الديون عالميا:
اخطبوط .. أوله بهجة انتهازية عارضة وآخره كآبة قاسية دائمة
إذا كنت مهتما بقضية الديون الخارجية عالميا، وآثارها الوخيمة حاليا ومستقبلا، فإن مركز “جسور” يقدم لك قاعدة بيانات تفاعلية حول هذه القضية، تستخدم فيها أدوات العرض والتمثيل البصري للبيانات، وتستند بالكامل الي تقرير البنك الدولي لعام 2023 حول حالة الديون عالميا، وهو عبارة عن مسح إحصائي يغطي حالة الديون في 123 دولة، خلال 43 عاما تغطي الفترة من عالم 1970 وحتي عام 2030، يوفره البنك في صورة بيانات أولية موضوعة على شكل أكواد ومختصرات وبيانات وصفية متخصصة، يصعب على الكثيرين من غير المتخصصين فهمها والتعامل معها بسهولة، ولذلك قام مركز جسور بالتعامل معها احصائيا وفنيا وتحليليا، لتصبح مفصلة مفهرسة مبسطة باللغة العربية، ومن ثم تتيح فرصة جيدة للنظر الي تفاصيل القضية من عشرات الزوايا، زمنيا وجغرافيا وماليا وموضوعيا، وتجعل بإمكانك القيام بمراجعات إحصائية معلوماتية حول الديون، تصل بك في النهاية الي توضيحات للعديد من ملامح وأركان قضية الديون المترامية الأطراف، والبالغة العمق والقوة والتأثير، والتي تجرى في كثير من الأحيان بين دائن بعقلية المرابي الجشع، وسلطات وحكومات تسعي للاستدانة بعقلية الطامع الانتهازي، وشعوب تدفع فاتورة المراباة والانتهازية معا.
قبل شرح تفاصيل القاعدة وكيفية التعامل معها، نشير إلي أن بيانات البنك الواردة بهذا المسح تكشف عن أن الديون ليست ظاهرة بسيطة، أو مجرد قضية معقدة، بل هي في جوهرها تكاد تكون “صناعة ” متكاملة الأركان، بها ما يلعب دور المواد الخام، وما يلعب دور التجهيز للإنتاج، وما يلعب دور خطوط الإنتاج، وما يلعب دور تسويق ونقل وتوزيع وبيع المنتجات، وما يلعب دور تعظيم الفائدة والبحث عن سبل للتطوير وبدء دورة انتاج جديدة، حينما قمنا بالنظر إلي هذه الصناعة من زاوية التنظيم والهيكلة، بدت لنا مثل اخطبوط عملاق، أذرعه ليست ثمانية كما هو معتاد في الطبيعة، ولكنها 15 ذراعا، كل منها يلتف ويمسك بجزء أو مكون من مكونات هذه الصناعة، ولذلك قمنا بتصميم وبناء التمثيل البصري لهذه البيانات علي نحو يجعله مكونا من 15 لوحة بيانات، كل منها يعرض الإحصاءات التي يعمل بها واحد من أذرع هذا الاخطبوط أو بالأحرى واحد من المكونات التي تقوم عليها هذه الصناعة.
على الجانب الآخر، لابد من الإشارة إلى أن التشابك والتعقيد بين أذرع الاخطبوط، عكس نفسه وجسدها في البيانات نفسها من الناحية الفنية والإحصائية، وجعلها هي الأخرى في حالة عالية من التعدد وإعادة الاستخدام طوال الوقت، مما يجعلها غير قابلة للعرض بصورة مباشرة، لأن العرض المباشر يحمل في طياته احتمالية دمج بيانات لا يجوز دمجها معا، او استبعاد بيانات لا يجوز استبعادها، ومن ثم تحمل البيانات المعروضة في صورة مباشرة بسيطة احتمالات عالية لعدم الدقة أيضا.
قاعدة البيانات واللوحات التفاعلية وكيفية الاستخدام
للتعامل بصورة سليمة مع هذا التحدي، وعرض البيانات في حالتها الدقيقة السليمة دون تداخل او نقصان او زيادة، جاء العرض التفاعلي لـ “جسور” مكونا من 15 لوحة بيانات، كل لوحة منها تمثل زاوية رؤية، أو بعد من الأبعاد التي يمكن من خلالها النظر إلي حالة الديون، والوصول الي البيانات الصافية الخالصة الخاصة بهذه الرؤية او تلك، وتتمثل الزوايا الخمس عشرة التي تعرضها لوحات البيانات التي يضمها العرض التفاعلي في : التطور التاريخي ، التوزيع الجغرافي، توزيع الديون على السكان، المؤشرات الإجمالية للديون، الجهات الدائنة، أنوع الديون، عملات الديون، الجهات المتلقية داخل الدول المدينة، صافي التدفقات، وصافي التحويلات، والأقساط والفوائد، والتخفيض، والجدولة، والمتأخرات، وأدوات المتابعة.
يوجد فهرس للوحات معروض فى الجزء العلوي لجميع لوحات العرض، لسهولة التنقل فيما بينها بمجرد الضغط علي اللوحة المطلوبة، واسفله حقول بحث وقوائم تصفية مركزية، تتدرج من البحث في القارة الي البحث في المنطقة الجغرافية إلي البحث في الدول، ما يعني أن أي عملية بحث أو عرض للبيانات يتعين أن تبدأ باختيار قارة او منطقة أو دولة، من اجل التصفية والتخفيف من البيانات المعروضة، لتكون معبرة عن حالة بعينها، وفي أغلب الحالات ستكون الأعداد المعروضة مكونة من ارقام عديدة، وبالتالي قد لا تظهر مكتملة، ولعرضها بصورة صحيحة يمكن تحريك الماوس فوق الرقم لعرض العدد بأرقامه كاملة، ويرجي العلم أيضا أن البيانات ليست مكتملة في كل الأحوال، بل معروضة كما وردت في المسح الإحصائي للبنك الدولي، بما فيها من فجوات ونقص في البيانات الخاصة ببعض السنوات، وبعض المعايير والتصنيفات وبعض الدول التوزيعات الجغرافية، وفي النهاية جاءت لوحات البيانات علي النحو التالي:
لوحة التطور التاريخي
تتضمن رسمين بيانيين تفاعليين الأول يعرض التطور في قيمة الديون من عقد لآخر، والثاني يعرض التطور التاريخي في قيمة الديون من سنة لأخرى، ويهما يعرضان قيمة الدين محسوبة علي أساس اجمالي الدين الخارجي للفرد بالدولار الأمريكي مضروبا في عدد السكان، والأعداد بالتريليون دولار، ويمكن الاستخدام باختيار القارة او المنطقة او الدولة سواء بكتابة الاسم في حقل البحث او الاختيار من القوائم المنسدلة، لعرض بيانات الجهة التي تم اختيارها او البحث عنها.
لوحة عرض التوزيع الجغرافي
ويتم فيها عرض البيانات موزعة علي الأماكن الجغرافية عالميا، ولاستعراض البيانات بهذه اللوحة يتم اختيار السنة من قائمة تصفية “فلترة” السنوات علي اليمين، ليظهر التوزيع الجغرافي للديون عالميا في هذه السنة من خلال شكلين بيانيين تفاعليين الأول يعرض التوزيع علي القارات، والثاني يعرض التوزيع علي الدول، وعند الرغبة في تضييق نطاق عرض البيانات يمكن اختيار السنة ثم استخدام حقول البحث العلوية لاختيار قارة او منطقة لعرض التوزيع الجغرافي للديون بداخلها هي فقط في السنة المختارة فقط.
لوحة التوزيع السكاني
تعرض اللوحة توزيع الديون علي السكان، من خلال ثلاثة رسوم بيانية، الأول يعرض التطور السنوي في عدد السكان، والثاني يعرض القيمة الإجمالية للديون، والثالث يعرض قيمة الدين الخارجي للفرد بالدولار الأمريكي، وذلك من عقد لآخر، والوضع الافتراضي للوحة هو عرض البيانات الخاصة بالعالم اجمع، ويمكن بالطبع استخدام حقول البحث وقوائم التصفية في تصفية البيانات المعروضة لتكون بحسب القارة أو المنطقة أو الدولة.
لوحة اجماليات الديون
تعرض 28 بيان كل منها يخص جانب من الجوانب الإجمالية للديون، مثل إجمالي ارصدة الدين الخارجي، وقيمة خدمة الدين وارصدة الديون الخارجية طويلة الاجل ، واقساط سداد اصل الدين طويل الاجل، وارصدة الديون قصيرة الاجل وغيرها، وكما هو معتاد تعرض اللوحة في وضعها الافتراضي الأرقام علي مستوي العالم، ويمكن تصفيتها بالقارة والمنطقة والدولة.
لوحة الجهات الدائنة
تعرض هذه اللوحة قيمة الديون عالميا مقسمة بحسب الجهات الدائنة، وهي الدائنون الرسميون من الحكومات والوكالات الرسمية التابعة لها، والدائنون من القطاع الخاص بعيدا عن الحكومات، والديون المقدمة من صندوق النقد الدولي، والديون المقدمة من البنك الدولي للإنشاء والتعمير، ومن المؤسسة الدولية للتنمية، ومن البنوك التجارية، والديون التي تم الحصول عليها من خلال بيع السندات الحكومية في البورصات العالمية.
تتضمن طريقة العرض مربعات عرض بيانات تعرض الجهة الدائنة وقيمة الديون التي تقدمها، وبجوارها شكل بياني يقدم تمثيل بصري بطريقة الاعمدة لنصيب كل جهة من الديون، ثم يليهما رسم بياني يعرض التطور السنوي في قيمة الدون المقدمة من كل جهة دائنة، من عقد لآخر، ويمكن استخدام حقول البحث وقوائم التصفية لتغيير البيانات لتعرض بيانات قارة او منطقة او دولة أو سنة، ويمكن استخدام مربعات البيانات لتنفيذ مزيد من التصفية وعرض التطور السنوي للديون المقدمة من الجهة الدائنة المختارة فقط.
لوحة أنواع الديون
تقدم قيمة الديون طبقا للنوع، وبحسب التصنيف والتحليل الذي تم امكن إحصاء 12 نوعا من الديون يظهرون في هذه اللوحة، وهم الديون طويلة الاجل ديون البنوك التجارية ومتعددة الأطراف والثنائية والميسرة الثنائية وقصيرة الاجل والميسرة متعددة الأطراف والميسرة والمنح ومنح التعاون الفني والسندات والديون العامة المضمونة من الحكومات.
وكما هو الحال مع الجهات الدائنة، تتضمن اللوحة مربعات عرض بيانات تعرض نوع الدين، ثم شكل بياني يوفر تمثيل بصري بطريقة العمدة لقيمة كل نوع، ثم رسم بياني يعرض التطور السنوي، ويمكن التصفية بالقارة والمنطقة والدولة، واستخدام مربعات البيانات لمزيد من التصفية علي النحو السابق عرضه في لوحة الجهات الدائنة.
لوحة عملات الديون
تعرض قيمة الديون موزعة بحسب نوع العملة التي تم الاقتراض بها، واستنادا للبيانات فإن الديون تم اقتراضها بـ 11 عملة، هي الين الياباني والدولار الأمريكي والمارك الألماني والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري والفرنك الفرنسي واليورو، فضلا عن الاقتراض في صورة سندات وحقوق سحب خاصة، وعملات أخرى، وتتضمن اللوحة مربعات بيانات بقيمة الديون بكل عملة من هذه العملات، فضلا عن جدول يعرض التوزيع التفصيلي للعملة، ثم رسم بياني يعرض التطور في قيمة الديون بحسب نوع العملة من عقد لآخر، وكما هو الحال في الجهات الدائنة وأنواع الديون، يمكن استخدام حقول البحث وقوائم التصفية ومربعات المعلومات للتحكم في البيانات المعروضة.
لوحة الجهات المدينة
تعرض قيمة الديون مقسمة علي الجهات الداخلية التابعة لكل دول من الدول المتلقية للديون، وعددها سبع جهات هي الحكومة والحكومة كضامن للدين العام والقطاع الخاص والبنك المركزي والديون غير المضمونة للقطاع الخاص والقطاع العام والجهات غير الحكومية المضمونة من الحكومة، وتعرض اللوحة البيانات بالطريقة المتبعة بلوحات الجهات الدائنة والانواع، من حيث استخدام حقول البحث وقوائم التصفية ومربعات البيانات والرسم البياني.
لوحة صافي التدفقات
يقصد بصافي التدفقات القيمة الصافية للديون التي تدفقت أو وصلت بالفعل للدول المدينة، وهي معروضة باللوحة علي مستويين التدفقات الرئيسية بحسب النوع والجهة الدائنة في نحو 28 مربع بيانات، بالضغط علي أي منها تظهر التدفقات التفصيلية الواردة من الجهة او النوع الذي تم اختياره في جدول علي يسار قائمة المربعات، وأيضا التطور السنوي في هذا النوع من التدفقات من عقد لآخر، ويمكن التحكم في عرض البيانات بالطريقة نفسها المتبعة في عرض بيانات عملات الديون، مع التحكم من خلال حقول البحث وقوائم التصفية بالقارة والمنطقة والدولة.
لوحة صافي التحويلات
وهي تعرض قيمة الديون التي وصلت للدول المدينة في صورة تحويلات، وتعمل هذه اللوحة بالطريقة نفسها المتبعة في لوحة صافي التدفقات.
لوحة الأقساط
تعرض قيمة أقساط الديون المطلوب سدادها بحسب جداول ومواعيد السداد المتفق عليها مع الدائنين، وهي تتضمن بيان بـ 13 نوعا من الأقساط، لأصل الدين الخارجي طويل الاجل وقصير الاجل وديون القطاعين العام والخاص وغيرها، وتعرض اللوحة هذه البيانات من خلال شكل يقدم تمثيلا بصريا بقيمة كل نوع من الأقساط، وكما هو الحال في جميع اللوحات يمكن استخدام حقول البحث وقوائم التصفية لعرض حالة الأقساط علي مستوي الدولة أو المنطقة و القارة في صورة اجمالية، وفي الوقت نفسه عرض التطور في قيمة الديون بحسب الأقساط من عقد لآخر، وكما هو معتاد في اللوحات السابقة، يمكن عرض التطور السنوي في كل نوع من الأقساط بالوقوف علي العمود الخاص بالنوع داخل الشكل.
لوحة الفوائد
تعرض قيمة الفوائد المترتبة علي الديون، وتتضمن ثلاثة اقسام الأول مربعات بيانات تتضمن الجهة الداخلية المدينة وقيمة فوائد الديون التي اقترضتها، والثاني جدول يعرض نوعية وقيمة الفوائد التي تكبدتها الجهة علي نحو تفصيلي، ثم رسم بياني يتضمن التطور السنوي في قيمة الفوائد من عقد لآخر، ويمكن استخدام حقول البحث وقوائم التصفية، ثم الضغط علي مربع البيانات الخاص بأي جهة، لعرض الفوائد التفصيلية والتطور السنوي في الفوائد التي تحملتها الجهة.
لوحة التخفيض والجدولة
تعرض قيمة التخفيض وإعادة الجدولة وفترات السماح والمنح، التي تمت علي الديون، نتيجة جهود قام بها البنك المركزي أو الحكومة كضامن للدين العام على أنواع الديون كافة، ومع جميع الدائنين، وتعرض اللوحة البيانات من خلال مربعين للبيانات الأول لجهود التخفيض وإعادة الجدولة وفترات السماح والمنح التي تمت بمعرفة البنك المركزي، والآخر للجهود نفسها التي تمت بمعرفة الحكومة، وبجوار المربعين يظهر شكل بياني به قيمة الديون التي شملتها الجدولة والتخفيض وفترات السماح والمنح، ثم رسم بياني يعرض التطور السنوي في هذه القيم، ويتم التحكم في عرض البيانات بالطريقة نفسها المتبعة في لوحات الفوائد والاقساط.
لوحة المتأخرات
تعرض قيمة الأقساط وفوائد الديون التي تم التأخر عن دفعها في موعدها المتفق عليه بين الدائنين والمدينين، واللوحة مقسمة جزئين جدول يعرض 14 نوعا من المتأخرات وقيمة كل منها، ورسوم بياني يعرض التطور السنوي في قيمة المتأخرات، ويمكن التحكم في عرض البيانات من خلال حقول البحث وقوائم التصفية بالدولة والمنطقة والقارة، ثم اختيار أي نوع من المتأخرات في الجدول لعرض التطور السنوي الخاص به.
لوحة أدوات المتابعة
لا تقدم هذه اللوحة أي قيم إحصائية، وإنما تقدم الجانب المعرفي الخاص بالمصطلحات والتعريفات والشروحات الخاصة بكل أداة من أدوات متابعة وإدارة الديون، والتي وردت في اللوحات السابقة كافة، وهي مقسمة إلي قائمة التصنيفات الرئيسية، التي يمكن اختيار أي منها لتظهر الأداة المستخدمة في متابعة الديون في هذا التصنيف، وبالضغط علي الأداة يظهر الشرح الخاص بها كما هو موضوع من قبل البنك الدولي، وكالعادة يمكن تضييق نطاق البحث من خلال استخدام حقول البحث وقوائم التصفية علي مستوي القارة والمنطقة والدولة.
سلعة معرفية وسيطة و3 سمات رئيسية
يقدم جسور كل البيانات السابقة ليس باعتبارها المادة الخام الأولية المقدمة من البنك الدولي، ولا باعتبارها دراسة بحثية نهائية مكتملة الأركان، وفق منهجية كاملة بدأت بالتوصيف وانتهت بالتحليلات والنتائج والتوصيات، ولكن باعتبارها باعتبارها “سلعة بحثية ومعرفية وسيطة” غير تامة الصنع، تم فهرستها وتصنيفها وتعريبها ووضع آليات تفاعلية بصرية للتعامل معها، تجعلها قابلة للاستخدام من قبل الباحثين والدارسين والمهتمين عموما، وفق زوايا ورؤي يختارها الباحث بنفسه، ووفق ما يضعه من اهداف ويسعي إليه من نتائج، وفي كل الأحوال، فإن النظرة الأولية لهذه السلعة الوسيطة قادتنا الي رصد ثلاث سمات رئيسية في قضية الديون:
ــ الأولى: أن الديون ليست نوعا واحدا، بل عدة أنواع، وكل نوع مرتبط بالمصدر أو الجهة المانحة للدين أو القرض، حتي أنه في كثير من الأحيان يستخدم اسم المصدر للدلالة على نوع الدين، وهذا التشابك والتداخل بين مصادر وأشكال الديون والتماهي فيما بينهما، يعد أول صور التعقيد والإرباك وعدم الوضوح في مسألة الديون، خاصة بالنسبة للمواطنين العاديين، وقطاع ليس بالقليل من صغار الموظفين والمسئولين القائمين علي إدارة الديون.
وفي كل الأحوال تمثل أنواع ومصادر الديون الركن الركين في صناعة الديون، وكل منها له صورته الخارجية الزاهية الناعمة الباسمة الحانية والمختلفة عن غيره، وله ايضا أنيابه المسننة العائمة في لعاب مسموم، والمتعطشة لتمزيق ما يقع في طريقها، لذلك فالاختيار من بينها كمصدر للاقتراض، أو نوع الاقتراض، يحتاج من المدين أو الساعي للاقتراض جهدا كبيرا، ليصل للأخف ضررا والأقل سوءا من بينها، وبحسب ما هو وارد في بيانات البنك الدولي هناك 19 من أشكال ومصادر الديون هي البنك الدولي ــ المؤسسة الدولية للتنمية ــ ديون ثنائية ــ ديون طويلة الاجل ــ ديون طويلة الاجل + صندوق النقد الدولي ــ ديون قصيرة الاجل ــ ديون متعددة الاطراف ــ ديون من البنوك التجارية ــ ديون من الدائنين الرسميين ــ ديون من دائنين قطاع خاص ــ ديون ميسرة ــ ديون ميسرة ثنائية ــ ديون ميسرة متعددة الاطراف ــ سندات ــ صندوق النقد الدولي ــ منح ــ منح التعاون الفني ــ مؤسسة التمويل الدولية.
ـ الثانية: أن هناك تداخل وإرباك مماثل في الجهات المتلقية للديون والقروض لدى الدول المدينة، إذ يفهم من بيانات البنك أن الديون حينما تصل الي الدولة المدينة، إما تصبح ديونا علي البنك المركزي، أو ديونا علي الحكومة، أو ديونا علي الحكومة باعتبارها ضامن للدين العام، او ديونا علي القطاع الخاص، أو ديونا علي القطاع العام، او ديونا علي جهات غير حكومية ولكن تضمنها الحكومة، أو ديونا علي جهات غير حكومية ويضمنها القطاع الخاص، أو ديونا غير مضمونة للقطاع الخاص.
وإذا وضعنا التداخل بين المصدر والنوع لدى الجهة الدائنة، جنبا إلى جنب مع التداخل في طبيعة وهوية الجهة الحاصلة علي الدين لدي الدول المدينة، سنجد أنفسنا أمام أول وأخطر آليات الغموض والتمويه والتعقيد والخلط، التي تصنع أجواء تتسم بالصعوبة وقلة الشفافية والإفصاح ومن ثم تدني النزاهة فيما يتعلق بإدارة الدين، ما بين الدائن والمدين، بالداخل والخارج.
ـ الثالثة: هي كثرة وتنوع وتداخل أدوات متابعة وقياس أحوال الدين وطريقة إدارته، والموضوعة في الغالب من قبل الدائنين، ويفهم من تحليل مضمونها أنه يتعين علي المدينين الالتزام بها، وبتجميع ومراجعة وتصنيف هذه الأدوات وجد أنها تتكون من 21 أداة متابعة وقياس رئيسية، يتبع كل واحدة منها عدد من أدوات القياس والمتابعة الفرعية، وعند تجميع أدوات القياس الفرعية وجد أن عددها 179 أداة قياس.
يمكننا إذن تلخيص الظواهر الثلاث في: 19 نوعا من الجهات التي تمنح الديون، وتحمل في كثير من الأحيان اسم الجهة المانحة ونوع الدين، و 8 أنواع من الجهات التي تتلقي الديون لدي الدول المدينة، وبينها هي الأخرى تداخل بين الحصول علي الدين من جهة، وبين ضمان سداد أقساطه وفوائده من جهة ثانية، ثم 179 أدوات قياس ومتابعة من المستوى الفرعي، منضوية تحت 21 أداة قياس من المستوى الرئيسي.
داخل الدولة المدينة، تندرج مئات الجهات المشاركة بصورة أو بأخرى في أنشطة الدين، قد يعمل بها آلاف من الموظفين، ويصدر بشأنها عشرات وربما مئات التشريعات والقوانين، ومئات وربما آلاف من دورات العمل واللوائح الإجرائية والروتينية، وعشرات الآلاف من الوثائق والمكاتبات الجارية على مدار الساعة بلا انقطاع، ومع دوران عجلة الديون وتشغيلها، تنشأ بيئة عمل مترامية الأطراف، بعض جوانبها يتعلق بتحقيق الهدف من الدين أو القرض، سواء كان ذلك أداء في حدوده المرغوبة والمقبولة، أو هبط لمستوى تضييع الفرص عبر سوء الإدارة وقلة الكفاءة.
وعلى التوازي مع ذلك تنشأ مصالح ومكاسب وخسائر لا حصر لها، على الاجل القصير والمتوسط والبعيد، بعضها يتعلق بالسلطة، وبعضها الآخر يتعلق بالثروة، وكلاهما ينهش في اللحم الحي للهدف الأساسي للحصول على القرض أو الدين.
تقودنا الظواهر الثلاث إلي القول بأن الديون ليست مجرد اتفاقات تنتقل بموجبها الأموال من طرف لآخر وفق شروط معينة، سواء عند الاستدانة ونقل الأموال من الدائن للمدين، أو عند الدفع وعودة الأموال من المدين للدائن، بل هي في جوهرها “صناعة” قائمة بذاتها، متكاملة الأركان، تقوم عليها مئات المؤسسات التابعة للدائنين والمدينين والوسطاء، والقائمين علي السلطة والتشريع والتنفيذ والاستثمار، وما لا حصر له من الكيانات التي تلعب أدوارا مختلفة الحجم والنوعية في لعبة الديون، وتتداخل فيها السياسة مع الاقتصاد، والاستعمار مع الاستثمار، والسرقة والسلب والاستبداد والانتهازية مع التشغيل والإدارة، وفى معظم الحالات هي صناعة تخرج أسوأ وأحقر ما فيها، لكونها في الأغلب تدار بعقلية المرابي الجشع من جانب الدائنين والمانحين، وعقلية الطامع الانتهازي من جانب المدينين والمقترضين.