77 عاماً كاملة متوسط العُمر المأمول الذي سيعيشه من يولد في 2050 ويظلّ على قيد الحياة، في المقابل سيفقد العالم 16 طفلاً رضيعاً لكل 1000 مولود في العام ذاته، بحسب تقديرات شُعبة السكان بالأمم المتحدة. لم يكُن الواقع بهذا القدر من التفاؤل وربما الطمأنينة قبل 70 عاماً، ففي 1950 لم يتجاوز متوسط عُمر الفرد 47 عامأ فقط أي أقل بـ 30 عاماً عمّا هو متوقع في 2050، وكان يموت 140 طفلاً رضيعاً لكل 1000 مولود على مستوى العالم، سيتضاءل إذن مُعدل وفيات الأطفال الرضّع الذين لم تتجاوز أعمارهم سنة بنسبة %89، وهي نسبة لافتة في غضون 100 عام. كما سيزيد مُعدل متوسط العُمر المأمول بنسبة %38.5.
ثمّة تساؤلان جديران بالطرح في هذا المقام هما، أولا؛ هل هناك علاقة بين معدلات وفيات الأطفال الرضع من ناحية، ومتوسط العُمر المأمول للحياة من ناحية أخرى أم أن لكل منهما مساراته ودلالاته الخاصة؟ ثانيا؛ وهل تتباين تلك المعدلات بحسب كل منطقة جغرافية على مستوى العالم أم أنها متساوية فيما بينهم؟
بيد أنه ليس من المُحتّم أن يعيش كل فرد 77 عاماً إذا لم يمُت في عام ميلاده الأول في 2050، فأسباب الوفاة عديدة تُلاحق الإنسان في أي مرحلة عمرية كانت، ولعل أصرخ مثال على ذلك جائحة كورونا التي أودتّ بحياة أكثر من 9 ملايين شخصاً في 15 شهر تقريباً، إلا أن تقديرات العُمر المتوقعة التي قدّرتها شعبة السكان بالأمم المتحدة، لا تتفاوت بنسبٍ كبيرة وفقاً للمجرى العادي للأمور، كما أن رصد معدلات عُمر الأفراد من عام 1950 إلي 2020 يُعطي بقدر من اليُسر دلالة استشرافية ربما لمئة سنة مُقبلة. من ثم نرصد منحنى ارتفاع متوسط العمر المأمول زمنياً مقابل متوسط انخفاض عدد وفيات الأطفال الرضّع، ومقدار التباين بحسب كل منطقة جغرافية على النحو الآتي؛
مُعدل ارتفاع متوسط العمر المأمول
تباينت مُعدلات ارتفاع متوسط العمر المأمول خلال 100 عام في الفترة ما بين 1950-2050، بين كل منطقة جغرافية وأخرى (الشكل رقم1)، ويعزّي ذلك عدم تساوى الدول صاحبة الرفاه الاجتماعي والنظام الصحي والغذائي الملائم مع نظائرها ذات الاقتصاد المتواضع وربما المتردّي. ففي بداية هذا القرن كان متوسط عُمر الفرد في منطقة شرق آسيا لم يتجاوز 45.4 عاماً، وهو ثاني أقل متوسط بعد منطقة شمال أفريقيا التي كان متوسط عمر الفرد فيها آنذاك 42.2 عاماً فقط، تلك المنطقة التي تضُم 7 دول هم الجزائر ومصر وليبيا والمغرب والسودان وتونس والصحراء الغربية. وجاءت منطقة أمريكا الجنوبية في الترتيب الثالث بمتوسط عمر بلغ 52.1 عاماً، أما منطقة أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية احتلتا المركز الأول والثاني بمتوسط أعمار بلغ 68.7 للأولي و67.81 للثانية.
يُتوقع مع نهاية هذا القرن ارتفاع متوسط العمر المأمول في منطقة شمال أفريقيا بنسبة أكثر من %45 ليبلغ 77.1 عاماً في 2050 إلا أنه سيزال مُتزيلاً الترتيب بمعدل أقل من 80 عاماً مُقارنة مع المناطق الجغرافية الأخرى التي تخطّت جميعها هذا الحاجز، ليكون متوسط العُمر المأمول في منطقة أمريكا الجنوبية هو 81 عاماً، و82.1 عاماً في دول شرق آسيا، أما بالنسبة لمنطقة أوروبا الغربية ستكون هي الأعلى بمتوسط يبلغ 85.7 عاماً، على خلاف منطقة أمريكا الشمالية التي يُتوقع تباطؤ مُعدل ارتفاع متوسط العُمر المأمول فيها ليحيا الفرد بداخلها 83.4 عاماً رغم أنها كانت الأعلى في بداية الـ 100 عام محلّ الرصد.
مُعدل تضاؤل متوسط وفيات الأطفال الرُضّع
كان يموت %20 من الأطفال الرضّع الذين لم يزد عمرهم على سنة في دول شمال أفريقيا السبعة عام 1950 بمعدل 201 طفلاً لكل ألف مولود حي، تلك هي النسبة الأعلى بين المناطق الجغرافية الأخرى والتي تعطي دلالة على انخفاض متوسط العُمر في حينها لأدنى مستوياته ليكون 42.2 سنة فقط كما سبق البيان، إلا أن مُعدل الوفيات انخفض بحدّة حتى 2020 ليتوفى 23 طفلاً لكل 1000 مولود، ويُتوقع أن يتقلص هذا العدد أيضاً بنسبة %50 في عام 2050 ليصل إلى 11.2 حالة وفاة فقط لكل ألف مولود حيّ، ولكنها ستظل الأعلى مقارنة بالمناطق الجغرافية الأخرى.
تُظهر المقارنة بين المناطق الجغرافية المختلفة بجلاء، مدى انعكاس أعداد وفيات الأطفال الرضّع على معدل العُمر وبخاصة في أنموذج أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، ففي مطلع القرن (1950) كانت تحظى المنطقة الأولى بأقل عدد وفيات للأطفال الرضّع الذي بلغ 30 حالة وفاة لكل ألف مولود حيّ وفي الوقت ذاته كان متوسط عُمر الفرد هو الأعلى بين المناطق الجغرافية الخمسة الأخريات الذي بلغ 68.7 سنة، وفي 2020 انخفض عدد وفيات الأطفال الرضع إلى 5.7 لكل ألف مولود حيّ بالتزامن مع ارتفاع متوسط حياة الفرد إلى 79.1 سنة، أما في 2050 يُتوقع أن تُسجل حالات وفيات الأطفال الرضّع 2.7 فقط لكل ألف مولود حيّ، في المقابل سيرتفع متوسط العُمر المأمول للحياة إلى 83.4 سنة لتصبح تلك المنطقة في الترتيب الثاني بعد منطقة غرب أوروبا التي ستشهد أقل عدد في وفيات الأطفال الرضّع والذي لن يتجاوز 1.3 لكل ألف مولود حىّ، في الوقت ذاته ستسجل أعلى متوسط عمر مأمول للحياة والذي سيصل إلى 85.7 سنة. من ثم فزيادة عدد وفيات الأطفال الرضّع في أمريكا الشمالية انعكس علي متوسط العمر المأمول بالسلب، وهو عكس المتوقّع في منطقة غرب أوروبا.
تُعطي المُضاهاة بين عدد وفيات الأطفال الرضّع من ناحية، ومتوسط العُمر المأمول للحياة من ناحية أخرى نتيجة منطقية وهي كلما قلّ الأول ارتفع الثاني، إذ أن ثمّة علاقة عكسية بينهما، فزيادة حالات الوفاة المبكرة للأطفال تُقلص من الحد الأقصي للعمر المتوقع للحياة والتي تظهر بجلاء في الفترة الزمنية بين عامي 1950 و2050، من خلال رصد البيانات في 5 مناطق جغرافية مختلفة كما هو موضح في بيانات الشكلين(1)،(2).