في يوم من أيام العام 2150 قبل الميلاد، ارتعش باطن الأرض في المنطقة المعروفة الآن باسم الأردن رعشة مفاجئة، انطلقت على إثرها أقدم موجات اهتزازية أرضية سجلها العلماء حتي الآن، ولا يزال معظم ما حدث في هذه الهزة غامضا، فمن غير المعلوم العمق الذي انطلقت منه موجاتها، ولا النمط الذي وقعت به أو المسار الذي اتخذته، أو الخسائر البشرية الناجمة عنها، ومع ذلك فإن المعلومات القليلة المتوفرة عنها جعلت العلماء يصنفونها علي أنها “زلزال كبير” بلغت قوته 7.2 علي مقياس ريختر الحالي، وخلّف خسائر تقع في مستوي “الخسائر الشديدة”، وأنه في الأغلب الأعم، كان الأول في سلسلة ممتدة من الهزات والرعشات الأرضية التي ظلت تتوالى بعد ذلك الى أن بلغت الآن نحو 6208 رعشة، وقعت بين العام 2150 قبل الميلاد والعام 2022 بعد الميلاد أو العام الماضي، أي خلال 4172 سنة، ما يجعل الزلازل الأرضية فعلا مفاجئا غير قابل للتنبؤ، لكنه في الوقت نفسه لا هو بالغريب أو القليل بالنسبة للأرض.
هذه المعلومة الافتتاحية أمكن ملاحظتها عند بدء مراجعة وتحليل مجموعة البيانات الأولية للنشاط الزلزإلي على الأرض عبر الـ 4172 عاماً الماضية، وخلال التحليل الذي قام به مركز “ جسور”، تم تقسيم هذه الفترة الزمنية الطويلة إلي وحدات زمنية، خمس وحدات منها تقع في فترة ما قبل الميلاد، وخمس أخريات يغطين فترة ما بعد الميلاد، ومتوسط طول كل وحدة زمنية هو خمسة قرون نحو 500 عاماً.
اعداد وقوة الزلازل
تفصح البيانات عن أن فترة ما قبل الميلاد مسجل بها 49 زلزالا، واحد منها خلال الوحدة الزمنية الأولي ( بين القرنين الـ 22 و21 قبل الميلاد) وهو زلزال الأردن المشار إليه، وبعد ذلك تم تسجيل أربعة زلازل فى كل وحدة من الوحدات الثلاث التإلية، أي بواقع 4 زلازل في الفترة من القرن 20 الى 16 قبل الميلاد، و 4 في الفترة من القرن 15 الى 11 قبل الميلاد، و4 في الفترة من 10 الى 6 ، ثم 36 زلزالا في الفترة من القرن 5 الى 1 قبل الميلاد.
تراوحت قوة الزلازل المسجلة قبل الميلاد بين المستوى المعتدل القوة الذي يقع في نطاق 5 و5.9 درجة على مقياس ريختر والمسجل به زلزإلين، والمستوى القوي الذي يقع في نطاق 6 و6.9 درجة، ومسجل به سبعة زلازل، والمستوى الكبير الذي يقع في نطاق 7 و7.9 درجة، ومسجل به 11 زلزالا، ثم 29 زلزالا غير معروفين القوة.
اختلف الأمر في فترة ما بعد الميلاد، حيث زاد العدد زيادة هائلة للغاية، وارتفع من 49 زلزالا إلي 6159 زلزالا، وخلال الوحدة الزمنية الأولي أي الفترة من القرن الأول إلي الخامس الميلادي وقع 93 زلزالا، ما يعادل نحو ضعف عدد زلال ما قبل الميلاد بأكملها، ثم قفز الرقم خلال القرون الخمسة التإلية من السادس إلي العاشر وبلغ 143 زلزالا، ثم تضاعف الرقم مرة أخري ليبلغ 316 زلزالاً خلال القرون من الحادي عشر إلي الخامس عشر، ثم يصل الأمر إلى ذروته القصوى خلال القرون من السادس عشر إلي العشرين، حيث وقع خلال هذه الفترة 4451 زلزالا، ثم هبط العدد خلال القرن 21 ليسجل 1156 زلزالا.
تكشف البيانات عن أن مستوى القوة في 3.9 % من زلازل فترة ما بعد الميلاد مصنف ضمن مستوى (عظيم) وهو أعلى مستوى قوة مسجل عبر التاريخ، لكونه يقع في نطاق القوة الممتد من 8 إلي 9.9 درجة علي مقياس ريختر، وكان هناك 21.8 % من الزلازل المصنفة على أنها كبيرة القوة وتقع في نطاق 7 و7.9 درجة، و23 % زلازل قوية تقع في نطاق 6 و6.9 درجة.
شدة الزلازل
من حيث شدة الزلازل ومستوي الإحساس بها وما تحدثه من تدمير، تقول بيانات الرصد المسجلة علي مقياس ميركإلي المعدل، والخاص بشدة الزلازل، أن 4 من الزلازل التي وقعت قبل الميلاد كانت خفيفة الشدة، وتقع في نطاق 7 و8 درجات علي مقياس ميركإلي، و7 منها متوسطة الشدة وتقع في نطاق 9 درجات، و8 منها عإلية الشدة وتقع في نطاق 10 درجات، و3 زلازل منها كانت ذات شدة حادة وتقترب من درجة التدمير الكلي للمناطق التي وقعت بها، وتقع في نطاق 11 درجة، و27 زلزالا منها غير معروفة الشدة.
أما زلازل ما بعد الميلاد فكان 1.18 % منها من مستوى الشدة المدمرة كليا وتقع في نطاق 12 درجة، و2.17 % من مستوى الشدة الحادة وتقع في نطاق 11 درجة، و 10 % منها عإلية الشدة وتقع في نطاق 10 درجة، و7.9 % متوسطة الشدة وتقع في نطاق9 درجات، و17.1 % خفيفة الشدة وتقع في نطاق 7 و8 درجات،و7 % غير مؤثرة، ويلاحظ أيضا أن الزلازل المدمرة كليا وقعت بالأساس خلال الفترة من القرن 16 إلي القرن 20، حيث بلغ عددها خلال هذه الفترة 70 زلزالا مدمرا من اصل 73 وقعت بعد الميلاد.
الزلازل جغرافيا
طبقا للبيانات المتاحة فإن أكثر مناطق الأرض ارتعاشا واهتزازا واطلاقا للموجات الزلزإلية هي منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي، حيث وقع بها ما يزيد علي ثلث الزلازل المسجلة على الأرض، او تحديدا 35.7 % بواقع 2216 زلزالا، من بينها 117 زلزالا عظيما، و672 زلزالا قويا. وتأتى منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي في المرتبة الثانية من حيث الاهتزاز والارتعاش على الأرض، حيث وقع بها 18.14 % من إجمإلي عدد الزلازل، وشهدت 76 زلزالا عظيما في نطاق 8 و9.9 درجة، و315 زلزالا كبيرا في نطاق 7 و7.9 درجة، وفي المرتبة الثالثة تأتي منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا بحصة قدرها 14.95 % من إجمإلي الزلازل، بينها 75 زلزالا كبيرا في نطاق 7و7.9 درجة علي مقياس ريختر، وتأتي منطقة القارة القطبية الجنوبية والمحيطات الأطلسي والهادئ والهندسي كأقل المناطق ارتعاشا واهتزازا علي الأرض، حيث تراوحت اعداد الزلازل بها بين 3 و5 زلازل خلال فترة الرصد الزلزإلي البالغة الـ 4172 عاما.
يفهم من الأرقام السابقة أن هناك حالة من القفز المتتإلي في أعداد الزلازل عبر الزمن، وحالة مصاحبة من تعاظم القوة في نسبة لا يستهان بها، وصولا إلي الزلازل العظيمة فائقة التدمير، ما يعني أن الأرض تزداد ارتعاشا واهتزازا مع الوقت، سواء من حيث العدد أو القوة أو الشدة، وربما يكون ذلك مرتبطا بزيادة النشاط البشري وزيادة حركة العمران، أو ربما تحسن وسائل الرصد والقياس التي تزداد تقدما ودقة وشمولا مع الوقت.