حصدت قناتا السويس وبنما ما يقرب من 110 مليار دولار إيرادات في الـ12 عاماً الأخيرة، كان لقناة السويس نصيب الأسد منها بمقدار 72.2 مليار دولار مقابل 37.7 مليار دولار لقناة بنما. ولعلّ التساؤل المطروح في هذا المقام هو؛ هل كانت وتيرة الإيرادات مستقرة لكلا القناتين على مدار فترة الرصد أم تعرضت لهزات وتذبذبات تفاوتت من عام لآخر؟ وإن وجدت فما هي تداعياتها وأسبابها؟
من حيث عدد مرات صعود وهبوط الإيرادات السنوية بداية من نقطة الأساس في عام 2010، تشير البيانات إلى أن قناة بنما شهدت صعوداً في إيراداتها 9 مرات مُقابل هبوطاً في إيراداتها مرتين فقط في عامي 2015 و2016 كما هو موضح بالرسم البياني. بينما شهدت قناة السويس صعوداً في إيراداتها 8 مرات مقابل 3 مرات هبوطاً فقط في الأعوام 2012 ، 2015، 2019ـ، وعلى الرغم من أن مؤشر الصعود والهبوط كان في صالح قناة بنما، إلا أنه لا يعطي دلاله حقيقية بأن أدائها كان أفضل من نظيرتها، إذ أن هناك عوامل أخرى يجب وضعها في الاعتبار لا سيما حجم هذه الإيرادات ونسبة الصعود والهبوط.
شهدت قناة السويس أقسى انكماشاً لها في عام 2015 حيث بلغت إيراداتها في عام 2014 ما قيمته 5.4 مليار دولار، انخفضت إلى 2.3 مليار دولار في 2015 أي بمقدار 42.5%، هذا الانكماش الحاد كان له عدة أسباب من بينها ما تعرضت له مصر من تذبذب في الوضع الاقتصادي لتحقق % 4.2فقط نمواً في السنة المالية 2014/2015 بحسب وزارة التخطيط المصرية، كذلك تباطؤ معدل نمو الاقتصاد العالمي ليبلغ ما نسبته %3.1 فقط في العام ذاته بحسب تقرير الوضع الاقتصادي العالمي2015 الصادر عن الأمم المتحدة، فضلا عن ذلك زيادة التكاليف الخاصة بتطوير وتحديث القناة والموانئ المرتبطة بها وصيانتها ليؤثر بطبيعة الحال على إيراداتها.
ولعلّ من بين أهم أسباب انكماش إيرادات قناة السويس في عام 2015، زيادة منافسة قناة بنما التي شهدت افتتاح توسعاتها في العام ذاته، لتستوعب ضِعف حمولة السفن المارة بها لتصل إلى 600 مليون طن سنويًّا، وأكثر من ضِعف الحاويات المارة بها لتنقل بين 12 ألف إلى 15 ألف حاوية، مقابل 5 آلاف حاوية قبل التوسعات التي أطلقها الرئيس البنمي في عام 2006 وإنتهى العمل فيها عام 2015.
جدير بالذكر أن قناة السويس لحقتها هي الأخرى توسعات في العام ذاته من خلال إضافة تفريعة جديدة بطول 35 كم، بالإضافة إلى توسيع وتعميق بعض التفريعات الأخرى بطول 37 كم ليصبح الطول الإجمالي للمشروع كممر ملاحي مزدوج 72 كم بهدف تقليل مدد انتظار السفن وزيادة عائدات القناة على المدى المتوسط والبعيد، والشاهد من الأرقام أن إيرادات القناة حققت قفزات مهمة متتالية بلغ أقصاها 9.4 مليار دولار في 2022/2023.
تظل الأهمية اللوجستية والطبوغرافية لقناة السويس بارزة بشكل كبير مقارنة بقناة بنما، وإن كان كلاهما يكون مكملا لبعضهما البعض أحياناً، إلا أن قناة السويس تتمتع بأرض رملية قابلة لزيادة عمقها لأكثر من 78.7 قدماً، فبقدر عمق القناة تستوعب سفن أكبر من حيث الحجم والغاطس وأضخم من حيث الحمولة، على خلاف قناة بنما التي لن يزيد عمقها أبداً عن 60 قدماً لأنها تعمل بنظام الأهوسة “Locks” أو الحجرات المائية الخاصة، وهو نظام يقوم على التحكم في رفع السفن من خلال رفع منسوب المياة في ثلاث غرف متتالية تدريجياً، حتى تصل لأعلى مستوى لها لتتساوى مع بحيرة غاتون “Gatun Lake” ويمكنها العبور خلالها حيئذ، وبعد المرور من هذه البحيرة تدخل السفن ثلاث غرف أخرى لتهبط تدريجيا على ثلاث مراحل وتستكمل مسيرتها.
ولعل تلك الخصوصية التي تتسم بها قناة السويس تبرر فوارق حجم الإيرادات السنوية للقناتين والتي بلغ إجماليها 72.2 مليار دولار لصالح قناة السويس في فترة الرصد بين عامي 2010/2011 حتي 2022/2023 أي في 12 عاماً متتالية، مقابل 37.7 مليار دولار فقط لصالح قناة بنما في الفترة ذاتها.
وعلى الرغم من اقتراب إيرادات قناة السويس من ضِعف إيرادات قناة بنما إلا أنه بالنظر إلى استقرار وثبات الإيرادات نجد أن قناة السويس تعرضت إلى تذبذبات وتقلبات حادّة مقارنة بقناة بنما من حيث الايرادات السنوية، حيث حققت قناة بنما أعلى معدل صعود لإيراداتها من عام 2020 إلى 2021 بزيادة مقدارها 0.52 مليار دولار، بينما أكبر هبوطا شهدته كان في عام 2016 بانخفاض مقداره 0.12 مليار دولار، وهو ما يشير إلى عدم حدوث تقلبات عنيفة سواء صعودا أو هبوطا في الإيرادات لتتسم القناة باستقرار نسبي.
أما قناة السويس كانت معدلات التذبذب والتأرجح في إيراداتها صاخبا لحد ما، حيث بلغ أعلى معدل صعود لها في العام الأخير بما مقداره 2.4 مليار دولار دفعة واحدة من 7 مليار دولار في عام 2021/2022، إلي 9.4 مليار دولار في 2022/2023، وهي قفزة كبيرة في الإيرادات، وفى المقابل تعرضت القناة إلى انخفاض حاد في 2015/2016 بفقدها 3.1 مليار دولار مقارنة بالعام الذي سبقه. وهي المرة الوحيدة التي كانت ايرادات قناة بنما فيها أعلي من إيرادات قناة السويس التي هبطت إلى 2.3 مليار دولار مقابل 2.6 مليار دولار لصالح قناة بنما، وبخلاف هذه السنة كانت إيرادات قناة السويس دائما تتجاوز إيرادات قناة بنما.
وبالنظر إلى فترة الرصد كاملة من عام 2010 /2011 حتى عام 2022/2023 نجد أن قناة السويس حققت معدل صعود كبير في إيراداتها من 5.1 إلى 9.4 مليار دولار أي بزيادة قدرها 4.3 مليار في ال12 عاماً توالياً، أي بمتوسط معدل زيادة سنوية يبلغ 0.35 مليار دولار، في المقابل بلغ معدل صعود إيرادات قناة بنما ما مقداره 4.32 مليار دولار في العام الأخير 2022/2023 من فترة الرصد مقابل 1.97 مليار دولار في العام الأول منها أي أن الزيادة في إيراداتها بلغت 2.35 مليار دولار، أي بمتوسط زيادة سنوية تبلغ 0.19 مليار دولار فقط، ليتضح من ذلك الفارق الجوهري بين القناتين من حيث الإيرادات السنوية من ناحية ومعدل الزيادة في هذه الإيرادات في الـ 12 عاماً محل الرصد.
يتضح مما سبق أنه لدى قناة السويس فرصة سانحة لزيادة إيراداتها مستقبلاً لما تتمتع به من خصوصية تتفرد بها عن نظيرتها قناة بنما لكونها قابلة للتمدد والتوسع من حيث العرض والعمق لتستقبل أعدادا أكبر من السفن بأحجام أضخم وبغاطس أعمق.