عند التعامل مع بيانات الكوارث الدولية من منظور الخسائر البشرية والمادية منذ عام 2000 إلى الآن، يتبين أن الكوارث الطبيعية ألحقت أضرارا متفاوتة بنحو 4.7 مليار شخص، من بينهم مليون و781 ألف قتيل، ونحو 7 ملايين و391 ألف مصاب، و42 مليون و44 ألف بلا مأوى، ما يعني أن الإصابات تعادل 4.5 ضعف الوفيات، والذين بلا مأوى والمشردين يزيدون بمعدل 21% عن اجمالي المصابين والمتوفين معا، وعلى صعيد الخسائر المادية، اسفرت الكوارث عن اضرار مادية تتجاوز 4 تريليونات ونصف تريليون دولار.
على المستوى التفصيلي، أي كل نوع من الكوارث على حدة، نجد أن الزلازل أزهقت أرواح 791 ألف إنسان بنسبة 44%، وكلفت 90% من تكاليف إعادة الإعمار. وتسببت الأوبئة في إصابة 3 ملايين شخص أي 37% من الإصابات، وخلفت الفيضانات 19 مليون و934 ال مُشَرد بنسبة 47%، علاوة على تسببها في 40% من إجمالي المتضررين من الكوارث. وتأثر بالجفاف 35% من الأشخاص لكنه لم يخلف أعداد كبيرة من الوفيات والمصابين، بينما تسببت العواصف والأعاصير في 84% من إجمالي الأضرار المالية، و71% من تأمين الأضرار.
من زاوية أخرى، أظهرت البيانات أن الكوارث التكنولوجية، أو غير الطبيعية، كان اكثرها في فئة كوارث السفر والانتقال، التي تسببت في وفيات ومصابين قدرها 191 ألف إنسان، فيما تشرد 323 ألف شخص بسبب الانفجارات، وبالتالي أسفرت الحوادث الصناعية عن معدل أقل من الخسائر البشرية مقارنة بالطبيعية، أما من حيث الخسائر المادية، كشفت البيانات عن أن إجمالي أضرار الكوارث الطبيعية 4.5 تريليون دولار، مقابل 80 مليار دولار خسائر كوارث تكنولوجية.
الأضرار المؤمن عليها نتيجة الكوارث الطبيعية قدرت بأكثر من تريليون دولار، أي ربع قيمة الأضرار تقريباً، مقابل تأمين الكوارث التكنولوجية التي قاربت 2.5 مليار دولار بواقع 3% فقط من الأضرار.
وفيما يلي نستعرض تحليل لهذا المشهد المُتمثل في 9 أنواع من الكوارث الطبيعية و5 تكنولوجية، وخسائرها البشرية والمادية.
تكلفة الكوارث الطبيعية
الواقع أن تاريخ الكوارث الطبيعية في العالم مُظلم وطويل، ويبدو أنه لن ينتهي، فالطبيعة مازالت تعبر عن استياءها، وتثور على بني البشر. وها هي حرائق الغابات تزداد شراسة وضراوة ولا تتوانى عن أكل الأخضر واليابس. خاصةً وأن التقديرات الأولية تُشير أن الخسائر الاقتصادية لحرائق كاليفورنيا حتى الآن تتراوح ما بين 135 مليار دولار و150 مليار دولار، وما بين 8 مليار دولار و20 مليار دولار للأضرار المؤمن عليها. وإذا ما قارنا هذه المبالغ بتلك الواردة في قاعدة بيانات أحداث الطوارئ (EM-DAT) المحدثة في نوفمبر 2024 والتي لم تكن قد شهدت وقتها هذه الأحداث، نجد أن حرائق الولايات المتحدة قد تُمثل حوالي 94% من خسائر الحرائق الطبيعية بالعالم في 25 عام والتي بلغت ما يقرب من 143 مليار دولار، ونحو 30% من تكلفة التأمين عالمياً في نفس الفترة والتي قُدِرَت بحوالي 69 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن تكلفة الحرائق الطبيعية عالمياً في هذه الفترة لم تمثل إلا 3% من إجمالي أضرار الكوارث، أي أقل من نصف متوسط إجمالي الأضرار المقدرة بـحوالي 354 مليار دولار، و6% من تكلفة تأمين الخسائر، إلا أن العواصف والأعاصير المسئول الرئيسي عن حرائق الغابات الأخيرة في الولايات المتحدة، وتأجج الكارثة واستمرارها حتى اليوم، أحدثت 48% من إجمالي خسائر الكوارث المادية بتكلفة تجاوزت 2 تريليون دولار، و71% من خسائر تأمين الأضرار والبالغة حوالي 832 مليار دولار.
كما حصدت الفيضانات والزلازل الأضرار الأعلي بنسبة قدرت بحوالي 20% لكلاٍ منهما، وبلغت تكلفة تأمين هذه الأضرار نصف قيمة الأضرار أى 10% تقريباً لكلاٍ منهما. وبالرغم من أن عدد المصابين نتيجة الأوبئة- والبالغ 2 مليون 754 ألف إنسان- هو الأعلى بين جميع أنواع الكوارث الأخرى، إلا أن تكلفتها ليست واردة بالبيانات الأولية.
بينما لم يتم الصرف على الحرائق والعواصف والأعاصير لإعادة ا لإعمار إلا 800 مليون دولار للأولى، و2.5 مليار دولار للثانية أى 0.4% و1.2% على التوالي من إجمالى تكلفة الكوارث الطبيعية، بينما تكلفت بسبب الزلازل 188 مليار دولار، أى 91% تقريباً من الإجمالى، وبتفاوت كبير الفيضانات 7.6%.
تكلفة الكوارث التكنولوجية
استحوذت كوارث الانفجارات على أغلب تكاليف الكوارث التكنولوجية سواءً من حيث إجمالي الأضرار، أو التأمين عليها أو إعادة الإعمار. فلقد استحوذت على 61% من الأضرار، و57% من التأمين على الأضرار، وكانت الوحيدة في تكاليف إعادة الإعمار حيث قُدِرت بأقل من نصف تكاليف التأمين وقيمتها 3 مليار دولار تقريباً. أما الحوادث الصناعية فتكلفت ثلث الانفجارات تقريباً (21%)، وحوادث السفر حوالي نصف نصف الأضرار المؤمن عليها (28%).
الكوارث الطبيعية والخسائر البشرية
ومما يدعو للتفاؤل أن الحرائق الطبيعية أقل الكوارث تسبباً بقتل وإصابة وتشرد البشر، حيث تزيلت قائمة العشرة كوارث الطبيعية وقتلت ما يدنو من 3 الاف شخص أي 0.2% فقط من إجمالي الوفيات، بعد البراكين التي سجلت 0.1%. لكن ظلت العواصف والأعاصير من ضمن الكوارث الأكثر حصداً للأرواح، وتسببت في وفاة 14% من الإجمالي، وكانت الثالثة بعد الزلازل التي قتلت نصف وفيات الكوارث الطبيعية، والموجات الحارة التي أزهقت أرواح 17%. في حين تسببت الفيضانات، والأوبئة، والجفاف، والانهيارات الأرضية والجليدية، والموجات الباردة في قتل 8.5%، و7.4%، و1.5%، و1.3%، و1% على التوالي. وعلى نقيض الوفيات كان مصابو الحرائق ضمن الربع الأدني، فلم تسجل إلا 0.2% ومثلها البراكين، والانهيارات الأرضية والجليدية والجفاف. كما لم تخلف العواصف والأعاصير أعداد كبيرة من المصابين وسجلت 5% فقط من اجمالى مصابي الكوارث الطبيعية، وبالمثل الفيضانات، والموجات الحارة 3% تقريباً. وبالرغم من أن الأوبئة الأعلى على مستوى الاصابات عالمياً حيث بلغت حوالي 3 مليون إنسان بنسبة 38%، كان من المتوقع أن تتجاوز الأعداد أضعاف تلك المسجلة بالنسبة للوفيات والمصابين بسبب وباء كوفيد 19 الذي استمر ثلاث سنوات، إلا أنه يبدو أن قاعدة البيانات لم تشمله ضمن إحصاءتها. وتلت الأوبئة بنسبة أكثر من ربع الإصابات الموجات الباردة 26%، وبفارق بسيط الزلازل بواقع 23%.
الكوارث التكنولوجية والخسائر البشرية
لم يسلم البشر من الحرائق الصناعية والمتنوعة التي لم تسر على نفس النمط بالنسبة للوفيات والمصابين والمشردين، حيث أودت بحياة حوالي 8% من وفيات الكوارث التكنولوجية، وجاءت بعد حوادث السفر التي سجلت 69%، والانفجارات 11%، وتساوت الانهيارات الصناعية، والحوادث المتفرقة، وبلغت ما يقرب من 6%، في حين كانت الحوادث الصناعية الأقل بنسبة 1.4%.
كما خلفت الحرائق الصناعية عدد مصابين أكثر من القتلى بلغ 9% من المصابين وجاءت في المركز الثالث بعد الحوادث والانهيارات الصناعية. إلا أن أعداد مصابي الانفجارات تضاعفت، والحوادث المتفرقة زادت خمس مرات عن الوفيات. أما حوادث السفر كانت أعداد مصابيها نصف الوفيات.
وعلى النقيض، خلفت الحرائق الصناعية نصف أعداد المُشردين، وقاربتها الانفجارات 42%، وبفارق كبير الحوادث الصناعية، وأخيراً بنسب ضئيلة حوادث السفر، والحوادث المتفرقة والانهيارات الصناعية.