[acf field=”subtitle”]
في عام 1950 كان %70 من سكان العالم يقطنون بالمناطق الريفية، و%30 يقطنون بالمناطق الحضرية، وبحلول 2050، يتوقع ان ينقلب الوضع، ليصبح %68 من السكان يقطنون المناطق الحضرية، و%32 فقط يقطنون المناطق الحضرية، الامر الذي يدل علي أن القرن الممتد من 1950 الي 2050، قاد العالم إلي أكبر حركة تمدد للمناطق الحضرية، طوال التاريخ المعروف للبشرية، وهي حركة ظهرت خلالها المدن والمجتمعات الحضرية بكل تنظيماتها وعلاقاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المترابطة والمتكاملة، وانتهت بظهور المدينة العملاقة، وباتت تمهد لظهور “ المدينة الإقليم”.
تشير تفاصيل أحدث تقرير أصدرته إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة حول «آفاق التحضر في العالم»، إلي أن رحلة العالم نحو «المظهر الحضري»، بدلا من «المظهر الريفي»، بدأت تشهد تسارعا منذ خمسينيات القرن الماضي، وتحديدا منذ العام 1959، الذي شهد وصول عدد سكان المناطق الحضرية إلي مليار شخص، أي أن البشرية طوال تاريخها وحتي العام 1959، أضافت مليار واحد فقط داخل المناطق الحضرية، لكن الأمر تغير جذريا بعد ذلك، فبحلول عام 1985، كان عدد سكان المناطق الحضرية قد ارتفع الي 2 مليار شخص، أي أن المليار الثاني الذي ظهر بالمناطق الحضرية لم يستغرق سوي 26 عاما فقط.
تسارعت الدورة اكثر وتقلص زمن الوصول الي المليار الثالث إلي النصف تقريبا، فبحلول عام 2002، كان عدد سكان المناطق الحضرية قد اصبح 3 مليارات شخص، وبذلك استغرق المليار الثالث 17 عاما فقط، مقابل 26 عاما للمليار الثاني، أما المليار الرابع فاستغرق 13 سنة فقط، حيث بلغ عدد سكان المناطق الحضرية 4 مليارات بحلول عام 2015، مما يدل علي حدوث قدر من الهدوء في التمدد الحضري والانكماش الريفي خلال الفترة من 2002 الي 2015، مقارنة بالفترة من 1985 الي 2002.
التوقعات الواردة بالتقرير حول الفترة المقبلة، تقول أنه المليار الخامس سيستغرق ظهوره 13 سنة اخري، ليصبح عدد سكان المناطق الحضرية 5 مليارات في عام 2028، ليصبح معدل النمو في عد قاطني المناطق الحضرية خلال الفترة من 2015 الي 2028، مساويا للمعدل الذي ساد خلال الفترة من 2002 الي 2015، وسيتسمر الأمر بالمعدل نفسة للمرة الثانية خلال الفترة من 2028 الي 2041، حينما يبلغ عدد سكان المناطق الحضرية 6 مليارات، وبذلك يكون المليار الرابع والخامس والسادس من سكان المناطق الحضرية، قد استغرقوا الفترة نفسها وهي 13 عاما.
يرصد التقرير ظاهرة التمدد الحضري والانكماش الريفي، بطريقة أخري قائمة علي نصيب كل منهما من سكان العالم بالنسبة المئوية، فيقول أنه في العام 1950، كانت المناطق الريفية تستوعب %70 من سكان العالم، والمناطق الحضرية %30، وكان العالم ريفي المظهر، وفي عام 2018 تساوى الطرفان تقريبا، مع ميل طفيف لصالح المناطق الحضرية، التي قلبت الوضع وباتت تستوعب %55 من سكان العالم، فيما انحسرت حصة المناطق الريفية من السكان الي %45، والمؤشرات تقول أن التمدد الحضري والانكماش الريفي آخذان في التسارع، لتصل حصة المناطق الحضرية الي %60 من سكان العالم بحلول عام 2030، مقابل %40 للمناطق الريفية، ثم تتواصل الظاهرة ليحل 2050 والمناطق الحضرية بها %68 من سكان العالم، فيما تنكمش حصة المناطق الريفية إلي 32% فقط.
في داخل هذا التوجه العام، توجد العديد من التفاصيل الجديرة بالملاحظة، منها علي سبيل المثال أنه من المتوقع أن تكون الزيادات المستقبلية في حجم سكان الحضر في العالم مركزة بدرجة عالية في عدد قليل من البلدان، وأن ما يقرب من %90 من هذه الزيادة تحدث في آسيا وأفريقيا، وستشكل الهند والصين ونيجيريا معاً %35 من النمو المتوقع لسكان الحضر في العالم بين عامي 2018 و2050. ومن المتوقع أن تضيف الهند 416 مليوناً من سكان الحضر والصين 255 مليوناً ونيجيريا 189 مليوناً بحلول عام 2050.
وتمثل طوكيو أكبر مدينة في العالم حيث يبلغ تعداد سكانها 37 مليون نسمة، تليها نيودلهي بـ 29 مليون نسمة، وشانغهاي بـ 26 مليون نسمة، ومكسيكو سيتي وساو باولو، وكل منهما يبلغ عدد سكانه 22 مليون نسمة. فيما يبلغ عدد سكان القاهرة ومومباي وبكين ودكا اليوم ما يقرب من 20 مليون نسمة، ومن المتوقع أن يبدأ سكان طوكيو بالانحدار بحلول عام 2020، في الوقت الذي ستستمر دلهي في النمو لتصبح أكبر مدينة من حيث عدد السكان في العالم في حوالي عام 2028، وعلى الرغم من انخفاض مستوى التحضر نسبيا في آسيا، إلا أنها تشكل موطنا لحوالي %54 من سكان الحضر في العالم، تليها أوروبا وأفريقيا بنسبة %13 لكل منها.
لا يمكن اعتبار ظاهرة تمدد المناطق الحضرية، وانكماش قاطني المناطق الريفية، مجرد انتقال جغرافي وتغيير مكاني، طال بضعة مليارات من البشر عبر قرن من الزمان، بل هي في الجوهر تعبير عن تغيير عميق في المسيرة الإنسانية، فقد عاش الإنسان خلال معظم فترات التاريخ في تجمعات ذات طابع ريفي تعتمد على الجمع والالتقاط أو الصيد أو القنص أو الرعي والزراعة المتنقلة، ثم ظهر أسلوب الحياة ذات الممارسات المستقرة والمكثفة، شديدة الارتباط بالأرض بصفة دائمة، وهي خطوة مهدت لظهور المدن والمجتمعات الحضرية، التي لم تكف منذ ظهورها عن الزحف الحثيث بسرعة ومثابرة لكي تحل محل أشكال الحياة والإقامة والعمل الأخرى، وإن لم تفلح في القضاء عليها تمامًا. لكنها علي وجه اليقين قدات العالم نحو حقبة تاريخية جديدة تسيطر عليها أنماط حديثة من الحياة الحضرية، والإقامة والعمل في مدن ذات تكوين خاص يتناسب مع مستجدات الحياة، وبخاصة فيما يتعلق بالتقدم التكنولوجي وسهولة عمليات الاتصال والتواصل على نطاق واسع.
من الجوانب التي رصدها العديد من المفكرين والباحثين أن الاتجاه نحو التحضر يتم الآن بمعدلات أعلى في المجتمعات الأقل تطورًا عنه في الدول الأكثر تقدمًا، وهو أمر منطقي نظرًا لانعدام الخدمات الإنسانية والاجتماعية والصحية في المناطق الريفية من تلك المجتمعات. كذلك يلاحظ أن التزايد السكاني فيما يعرف باسم المدن العملاقة قد بدأ يتباطأ نسبيا، أو ربما يتوقف في بعض الحالات، على العكس من كل توقعات العلماء، التي كان يُخشى أن تسيطر على اتجاهات البناء الحضري في العالم بشكل عام، وبعض التفسيرات التي تناولت هذا الأمر، تذهب إلي أن أطراف بعض المدن بدأت تتمدد إلى مناطق شاسعة تتناثر فيها التجمعات السكانية، ليظهر نمط «المدينة الإقليم»، أو المدينة الواحدة التي تؤلف إقليمًا متكاملًا يضم مناطق خضراء تفصل بين هذه التجمعات السكانية التي تقطنها العائلات التي تفضل الابتعاد عن الاكتظاظ السكاني والهروب من البيئة الخانقة. مستفيدة في ذلك من التقدم الهائل في تكنولوجيا الاتصال والتواصل الإلكتروني، الأمر الذي يوفر على السكان مشقة التحرك والانتقال.