عادة ما يقدر طول الفترة الزمنية التي ترتعش أو تهتز فيها الأرض اثناء الزلازل بالثواني، وبالكاد قد تتجاوز الدقيقة الواحدة، لكن هذه الثواني القليلة تمضي مخلفة ورائها دمارا هائلا في المباني والممتلكات والمنشآت، وبحسب الإحصاءات المسجلة فإن الهزات الأرضية التي وقعت خلال الـ 2022 عاما الماضية، أوقعت خسائر كلية أو جسيمة فيما تزيد علي 26 مليون مبني ومنشأة، من بينها 13 مليونا و 852 ألف و422 مبني انهار وتهدم تماما، و12 مليونا و315 ألف و262 مبني آخر تضرر بدرجة أو بأخرى، وعند حساب قيمة الخسائر المادية الممتلكات العامة والخاصة خلال آخر ستة قرون فقط (من القرن الـ16 حتي القرن الـ21 ، نجدها بلغت 639 مليار و818 مليون دولاراً أمريكياً، أما الحقبة الزمنية التي سبقتها فلم يتم رصد أو تسجيل بيانات لها.
وعند تقسيم إجمالي قيمة الخسائر المادية المذكورة على فترتين زمنيتين وهما الفترة من القرن 16 إلي القرن 20، والفترة الراهنة وهي القرن الـ21، نلاحظ أنها حوالي 302 مليار دولار أمريكي خلال الخمسمائة عام بنسبة 47.2٪ من إجمالي الخسائر، و337 مليار و763 مليون دولار أمريكي خلال آخر 22 سنة فقط غير شاملة سنة 2023، بنسبة 52.8 ٪ من إجمالي الخسائر.
وقد يبدو هذا التقارب النسبي منطقياً إذا أخذنا في الاعتبار نمو عدد السكان في العالم نمواً مُطرداً على مدار الأعوام، ومن ثًم زيادة عدد المنازل السكنية والمنشآت والأبنية لمختلف الأغراض.
لم تسلم أيِاًً من المناطق الجغرافية بالعالم من الآثار المدمرة جراء هذه الظاهرة، لكن نصيب كل منطقة من الزلازل غير متقارب أو متكافىء نظراً للتكوين الجيولوجي وخاصةً منطقة الحزام الزلزالي حول المحيط الهادىء التي يحدث بها حوالي 80 ٪ من أكبر الزلازل على الأرض، وعليه تتفاوت الخسائر المادية من منطقة لأخرى بصورة واضحة، حيث تُظهِر الأرقام أن منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ وحدها حققت خسائر إجمالية بلغت 341 مليار و333 مليون دولاراً أمريكياً، أي 53.3 ٪ من إجمالي الخسائر، بينما زادت نسبة الخسائر بين الخمسة قرون (من 16 الى 20) وآخر 22 عام بحوالي 61٪، حيث كانت خلال الخمسة قرون 129.5 مليار دولار، بينما كانت 211.8 مليون دولار خلال الـ 22 عام.
وعلى الرغم من ذلك فهي ليست المنطقة المنكوبة الوحيدة، لأن منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي سجلت خسائر قدرها 77.4 مليار دولاراً أمريكياً بنسبة 22.7 ٪ من إجمالي الخسائر وهي تقريباً نصف نسبة خسائر شرق آسيا والمحيط الهادئ. ثم تلي تلك المنطقتان غرب أوروبا ومنطقة أمريكا الشمالية بقيمة 58.9 مليار دولار (9.2 ٪)، و56.6 مليار دولار (8.9 ٪) على التوالي، ليكونان متقاربتان ليس فقط جغرافياً وإنما في الضرر أيضاً. أما منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فلحقها الضرر بنسبة متقاربة لتلك المسجلة في أمريكا الشمالية، حيث خسرت 48.2 مليار دولار بنسبة 7.5 ٪. وأخيراً تأتي مناطق شرق أوروبا وآسيا الوسطى، وجنوب آسيا بنسب 5.6 ٪، و3.2 ٪ على التوالي، أما منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى فكانت الأوفر حظاً عن مثيلاتها حيث خسرت 590 مليون دولار أمريكي أي 0.1 ٪ فقط.
إذا تتبعنا الخسائر المادية التي لحقت بالمنازل سواءً بالهدم أو التضرر بدءاً من القرن الثاني عشر وحتى القرن الواحد والعشرين في مناطق جغرافية مختلفة، سنجد أن الأرقام المسجلة عن خسائر المنازل والمباني تغطي الفترة الممتدة من القرن السابع عشر وحتي القرن الواحد والعشرين، وباقي الفترات التاريخية لا تظهر بها تسجيلات عن المباني المنهارة كلية او المتضررة، باستثناء الفترة من القرن الثاني إلي القرن السادس التي تظهر بها إحصاءات عن المنازل المهدمة والمتضررة في منطقة غرب أوروبا فقط، وبالتحديد في إيطاليا التي تهدم بها نحو 1001 منزلا في الزلزال الذي وقع بها عام 258 ميلادية، كما وقع بها ما يتراوح بين 8 و 15 زلزالا بنسبة 53 ٪ من إجمالي الزلازل التي حدثت في تلك المنطقة في نفس الفترة الزمنية، وألبانيا (4 من 15 زلزال بواقع 27 ٪)، ثم قبرص وفرنسا والبرتغال بواقع زلزال واحد لكل منهم.
سارت الفترة من القرن 11 الى القرن 21 على نفس الوتيرة بالنسبة لشرق آسيا والمحيط الهادئ حيث تصدرت القائمة كالعادة على مدار الأعوام واستحوذت على 83 ٪ من إجمالي المنازل المهدمة، و77.3٪ للمنازل المتضررة. فقد تهدم بها ما بين القرن 11 الى القرن 15 نحو 127 ألف و916 منزلاً وتضرر 121 ألف و829 منزلاً، مقابل 50 منزل مهدم و53 متضرر في المنطقة الثانية والأخيرة في تلك الفترة التي شهدت زلازل وهي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومن بعدها خلال آخر ستة قرون (منذ القرن السابع عشر حتى القرن الواحد والعشرين) تفشت الزلازل بجميع المناطق الجغرافية الأخرى إلا أن شرق آسيا والمحيط الهادئ ظلت على رأس القائمة لأن الفارق بينها وبين المنطقة التي تليها كان يتعداها بفارق شاسعاً. فعلي سبيل المثال، بينما تهدم خلال القرن 16 الي 20 ما يقرب من 3.8 مليون منزل وتضرر 1.4 مليون منزل في منطقة حزام الزلازل، عانت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تهدم حوالي 437 ألف منزل، وفي نفس الفترة تضرر 144.6 ألف منزل في شرق أوروبا وآسيا الوسطى، ويبدو الفرق واضحاً بمجرد تمييز الأرقام، فحزام الزلازل أعداده بالمليون والمناطق التي تليه يُحْسب بالآلاف.
أما خلال الـ22 عاماً السابقة من القرن الحالي، فقد زاد عدد المنازل المُهدًمة بواقع الضعفين تقريباً في شرق آسيا والمحيط الهادئ عن الفترة الزمنية السابقة لها، وفي نفس الوقت تضاعف الفارق بين أعدادها المسجلة حوالي 7.5 مليون منزل وما بين جنوب أسيا المسجلة حوالي 720 ألف منزل بواقع 10 مرات تقريباً. وهو الفرق نفسه بالنسبة للمنازل المتضررة التي سجلت حوالي 8 مليون منزل في شرق آسيا والمحيط الهادئ، وما يقرب من 1.2 مليون منزل في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي. (الشكل 2)
وعلى الرغم من أن القرن الـ21 لا يزال في بدايته، فإن عملية رصد آثار الزلازل المدمرة لم تأخذ في الحسبان بعد آخر كارثة إنسانية حدثت أوائل فبراير 2023 في تركيا وسوريا والتي خلفت ما لا يقل عن 1.5 مليون مشرد في جنوب تركيا- طبقاً لتصريحات مكتب المساعدات الإنسانية بالأمم المتحدة- وضرورة إعادة بناء 500 ألف منزل على الأقل. في حين انهار 103 منزل في اللاذقية- سوريا- ونزح 172 ألف شخص، بينما تم إخلاء 300 مبنى آخر معرض للانهيار، ومازالت توابع الزلزال ترفع الحصيلة.