العامان الأسوأ في تاريخ الطيران: 2011 بـ 353 حادثة و1972 بـ 2937 حالة وفاة

يبدأ سجل حوادث الطيران عالمياً ــ المنشور بقاعدة بيانات كيجل ـــ تدوين بياناته بحادث وقع في السابع عشر من شهر سبتمبر 1908 بمدينة فرجينيا بالولايات المتحدة لطائرة من طراز “رايت فلاير”، ونجمت عنه حالة وفاة واحدة، ما جعل السجل يبدأ بنقطة تعادل ومساواة بين كل من عدد الحوادث وعدد الوفيات، وخلال السنوات الــ 113 التالية التي تنتهي بمطلع عام 2024، رصد السجل نحو 8814 حادثاً، نجم عنها 113656 حالة وفاة، ما يعني أن نقطة التعادل الأولى لم تتكرر مرة أخرى تقريبا خلال السنوات التالية الممتدة لأكثر من قرن، وبات المرجح دائماً أن حادث الطيران الواحد يحصد العديد من الأرواح التي قد تتجاوز المئات في الكثير من الأحيان، لتتشكل عبر الزمن موجات من “الوفاة جواً” أو “الوفاة عند الاصطدام بالأرض”، ظلت تحدث بوتيرة هادئة حتي العام 1944، ثم بدأت في التصاعد بل والقفز احياناً، حتي العام 1997، حينما بدأت تميل للانخفاض مرة أخرى.
في التحليل الذي اجراه جسور للتطور الزمني لحوادث الطيران والوفيات الناجمة عنها، تم تقسيم الفترة الزمنية التي يضمها السجل الي وحدات زمنية كل وحدة تغطي ربع قرن ( 25 عاما)، فأصبح لدينا خمس وحدات زمنية أربع بواقع ربع قرن، والخامسة بواقع 13 عاما، وفي الوحدة الزمنية الأولى أو ربع القرن الأول من فترة الرصد ( 1908 ـ 1936) كان عدد الحوادث أقل من 50 حادث علي مستوي العالم، وبلغ حده الاقصي 43 حادثا في العام 1936، والإجمالي في ربع القرن 425 حادثا، بمتوسط عام 17.5 حادثا في العام.
في المقابل كان إجمالي الوفيات فى ربع القرن الأول من القرن 2104 وفاة، بمتوسط عام 84.1 حالة وفاة، وبلغت الوفيات اعلى مستوى لها في العام 1936 الذي سجلت خلاله 227 وفاة، وبمقارنة متوسط عام الوفيات بمتوسط عام الحوادث يتضح أن عدد الوفيات بلغ نحو 4.8 ضعف عدد الحوادث.
في الوحدة الزمنية الثانية أو ربع القرن الثاني ( 1937 ـ 1961) تصاعدت اعداد الحوادث حتي بلغت 1324، بمتوسط عام 52.9 حادثا سنويا، وكانت ذروتها القصوى في العام 1946 التي وقع خلالها 80 حادثا، ما يعني أن المتوسط العام لعدد الحوادث قد ارتفع بمقدار 3 أضعاف مقارنة بالوحدة الزمنية الأولى.
وفيما يتعلق بالوفيات، قفز الرقم الي 22817 وفاة، بمتوسط عام 912.6 وفاة في العام، وكان العام 1960 هو عام الذروة حيث وقعت به 1565 وفاة، ووفقا لهذه الارقام يكون المتوسط العام للوفيات قد ارتفع بمقدار 10.8 ضعفا مقارنة بمتوسط الوفيات في الوحدة الزمنية الأولي، كما اتسع الفارق بين متوسط اعداد الحوادث ومتوسط اعداد الوفيات بمقدار 17.25 ضعفا، وهو ما يزيد بنحو 14 ضعفا تقريبا مقارنة بمثيله في الوحدة الزمنية الاولي.
فى الوحدة الزمنية الثالثة أو ربع القرن الثالث ( 1962 ـ 1986) واصلت اعداد الحوادث ارتفاعها حتي بلغت 1909 حادثا، بمتوسط عام 76.3 حادثا في العام، وبلغت ذروتها القصوي في العام 1972 الذي شهد 104 حادثا، ما يعني أن المتوسط العام لعدد الحوادث قد ارتفع بمقدار 1.4 ضعفا مقارنة بمثيله في الوحدة الزمنية الثانية.
أما الوفيات فقفزت الي 46593 وفاة، بمتوسط عام 1863.7 وفاة سنويا، ما يعني أن المتوسط العام لعدد الوفيات في ربع القرن الثالث بلغ ضعفي المتوسط العام في الوحدة الزمنية الثانية، كما ارتفع الفارق بين متوسط عام عدد الحوادث ومتوسط عام عدد الوفيات ليصبح 24.4 ضعفا، وهو ما يزيد بنحو سبعة اضعاف عن مثيله في الوحدة الزمنية الثانية.
فى الوحدة الزمنية الرابعة أو ربع القرن الرابع ( 1987 ـ 2011) قفز أعداد الحوادث قفزة كبرى وبلغ 2203 حادثا، بمتوسط عام 88.12 حادثا في العام، وبلغ ذروته القصوي في العام 2011 الذي وقع بع 353 حادث طيران بما يعادل حادث لكل يوم تقريبا، وهو معدل غير مسبوق خلال الـ 75 سنة السابقة، ووفقا لهذه الأرقام فإن المتوسط العام لعدد الحوادث خلال هذه الفترة ارتفع بما يزيد علي الضعف مقارنة بمثيله في الوحدة الزمنية الثالثة.
في المقابل شهدت اعداد الوفيات تراجعا ملحوظا خلال هذه الفترة وتراجعت لتسجل 36105 حالة، بمتوسط عام 1444.2 حالة سنويا، وهي ارقام تعكس هبوطا يعادل نحو 22.5%، ووفقا لهذه الارقام فإن الفارق بين المتوسط العام لعدد الحوادث والمتوسط العام لعدد الوفيات في هذه الفترة قد بلغ نحو اربعة اضعاف.
فى الوحدة الزمنية الخامسة التي تعادل الـ 13 عاما المتبقية من فترة الرصد وتقع خلال الفترة ( 2012 ـ 2024) تم تسجيل 2953 حادثا بمتوسط 227 حادثا في العام، وبلغت ذروتها القصوي في العام 2019 الذي شهد 292 حادثا، أما أعداد الوفيات فبلغت 6037 حالة بمتوسط 464.3 حالة سنويا، وبلغت ذروتها القصوى في العام 2014 الذي شهد 1210 حالة وفاة، ويلاحظ من هذه الأرقام أن أعداد حوادث الطيران اتجهت الي الارتفاع الحاد، حيث كانت أعداد الحوادث التي وقعت خلال هذه الفترة من بين الأعلى علي الإطلاق خلال الـ 113 سنة، وعلى العكس من ذلك شهدت أعداد الوفيات تراجعا خلال هذه السنوات مقارنة بما قبلها.
في ضوء ما سبق يمكن القول أن السمة العامة أو الغالبة على أعداد حوادث الطيران هي الميل للارتفاع، مع تذبذبات ملحوظة ولكن ليست حادة، وإن كان الوضع قد تغير في السنوات الاخيرة وتحديدا فى العام 2011 الذي قفزت فيه إلي أعلي مستوي لها خلال 113 سنة وسجلت 353 حادثا، أما اعداد الوفيات فلم تكن بها سمة غالبة، فقد استمرت في حالة تصاعد تدريجي متذبذب وبطيء طفيف خال من القفزات المفاجئة لنحو 26 عاما، او تحديدا في 1937، ثم بدأت تشهد نوعا من القفز غير الحاد بعد ذلك، حتي بلغت اعلى نقطة لها في العام 1972، قبل ان ينعكس الوضع ويصبح الاتجاه العام هو الهبوط المتذبذب، لتصل في عام 2023 الي مستوي متقارب مع بداياتها الأولي في العقد الثاني والثالث من القرن العشرين.