من الأسئلة المهمة التي تثار عادة عند رصد ودراسة العائدات الحكومية السؤال التالي: هل تتناسب عائدات الضرائب طردياً مع مستوى التقدُم داخل المنطقة الجغرافية؟ بصيغة أخرى: هل كلما ارتفع متوسط عائدات المنطقة الجغرافية من الضرائب بأنواعها كانت جودة الحياة أرقى وأفضل؟
حلل مركز جسور بيانات العائدات الحكومية داخل المناطق الجغرافية الثماني حول العالم، وتوزيعاتها علي المصادر التسعة للعائدات، كما هو موضح بالشكل المرفق، وأول ملاحظة أمكن الخروج بها أن العائدات الضريبية تمثل مصدرا لنحو %55 من العائدات الحكومية بجميع المناطق، فيما تمثل العائدات الأخرى نحو %45 ، وذلك كله كمتوسط عام.
بمزيد من التحليل للبيانات، وجد أن منطقة أمريكا الشمالية حلّت في المرتبة الأولى مقارنة بباقي المناطق الجغرافية الأخرى من حيث متوسط إيراداتها من إجمالي أنواع الضرائب المختلفة مضاف إليه الإيرادات غير الضريبية والمساهمة الاجتماعية والمنح، تلتها في الترتيب منطقة غرب أوروبا وفي الترتيب الثالث شرق آسيا والمحيط الهادي. في المقابل تذيلت الترتيب منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، سبقتها منطقة جنوب آسيا، وتوسط الترتيب الـ 3 مناطق الأخيرة وهم شرق أوروبا وآسيا الوسطى في الترتيب الرابع، ثم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الترتيب الخامس، ثم أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي في الترتيب السادس.
تتمتع المناطق الجغرافية الثلاثة ذات التصنيف الأعلى بجودة في الحياة بسبب توفر الخدمات الأساسية والرعاية الصحية اللائقة والتعليم المتطور والأمن والاستقرار، وتطبيق مبادئ الحرية والمساواة وحماية حقوق الإنسان مقارنة بالمناطق الجغرافية الاخرى، غير أن الفضل في ذلك يرجع في شق كبير منه إلى كيفية الإنفاق الحكومي على الخدمات وتحسينها إلا أن الشق الآخر يتعلق بارتفاع عائدات الدولة من الضرائب باعتبارها مصدر ومورد دخل رئيسي لكل دولة من الدولة وبالتبعية لكل منطقة جغرافية.
لا شك أن الإيرادات الضريبية تعتمد بشكل كبير على نمو الاقتصاد وبالتالي، كلما زادت كان ذلك دليلاً على نمو اقتصادي قوي، فعلى سبيل المثال كان متوسط نسبة الضرائب المباشرة من إجمالي الإيرادات الحكومية لمنطقة أمريكا الشمالية 46.97% أما الضرائب غير المباشرة بلغ متوسطها 18.47%، من ثم فإن متوسط إجمالي الإيرادات الضريبية بلغ نسبته 65.44% مقابل 34.56% لأنواع الإيرادات الأخرى حيث استحوذت الإيرادات غير الضريبية على ما متوسطه 19.28% والمساهمات الإجتماعية 15.28% فيما لم تتجاوز نسبة المنح من إجمالي الإيرادات الحكومية 0.001% وذلك خلال فترة الرصد وهي 40 عاماً من 1980 حتى 2020.
يتضح من البيانات أعلاه أن أعلى نسبة إيرادات حكومات منطقة أمريكا الشمالية يأتي من الضرائب سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، والضرائب المباشرة هي التي تفرض على الدخل أو الأموال بشكل مباشر، ويدفعها المكلّف بالضريبة مباشرة لمصلحة الضرائب. وتُفرض الضريبة المباشرة على دخل الأفراد وعلى الأرباح التجارية والصناعية للشركات، وعلى الأصول العقارية والممتلكات. وفي هذه الحالة يتحمل الفرد أو الجهة المكلّفة بالضريبة كامل عبئها. أما الضريبة غير المباشرة هي نوع من أنواع الضريبة، التي يتم تحصيلها لصالح الحكومة من خلال وسيط. وتفرض هذه الضريبة على الإنفاق أو الاستهلاك والمبيعات، وذلك على خلاف الضرائب المباشرة التي تُفرض على الدخل والأصول والأرباح كضريبة القيمة المضافة.
وفي المناطق الجغرافية السبعة الأخرى، تباينت الإيرادات الحكومية من منطقة لأخرى بحسب النوع او المصدر، غير ان الملاحظ ان نوعي الإيرادات الضريبية المباشرة وغير المباشرة تراوح متوسطها بين 40 إلى أكثر من 60% حسب المنطقة كما هو موضح بالجدول.
وعلى مستوى نوع الضريبة، تشير البيانات إلى أن هناك 6 مناطق جغرافية زادت فيها حصة الضرائب غير المباشرة مقابل نظيرتها المباشرة، وهم شرق آسيا والمحيط الهادي، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، جنوب آسيا، افريقيا جنوب الصحراء الكبرى، أما بالنسبة لمنطقتي أمريكا الشمالية وغرب أوروبا فقد تخطت فيها متوسط الضريبة المباشرة نظيرتها غير المباشرة.
تشير البيانات كذلك أن أقل إيرادات لحكومات المناطق الجغرافية كان من المنح التي لم يتجاوز متوسط حدها الأقصى 22.76% في منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي وكان أقل متوسط لها من نصيب منطقة أمريكا الشمالية بما مقداره 0.001%.
استحوذت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على أعلى متوسط للإيرادات غير الضريبية والتي بلغت 50.28% من إجمالي الإيرادات الحكومة لهذه المنطقة، تلاها في الترتيب منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي غير انها سجل نسبة أقل النصف تقريبا عما سجلته منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بموتسط 26.73% من إجمالي الإيرادات الحكومية. بينما سجلت منطقة غرب اوروبا أقل نسبة إيرادات غير الضريبية بمتوسط بلغ 11.82% تلتها منطقة منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي يمتوسط بلغ 14.97% من إجمالي الإيرادات الحكومية لهذه المنطقة.
ختاماً تهدف تنوع مصادر الضريبة إلى جمع الأموال التي تحتاجها الحكومة لتمويل الخدمات العامة والبرامج الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، وتشجيع العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة بشكل أكثر عدالة. ومن المهم أن تتم تلك الضرائب بطريقة عادلة وفعالة، وأن يتم استخدام الأموال التي تجمع من خلالها بشكل فعال ومنصف لتحسين جودة الحياة للمواطنين.