الأطفال المحرومون من حريتهم عالميا : بين 5 و17 عاماً … والمتوسط: 15 طفلاً لكل 100 ألف

لا يزال الأطفال المحرومون من حريتهم فئةً مهملةً ومنسيةً في المجتمع، وهم الأطفال الذين يتراوح أعمارهم بين 5 أعوام إلى 17 عاماً، وقدّرت بيانات منظمة اليونيسيف (UNICEF) مُعدلهم في الأعوام من 2021 حتى 2024 بـ15 طفلاً محروماً من حريته لكل 100 ألف طفل من السكان. ويشير مفهوم “الحرمان من الحرية” أو ما يُطلق عليه “الاحتجاز” بحسب وصف المنظمة إلى حالات ثلاث: أولا التحفظ على الطفل لدى الشرطة، ثانياً الحبس الاحتياطي لدى جهات التحقيق في المرحلة السابقة على المحاكمة، ثالثاً وأخيراً العقوبة السالبة للحرية المحكوم بها على الطفل من قبل المحكمة المختصة كجزاء جنائي لإثم اقترفوه. ونشير في هذا المقال معدلات احتجاز الاطفال بحسب المنطقة الجغرافية عالمياً، ثم مثالب احتجاز الأطفال، وأخيرا آليات الحدّ من احتجاز الأطفال، وذلك على النحو التالي؛
الاحتجاز جغرافياً
تشير بيانات منظمة اليونيسيف (UNICEF) التي أضحت أحد الوكالات الدائمة للأمم المتحدة منذ عام 1953، في الفترة بين 2021 حتى 2024، إلى أنه احتُجِز 34 طفل لكل 100 ألف طفل في منطقة أمريكا الشمالية والتي تضم عدة دول من أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية، كندا، لتكون هي المنطقة الجغرافية الأسوأ في معدلات احتجاز الأطفال عالمياً مقارنةً بالمناطق الجغرافية الأخرى، تلتها في الترتيب منطقة أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي والتي تتكون من 33 دولة أبرزها الأرجنتين، بوليفيا، البرازيل، تشيلي، كولومبيا، كوبا، فنزويلا، بمعدل احتجاز 26 طفل لكل 100 ألف طفل، وفي الترتيب الثالث عالمياً من حيث أسوأ معدلات احتجاز الأطفال منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي احتُجِز فيها 13 طفل لكل 100 ألف طفل، وهي تشمل 19 دولة من بينهم السواد الأعظم من الدول العربية بالإضافة إلى إيران. وحلّت في الترتيب الرابع منطقة أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى بمعدل احتجاز 12 طفل لكل 100 ألف طفل من سكانها، وخامساً جاءت منطقة شرق اسيا والمحيط الهادئ التي احتُجِز فيها 10 اطفال لكل 100 الف طفل من سكانها.
أما المناطق الجغرافية الأربع الأخرى كانت الأقل في معدلات احتجازها للأطفال، فعلى سبيل المثال احتُجِز 4 أطفال فقط لكل 100 ألف طفل في كل من منطقتى افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، و غرب ووسط افريقيا، أما منطقة شرق وجنوب افريقيا احتُجِز فيها 5 أطفال لكل 100 ألف طفل من سكانها، وأخيرا منطقة أوروبا الغربية ذات الرفاة الاجتماعي والاقتصادي احتُجِز فيها 9 أطفال لكل 100 ألف طفل من سكانها.
بيانات منطمة اليونيسيف (2021-2024)
المنطقة الجغرافية متوسط احتجاز الأطفال لكل 100 ألف
افريقيا جنوب الصحراء الكبرى 4
الشرق الاوسط وشمال افريقيا 13
امريكا الشمالية 34
امريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي 26
اوروبا الشرقية واسيا الوسطى 12
اوروبا الغربية 9
شرق اسيا والمحيط الهادئ 10
شرق وجنوب افريقيا 5
غرب ووسط افريقيا 4
العالم 15

تًظهر البيانات أن منطقة أمريكا الشمالية (أمريكا وكندا) لديها بالفعل أعلى معدلات احتجاز الأطفال عالميًا، مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 15 طفلاً لكل 100 ألف. هناك عدة عوامل ساهمت في ارتفاع هذه المعدلات من بينها الدور الذي تلعبه بعض الشركات الربحية في إدارة مرافق الاحتجاز في الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما مراكز احتجاز المهاجرين والأطفال، حيث تُنشئ هذه الشركات حوافز مالية للحفاظ على مستويات عالية من الإشغال، وتضغط أحيانًا من أجل قوانين عقابية أكثر صرامة، مما يساهم في زيادة معدلات الاحتجاز. كما أنه على عكس بعض المناطق الأوروبية التي لديها شبكات أمان اجتماعي قوية وخدمات شاملة للصحة العقلية والإدمان، فإن النقص في هذه الخدمات في منطقة أمريكا الشمالية يعني أن الأفراد، بما في ذلك الاطفال دون الـ17 عاماً، الذين يعانون من مشاكل نفسية أو إدمان المخدرات قد ينتهي بهم المطاف في نظام العدالة الجنائية بدلاً من تلقي العلاج، وهو ما يزيد فرص احتجازهم. يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على نظام الكفالة النقدية للإفراج عن المتهمين قبل المحاكمة، فإذا لم يتمكن الطفل أو عائلته من دفع الكفالة، فإنه يظل مُحتجزًا أمام جهات التحقيق أحياناً لشهور وليس أيام، حتى لو لم يرتكب جريمة عنيفة.
تجدُر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية – وعلى عكس ما يروج عنه إعلامياً – تتضاءل فيها حقوق الطفل مقارنة بباقي دول العالم، ولا أدل على ذلك بأنها الدولة الوحيدة في العالم التي لم تُصدق على اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل (CRC)، وهذه الاتفاقية هي المعاهدة الأكثر تصديقاً في تاريخ حقوق الإنسان(صدقت عليها 196 دولة من أصل 197 دولة عضو في الأمم المتحدة)، هذا يبرز الإجماع العالمي الواسع حول أهمية حقوق الطفل. وتحدد مجموعة شاملة من الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للأطفال.
مثالب الاحتجاز
يُمكن تأصيل مثالب الاحتجاز إلى مثالب بدنية فالأطفال المحتجزين يكونون أكثر عرضة للعنف وسوء المعاملة والاستغلال من قبل أقرانهم في بيئات الاحتجاز، وهو ما يعزز لدى الطفل من احتمالية عودته إلى الجريمة بعد الإفراج عنه بسبب التأثيرات السلبية والتجريم. ومثالث أخرى نفسية فلا شك أن بيئة الاحتجاز تؤثر سلباً على تكوين الأطفال نفسياً لما قد يعانوه من شعور دائم بالخوف والغضب، وقد يصبح الطفل أكثر عزلة وانطوائية بل وعدوانية،كما يرتبط الاحتجاز بوصمة عار اجتماعية قد تلازم الطفل مدى الحياة، مما يؤثر على فرصه في التعليم والعمل والعلاقات الاجتماعية لاحقًا، يضاف إلي ذلك أنه غالبًا ما يُحرم الأطفال المحتجزون من حقهم في التعليم أو يحصلون على تعليم ذي جودة متدنية، مما يقوض فرصهم المستقبلية.
آليات الحدّ من الاحتجاز
آليات الحدّ من احتجاز الأطفال ليست بدعة، ولا تحتاج للنص عليها بل لإنفاذها، فعلى سبيل المثال ألزمت المادة 37 من اتفاقية حقوق الطفل في الفقرة الأولى منها الدول بأن “ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا آملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة”، مقتضى هذا الإلزام هو البحث عن بدائل لاحتجاز الأطفال كإنشاء برامج تعديل سلوك الطفل بدلا من تعرض الطفل للإجراءات الجنائية، ويعد من البدائل الناجعة وضع الطفل تحت إشراف ضابط مراقبة أو منظمة مجتمعية، أو وضعه في أسر حاضنة أو في منازل إيوائية صغيرة داخل المجتمع، كذلك إنشاء برامج إعادة التأهيل والاندماج بدلاً من مجرد العقاب، فالغاية من العقوبة ليست الانتقام وإنما التقويم خاصة إذا كان مقترف الذنب طفلاً.