافحتها هو طرح يكتنفه قدر غير قليل من التضليل، وأن الأزمة تحمل في طياتها حالة واضحة من عدم العدالة، علي صعيد الأسباب والاضرار والجدية في القبول بإجراءات المواجهة