رصدت منظمة الشرطة الجنائية الدولية – Interpol، عدد القطع الأثرية المسروقة عالمياً، والتي قُدِّر عددها بـ 45040 قطعة متنوعة أُبلِغ عنها حتى الآن، من مجموع 123 دولة أيّ من ثُلثيّ دول العالم تقريباً، وقع أكثر من 60% من تلك السرقات في قارة أوروبا بما يتجاوز 27 ألف جريمة سرقة آثار في 40 دولة أوروبية مختلفة، بينما حلَت قارة آسيا في الترتيب الثاني بمجموع سرقات بلغ نحو 9020 قطعة أثرية وقعت في 31 دولة أي بنسبة 20% من مجموع سرقات الآثار حول العالم، وسُجلت أكثر من 4300 جريمة سرقة آثار في قارة أمريكا الجنوبية اضطلعت 22 دولة بالإبلاغ عنها، وتحقق وقوع 1712 جريمة سرقة آثار في قارة أمريكا الشمالية، وتذيلت الترتيب القاري للسرقات الأثرية كلا من أوقيانوسيا التي أبلغت عن 1563 جريمة سرقة، وأخيرا قارة أفريقيا التي أبلغت 24 دولة فيها الإنتربول عن وقوع عدد 1061 سرقة آثار بها. كما هو موضح بالشكل رقم-1.
عرفَت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا- (Escwaالتابعة للأمم المتحدة، الآثار التاريخية بأنها أصول ثابتة تعتبر معالم ذات مغزى تاريخي أو وطني أو إقليمي أو محلي أو ديني أو رمزي، وهي في العادة مفتوحة للجمهور، ويتم تقاضي رسم دخول في العادة إليها وإلى جوارها. وتجدر الإشارة إلى أن الآثار التاريخية مصطلح أعمّ وأشمل من مصطلح التراث العالمي الذي عرفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو- UNESCO) بأنه عناصر الموروثات الثقافية التي تحمل قيمة إنسانية عالمية عالية، وتصنف هذه الموروثات حسب نوعها وخصائصها إلى: تراث طبيعي، وتراث ثقافي، وتراث مركب. ويتبدى من خلال تلك المقارنة أن كل تراث عالمي هو أثر تاريخي، ولكن ليس كل أثر تاريخي هو تراث عالمي، كما أن الأخير يُمثل قمة الهرم في تصنيف الآثار، حيث يتمتع بأعلى مستوى من الحماية والاعتراف الدولي بعد إدراجه على قائمة اليونسكو للتراث المشترك للإنسانية بعد تقييمات صارمة.
لا شك أن سرقة الآثار سواء كانت تحمل قيمة تاريخية وثقافية محلية وطنية أو ذات أهمية عالمية، هي جريمة تتجاوز حدود الدول وتؤثر سلبًا على الإنسانية جمعاء، فالأثار ليست مجرد قطع مادية، بل هي شواهد على التاريخ والحضارة، وتحمل في طياتها هوية الشعوب وتراثها، وبالإضافة لكونها جريمة نكراء، فإن سرقة الآثار تعني قطع وفقدان الروابط التاريخية وتعطيل عملية استمرارية الحضارة، كما أنه قد يتم إعادة تفسير الآثار المسروقة وتزييف تاريخها، مما يؤدي إلى نشر معلومات خاطئة وتشويه الحقائق التاريخية، يضاف إلى ذلك الخسارة الاقتصادية التي قد تتعرض لها الدول لفقدانها تلك الآثار التي تدر دخلاً مضطردا وتجذب عدداً كبيراً من السائحين.
وعلى مستوى الدول، جاءت فرنسا في الترتيب الأول عالمياً من حيث أكثر عدد سرقات أثرية والتي بلغت نحو 7993 قطعة أثرية مسروقة، أبلغت عنهم الإنتربول تبليغاً مفصلاً متضمناً بيانات كل قطعة أثرية وصورتها، بينما أبلغت إيطاليا عن عدد 7252 قطعة أثرية مسروقة لتأتي في الترتيب الثاني كأكثر الدول التي تعرضت لسرقات أثرية، وفي الترتيب الثالث حلّت تركيا بمجموع سرقات بلغ 3229 قطعة أثرية، وجاءت العراق في الترتيب الرابع وهي الدولة العربية الوحيدة التي وقعت بين أكبر 5 دول تعرضت لسرقات أثرية في العالم، بمجموع 2789 قطعة أثرية مسروقة، وفي الترتيب الخامس حلت بلجيكا بمجموع سرقات أثرية بلغ 2280 سرقة.
تؤكد الأرقام الواردة أعلاه على اتساع حجم المشكلة العالمية لسرقة الآثار، وتُسلط الضوء على الدول الأكثر تضررًا، والتي كان لكل منهم حضارة عريقة، ولعل الكمية الهائلة من الآثار الموجودة في أوروبا وبخاصة في فرنسا وإيطاليا وتركيا، يجعلها هدفًا للصوص والمهربين، كما أن الحروب والصراعات لاسيما في دول مثل العراق تعد أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع معدلات سرقة الآثار، حيث تُستغل الفوضى لنهب المتاحف والمواقع الأثرية.
و من حيث أكثر المناطق الجغرافية التي وقعت بها سرقات الآثار عالمياً، فإن منطقة غرب أوروبا اعتلت القائمة حيث أبلغت 25 دولة فيها عن 19762 قطعة أثرية مسروقة.(كما هو موضح بالشكل رقم-2) تلتها منطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطى والتي أبلغت 15 دولة فيها عن عدد 7572 قطعة أثرية مسروقة، وحلّت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الترتيب الثالث حيث أبلغت 10 دول عن سرقات قطع أثرية بلغ مجموعها 7490 قطعة، وجدير بالذكر أن مصر وهي تقع ضمن دول هذه المنطقة الجغرافية أبلغت الإنتربول عن عدد 514 سرقة أثرية، ولعلّ أهم تلك السرقات” لوحة زهرة الخشخاش” التي سرقت في 2010، ولم تعود إلى مصر حتى الآن، رصدت كذلك وزارة الآثار المصرية 800 قطعة أثرية معروضة للبيع على موقع “إي باي- eBay” في عام 2013، شملت قطع فرعونية وعملات مصرية ولم تستطع استردادها كذلك. ورغم صدور قانون حماية الآثار في مصر رقم 117 لعام 1983 والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010 والقانون رقم 61 لسنة 2010 والقانون الحالي رقم 91 لسنة 2018، إلا أن كل تلك التشريعات والتي كان أبرز سماتها تغليظ عقوبة سرقة الآثار والاتجار فيها، لم تقف حائلاً نحو استمرار تلك الجريمة، بل الواقع رصد ظاهرة أخرى وهي تنقيب الأهالي من غير المختصين عن الآثار بغرض بيعها أو تهريبها، وهي ظاهرة تستدعى البحث والوقوف على أسبابها، التي من أهمها الحلم الخادع بالثراء السريع، وغياب الرقابة الكافية على المواقع الأثرية، والجهل بالقيمة التاريخية للآثار.
أخيراً؛ لمَا كانت سرقة الآثار جريمة تهدد التراث الإنساني وتشكل انتهاكًا صارخًا للهوية الثقافية للأمم، فثمة آليات يجب التحوط لها للحد من تلك الظاهرة على المستويين الوطني والدولي، أما على المستوى الوطني فالأمر لا يتعلق فقط بسن تشريعات صارمة وإنشاء أجهزة امنية متخصصة لحماية تلك الآثار، بل أضحى ضروريا توعية المواطنين بأهمية حماية تراثهم الثقافي والحضاري وعدم التفريط فيه، وإنشاء قنوات آمنة مع الأجهزة المختصة لتسهيل مهمة الإبلاغ عن مثل تلك السرقات، وأتمتة كافة القطع الأثرية في سجلات الكترونية يسهل من خلالها البحث عن القطع المسروقة وضبطها. أما على المستوى الدولي يتعين إنشاء قواعد بيانات شاملة تضم معلومات عن الآثار المسروقة لتسهيل عملية تتبعها واستعادتها، حظر بيع وشراء الآثار المسروقة في الأسواق الدولية بموجب معاهدات دولية، تكثيف جهود الأمم المتحدة بإصدار قرارات ملزمة بحظر الإتجار في الآثار المسروقة على غرار قراري مجلس الأمن الدولي رقم 2199 في 2015، ورقم 2347 سنة 2017 اللّذان أقرّا حظر الاتجار بالممتلكات الثقافية من العراق وسوريا.
الرئيسية نشرة رقم عدد اكتوبر 2024