تمثل السياسات والالتزامات البيئية التي تطبقها حكومات ودول العالم، واحداً من المعايير المهمة تجاه قضية تغير المناخ، وفي هذا السياق هناك سيناريوهان، الأول أن تظل السياسات القائمة علي حالها دون تأخير حتي نهاية القرن، أو تغير الحكومات والدول موقفها وتشرع علي الفور في تطبيق سياسات والتزامات بيئية تتوافق مع متطلبات اتفاقية باريس للبيئة ومكافحة تغيرات المناخ، وإذا ما تحقق للسيناريو الأول فإن الوضع سيكون الأكثر قتامة وتشاؤما، حيث ستتصاعد الاضرار والخسائر الاقتصادية العالمية من تغير المناخ، من 0.36% من الدخل القومي العالمي خلال العقد الحالي، لتبلغ 5.3% خلال العقد الأخير من القرن، أي سيتضاعف حجم الخسائر بما يزيد علي 14 ضعف حجمها الحالي، وفي حال تحقق السيناريو الثاني، ستخف حدة الخسائر بما يقارب النصف لتبلغ 3.39% بحلول العقد الأخير من القرن، أي ستتضاعف بمقدار بنحو 9 اضعاف فقط.
سيناريو الوضع الحالي
لو قرأنا بيانات صندوق النقد الدولي الخاصة بهذين السيناريوهين، ستتكشف أمامنا الكثير من التفاصيل الدالة علي عمق الازمة ومخاطرها، ففي حال لم تستجب دول وحكومات العالم للمطالبات والنداءات العاجلة والملحة المطلوب تلبيتها لتفادى الأضرار المزمنة الناجمة عن تغيرات المناخ ومشكلات البيئة المتعلقة به، فإنه العالم سيفقد خلال الثمانين عاما المقبلةـ أي من الآن وحتي العام 2100 ـ ما يقدر بنحو 2.79% من إجمالي الدخل القومي العالمي كمتوسط عام خلال هذه الفترة، بنقطة ذروة ستصل الي 5.30% في المتوسط خلال العقد العاشر من القرن أي من 2090 الي 20100.
خلال هذه السنوات والعقود، ستكون منطقة جنوب آسيا هي الأكثر تضررا إذ ستحتل المرتبة الأولى في قائمة المناطق الأكثر تضررا، وستفقد نحو 4.20% من دخلها القومي الإجمالي كمتوسط عام، فيما تحتل منطقة غرب آسيا المرتبة الثانية في قائمة اكثر الدول تضررا خلال الفترة من 2020 الي 2050، أي من العقد الثالث الي الخامس من القرن الحالي ويصل متوسط الخسائر لديها خلال هذه الفترة الي 1.50% من الدخل القومي الإجمالي، بينما ستحتل منطقة افريقيا جنوب الصحراء المرتبة الثانية في قائمة الدول الأكثر تضررا خلال الفترة من 2050 الي 2100، من العقد السادس الي العقد العاشر من القرن، وستبلغ خسائرها خلال هذه الفترة ما يعادل 4.69% من الدخل القومي الإجمالي بها.
ستكون منطقتا شرق أوروبا وشمال أوروبا هما الاخف تعرضا للضرر وتحتلان المرتبة الأولى والثانية علي التوالي في قائمة المناطق الأقل تضررا، حيث ستفقدان خلال هذه الفترة نحو 0.65% في المتوسط من دخلهما القومي الإجمالي، وستكون منطقة شرق آسيا هي نقطة المنتصف من حيث التعرض للأضرار خلال العقود المقبلة، وتنضم اليها منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن، بمعدل فقد في الدخل القومي الإجمالي يبلغ نحو 2.8% في المتوسط.
وكما هو موضح بالشكل المرفق، فإن أقل مستوى من الخسائر على الإطلاق خلال الـ 80 عاما المقبلة سيتحقق في منطقة شرق أوروبا خلال العقد الرابع من القرن أو الفترة من 2030 الي 2040، حيث ستبلغ نسبة الاضرار 0.20% من الدخل القومي الإجمالي بهذه المنطقة، وفي المقابل فإن اعلى مستوي من الاضرار والخسائر خلال الفترة نفسها سيتحقق بمنطقة جنوب آسيا خلال العقد الأخير من القرن أي ما بين 2090 و20100، حيث ستبلغ الأضرار 7.71% من الدخل القومي الإجمالي للمنطقة.
سيناريو معاهدة باريس
إذا قبلت دول وحكومات العالم بالالتزامات البيئية والضمانات الواردة بمعاهدة باريس لتغير المناخ، وقامت بواجباتها في تنفيذ هذه الالتزامات علي الوجه الاكمل، فسيكون العالم بصدد اضرار وخسائر اخف بصورة كبيرة مقارنة بالمتوقع حال استمرار السياسات الحالية كما هي.
تشير بيانات صندوق النقد الدولي في هذا الصدد إلي أن الاضرار البيئية علي مستوي العالم ستنخفض لتصبح 2.06% من اجمالي الدخل القومي العالمي كمتوسط عام، وهو ما يقل بنحو 25.3 % عن خسائر واضرار سيناريو ثبات السياسات الحالية، أما نقطة الذروة في الخسائر داخل سيناريو معاهدة باريس فستبلغ 3.39% كمتوسط عام خلال العقد الأخير من القرن، وهو ما يقل عن نقطة الذروة في سيناريو ثبات السياسات الحالية بنحو 0.30%.
على مستوي المناطق، تبدو الأمور متشابه من حيث مستويات التعرض للخسائر والاضرار، وإن كانت الأرقام تختلف وتشهد هي الأخرى انخفاضا ملحوظا مقارنة بسيناريو ثبات السياسات، فالبيانات المنشورة بالشكل المرفق توضح أن منطقة شرق أوروبا تحتل المركز الأول بقائمة الدول الأقل تعرضا للأضرار، حيث يبلغ المتوسط العام للخسائر في الدخل القومي الإجمالي لديها الي 0.40%، بنقطة ذروة تتحقق في العقد الأخير من القرن قدرها 0.66%، وتأتي منطقة شمال أوروبا في المركز الثاني بمتوسط عام خسائر قدره 0.49% بنقطة ذروة 0.78% تحقق في العقد الأخير أيضا.
على الموال نفسه تحتل منطقة جنوب آسيا قائمة الدول الأكثر تضررا، بمتوسط عام خسائر قدره 3.34%، ونقطة ذروة قدرها 5.29% تتحقق خلال العقد الأخير، ثم تحتل منطقة غرب آسيا المرتبة الثانية في قائمة الدول الأكثر تعرضا للضرر خلال العقود من الثالث الي الخامس بمتوسط عام قدره 1.36%، فيما تحتل افريقيا جنوب الصحراء المرتبة الثانية خلال العقود من السادس الي العاشر، بمتوسط 3.46%.
وعند النظر الي الانخفاض في نقاط الذروة بهذه المناطق في سيناريو معاهدة باريس مقارنة بنقاط الذروة في سيناريو ثبات السياسات، يتبين أن الانخفاض في لدي شرق أوروبا تقل بنسبة 46%، وفي منطقة شمال أوروبا بلغ الانخفاض 41.6%، وفى جنوب آسيا بلغ الانخفاض 31.5%، أما نقطة المنتصف في هذا السيناريو فظهرت في منطقة شرق آسيا، حيث بلغ الانخفاض بها 1.79% كمتوسط عام، ما يعني أن متوسط عام الاضرار بهذه المنطقة سينخفض بنحو 24.5% مقارنة بسيناريو ثبات السياسات، أما نقطة الذروة فستحدث في العقد الأخير من القرن وتنخفض بنحو 33.6% مقارنة بسيناريو ثبات السياسات.
مجمل الأرقام والتحليلات السابقة يشير إلي أن العالم يمكن أن يتجنب ما يزيد علي نصف الخسائر والاضرار المحتملة في الدخل القومي الإجمالي، فيما لو قررت الدول والحكومات تنفيذ مقررات وضمانات معاهدة باريس، وأوفت بالتزاماتها الوطنية في هذا الشأن، ما يعني مناورات السياسة وألاعيب الحكم وتعارض وتوافق المصالح داخل الدولة الواحدة وبين الدول وبعضها البعض، بات عاملا مؤثرا وحيويا في صحة البيئة وسلامة المناخ، معلقا إلي حد كبير فى أعناق الحكام وما يتخذونه من قرارات ترفع أو تقلل المخاطر التي تهدد ما يربو علي سبعة مليارات من البشر.