الدول متوسطة الدخل: تعريفات فعلية تعادل 25% من السقف الجمركي وتقود لسياسات تجارية مرنة

لم تُخِل الدول متوسطة الدخل بالتزاماتها بشأن تطبيق التعريفات الجمركية على السلع الواردة من شركائها التجاريين، حيث لم تتجاوز سوى 25% من السقف الجمركي المسموح به من قِبل منظمة التجارة العالمية، مما يعكس مستوى عالٍ من الانضباط والانفتاح التجاري. فقد بلغ متوسط التعريفات الجمركية المُطبقة من قبل هذه الدول 9.6%، وهو أقل بكثير من متوسط التعريفات الجمركية المُلزمة لها من المنظمة البالغ 38.7%. ويمثل هذا الفارق البالغ حوالي 29% دليلاً على وجود “فجوة جمركية” واسعة تمنح هذه الدول مرونة في تطبيق سياساتها التجارية دون الإخلال بالتزاماتها الدولية. وربما يدل استقرار التعريفات الجمركية المُقيِدة – التي لم تتعدَّ 41% ولم تقل عن 35% – على ثبات التزامات منظمة التجارة وتماسك قواعدها. أما الرسوم الجمركية الفعلية المطبقة، فقد اتسمت باتجاه عام نحو الانخفاض، إذ انخفضت بنسبة تقترب من 30% خلال الفترة من 2005 حتى 2023 (من 13% إلى 9%)، مع ثبات نسبي في مسارها عبر السنوات. وقد سجلت أكبر فجوة بين الرسوم المقيِّدة والمطبقة في عام 2013، حين بلغت 31.4%.
هذا التوجه نحو خفض الرسوم الجمركية بموجب مبدأ الدولة الأولى بالرعاية يرجع لأسباب اقتصادية واجتماعية، منها توفير سلع منخفضة التكلفة وعالية الجودة، مما يعزز من القوة الشرائية للمستهلكين، ويزيد من قدرة الصناعات المحلية على التنافس، لذا تُبقي على معدلات رسوم أقل من سقف التعريفة المقرر لها للحفاظ على هامش حرية أكبر يمنحها فرص مستقبلية لزيادة الرسوم المطبقة.
يبلغ عدد الدول متوسطة الدخل 101 دولة (من ضمنها 10 دول عربية أعضاء بالمنظمة وهي الجزائر، ليبيا، مصر، الأردن، لبنان، تونس، المغرب، جيبوتي، موريتانيا وجزر القمر) هي تلك التي يبلغ نصيب الفرد فيها من الدخل القومي الإجمالي ما بين 1146$ و14005$، وتنقسم بين دول:
1- الدخل المتوسط المرتفع (50 دولة) يبلغ نصيب الفرد فيها ما بين 4516 دولارًا و14005 دولارًا من الدخل القومي الإجمالي، ودول
2- الدخل المتوسط المنخفض (51 دولة) يبلغ نصيب الفرد فيها ما بين 1146 دولاراً و4515 دولاراً من الدخل القومي.
وعند المقارنة بين الحدود القانونية والتطبيق الفعلي للتعريفات استناداً للبيانات الأولية لمنظمة التجارة العالمية WTO ، سيلاحظ في البداية أن الرسوم المُقيِدة للدول أو ما يعرف بالسقف الجمركي، قد وُضِعت من قبل منظمة التجارة العالمية لحماية الصناعات المحلية، ما يعني أنه كلما ارتفعت هذه النسبة وارتفع السقف الجمركي، زادت مساحة وحرية الدولة في تطبيق رسوم جمركية فعالة. وقد بلغ أعلى متوسط للرسوم المُقيِدة أول الفترة عام 2005 بنسبة 41%، قبل أن تنخفض تدريجياً لتصل إلى 34.7% في عام 2017، وهو أدنى مستوى خلال الفترة مسجلة أعلى هبوط في سنة واحدة بمقدار 5.4 نقطة مئوية مقارنةً بعام 2016 (40.1%) . وخلال تلك الفترة من 2005 إلى 2017 تذبذبت النسب ما بين الصعود والهبوط تراوحت بين 36.4% و40.7% في نطاق محدود لم يتعدى 4.1% درجة مئوية. ثم عادت للارتفاع مجددًا اعتبارًا من 2018 وحتى 2023، واستقرت في حدود تتراوح بين 37.9% و39.3%..
بالمقابل .. فإن رفع نسبة الرسوم الفعلية المطبقة بمعرفة الدول يعني أنها اقتربت من القيود المُحددة لها من قبل منظمة التجارة، وخفضها يشير الى رغبتها في تعزيز الواردات وقدرتها التنافسية. وقد شهدت بداية الفترة أعلى متوسط رسوم فعلية مطبقة بمعرفة الدول بلغ 13% عام 2005 ومن الدول التي رفعت هذه النسبة جيبوتي (28%، ومصر والهند 19% لكلٍ منهما)، تلاه انخفاضاً واستقراراً بعدها بين 2006 و2009 (11%- 9.5%) وخلال السنوات الأربع كانت جيبوتي وإيران أعلى رسوم (27.8% للأولى، و26% للثانية عام 2007). ثم واصلت انخفاضها حتى نهاية الفترة، وسجلت أقل نسب في الـ 19 عاماً خاصةً من 2020 الى 2023 (8.8% و9.1%) كانت أعلاها في تونس 19%، والكاميرون والكونغو 18% لكلٍ منهما، وأقلهما تميور الشرقية 2.5%، وجزر كوك 3.4%، والأردن 4%. وباقي الأعوام التي تتوسط القائمة 2010، 2014، 2015، 2016، 2019 تراوحت ما بين 9.3% و9.6% .
من ناحية اخري، تُمثل الفجوة بين الرسوم الجمركية المُقَيِدة والفعليّة المساحة التي تحتفظ بها الدول للتصرف دون تجاوز فى التزاماتها الدولية والتي قد تُستَخدم لاحقًا كأداة لدعم القطاعات الانتاجية الوطنية. وبالنظر الى نسبة استخدام أو تطبيق الدول من السقف المسموح لها من المنظمة، نجد أن الدول لم تستخدم عند التطبيق إلا 25% فقط. وقد مال الاتجاه العام الى الانخفاض، خاصةً في أول الفترة حيث بدأ بـ 32% في 2005 وانتهى بـ 22% في 2013، ثم التذبذب من 2014 الى 2019 (بحد أقصى 26% وحد أدنى 23%)، وأخيراً معاودة الانخفاض المستمر أخر 4 سنوات (22% و23%).
والفرق السنوي بين المحدد بالمنظمة والمطبق الفعلي من الدول تراوح ما بين الأعلى 31.4% عام 2013 والأقل 25.7% في 2017. والأعوام التي سجلت أعلى فروق بالترتيب التنازلي كانت 2016، 2021، 2011، 2022، 2023، 2015، 2008، 2007 وتراوحت بين 30.8% و29.7%
وأخيراً، إن الاتجاه العام للدول متوسطة الدخل نحو فرض رسوم أقل من سقف الالتزام، يُعتبر مؤشراً إيجابياً على تبني سياسات تجارية مرنة تعزز من قدرتها على جذب الاستثمارات مع احتفاظها بهامش سياسي ومالي لزيادة الرسوم مستقبلاً، لكن هذا الالتزام لا يستمر طويلاً طالما تتغير أحداث العالم السياسية والاقتصادية.