شهد البحث العلمي زيادة مضطردة في أعداد الباحثين عالمياً بنسبة بلغت 42% في الفترة ما بين 1996 حتى 2021، زامَنَها كذلك زيادة في الإنفاق المحلي على البحث والتطوير ولكن بوتيرة أبطأ بنسبة قدرها 25%، فبحسب بيانات منظمة اليونسكو – UNESCO، كان عدد الباحثين الذين يعملون بدوام كامل هو 789 باحثاً لكل مليون نسمة في أول عام من أعوام الرصد وهو 1996، وتجاوز عددهم 1000 باحثاً لكل مليون نسمة من سكان العالم في عام 2010، وبلغ أقصى عدد لهم وهو 1,352 باحثاً بحلول 2021.
الزيادة في أعداد الباحثين عالمياً على مدار 26 عاماً متتالية، قابلها زيادة أخرى في معدل حجم النفقات على البحث العلمي والتطوير، ولكنها لم تكن مماثلة بل أقل بنسبة 17% عن الزيادة التي طرأت في أعداد الباحثين، ففي عام 1996 أنفق العالم 1.44% من الناتج المحلي الإجمالي على البحث العلمي والتطوير، ونما هذا الإنفاق ليصل إلى ما نسبته 1.62 في عام 2010، ثم إلى 1.93% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، لتقدر الزيادة في حجم الانفاق بـ25% فقط.
لا شك أن هناك علاقة وطيدة بين كلا المؤشرين، فإذا كان البحث العلمي محركًا رئيسيًا للابتكار ولا يتأتى إلا من خلال كوادر بشرية لديهم نَهَم المعرفة وشَغَف التعلّم، فإن وجود النفقات الكافية التي تتناسب طردياً مع الزيادة في أعداد هذه الكوادر سنوياً من شأنها أن تُيسر سبل الابتكار، وتُسرع من وتيرة النمو الاقتصادي، وتزيد من أساليب الرفاه الاجتماعي.
وبحسب بيانات اليونسكو –UNESCO، تبيانت أعداد الباحثين من جهة، وحجم الانفاق من الناتج المحلي الإجمالي على البحث العلمي والتطوير من جهة، بين كل منطقة جغرافية وأخرى على مستوى العالم، ولعلّ عقد المقارنة بين تلك المناطق يبرز لنا تموضع منطقة الدول العربية في هذين المؤشرين عالمياً.
فبالنسبة لأعداد الباحثين، حظيت كل من مجموعة دول أوروبا الوسطى والشرقية، ومجموعة دول أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية على أكبر عدد من الباحثين عالمياً في كل سنوت الرصد مقارنة بالمناطق الجغرافية السبعة الأخرى، غير أن البيانات تظهر تضاعف أعداد الباحثين في دول أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية من 2,716 باحثاً في عام 1996 إلى 4,746 باحثاً لكل مليون نسمة في 2021، هذه الزيادة الكبيرة في اعداد الباحثين التي استحوذت عليهم دول أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية لم تحظى بها أي منطقة جغرافية أخرى، ورغم ما في جعبة دول منطقة أوروبا الوسطى والشرقية من باحثين كثر إلا أن معدل الزيادة في أعدادهم كانت متواضعة لتستحوذ على 2,332 باحثاً في عام 2021 بعدما كان لديها 2,219 باحثاً لكل مليون نسمة في عام 1996. كما هو موضح في الجدول رقم-1.
في المقابل سجلّت مجموعة دول منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى أقل عدد للباحثين في سنوات الرصد كافة والتي تراوحت بين 57 باحثا فقط في عام 1996، و94 باحثاً لكل مليون نسمة في عام 2021، تلتها مباشرة منطقة جنوب وغرب آسيا لتكون أقل ثاني منطقة جغرافية استحواذا على أعداد الباحثين عالمياً بإجمالي 150 باحثاً في أول عام من أعوام الرصد، و311 باحثاً لكل مليون نسمة في العام الأخير وهو 2021.
أما الدول العربية فتشير البيانات إلى زيادة أعداد الباحثين فيها بين عامي 1996 و2021 بنسبة 35%، حيث استحوذت على 407 باحثاً في بداية أعوام الرصد، وظلّت تضطرد اعداد الباحثين بالزيادة نسبيا باستثناء عام 2005 التي تراجعت فيه الأعداد قليلا، لتبدأ سلسلة زيادات مستمرة لتصل إلي 630 باحثاً لكل مليون نسمة في عام 2021. وإن كانت زيادة اعداد الباحثين تعد في حد ذاتها مؤشرات إيجابية إلا أن الدول العربية مدعوة لأن تولي اهتمام أكبر لزيادة أعدادهم حتى تصل للمتوسط العالمي وهو 1352 باحثا لكل مليون نسمة من سكانها.
أما بالنسبة لمعدلات الإنفاق المحلي على البحث والتطوير كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، فإنها شهدت تطورا تارة بالزيادة وتارة بالنقصان خلال فترة الـ26 عاماً، واستأثرت دول منطقتي شرق آسيا والمحيط الهادئ، وأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية بأعلى نسب انفاق بلغت 2.3% و2.9% على التوالي من الناتج المحلي الإجمالي لكليهما في عام 2021، وهو أعلى من المتوسط العالمي للانفاق على البحث العلمي والتطوير البالغ 1.9% من إجمالي الناتج المحلي، وانفقت دول أوروبا الوسطى والشرقية أكثر من 1% من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث والتطوير في العام ذاته. كما هو موضح الشكل رقم-2.
تُشير البيانات أن دول منطقة آسيا الوسطى كانو الأقل انفاقاً على البحث العلمي في سنوات الرصد كافة، حيث أنفقت 0.28% من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث العلمي والتطوير في عام 1996، وتراجعت هذه النسبة إلى 0.15% في عام 2021، وتلتها دول منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى لتكون ثاني أقل المناطق الجغرافية انفاقا على البحث العلمي حيث خصصت له نسبة 0.30% من ناتجها المحلي الإجمالي، والتي بلغت أقصاها في عام 2015 بنسبة 0.36% لتنكمش مجددا في عامي 2020 و 2021 إلى 0.33%.
أما منطقة الدول العربية حلّت في منتصف الترتيب بين المناطق الأكثر انفاقا والأقلها، حيث أنفقت ما نسبته 0.48% من ناتجها المحلي الإجمالي على البحث العلمي والتطوير في عام 1996، وانكمشت هذه النسبة قليلاً في العقد الذي تلاه لتسجل ما نسبته 0.45 % في 2000 و 0.46% في 2005، ثم تعيش رحلة صعود متتالي بين عامي 2010 التي أنفقت فيه 0.50%، و2021 التي أنفقت فيه 0.61% من ناتجها المحلي الإجمالي.
أخيراً تشير البيانات أن المناطق الجغرافية التي تشهد زيادات كبيرة في أعداد الباحثين نسبة لعدد سكانها، هي ذاتها المناطق الأكثر سخاءً في الانفاق على البحث العملي، هي ذاتها الدول التي تقدم بما لا يدع مجال للشك أفضل مستوى معيشة لسكانها.