بطالة بلا إعانة: حرمان أكثر من 85% من العاطلين في مناطق الدخل المنخفض والمتوسط

لا شك أن فقدان الوظيفة ليس حدثًا عابرًا، بل مخاطرة اجتماعية ينبغي أن يواجهها نظام الحماية بآليات واضحة، في مقدّمتها إعانة البطالة، غير أنّ الواقع في أجزاء واسعة من العالم يكشف عن ظاهرة «بطالة بلا إعانة»؛ أي حالات تعطّلٍ عن العمل لا ترافقها أي حماية دخلٍ مؤسسية، بما يضاعف احتمالات السقوط في الفقر، ويقوّض رأس المال البشري للأُسر، ويطيل أمد البطالة.
تشير بيانات منظمة العمل الدولة( (ILOأن الاستفادة من إعانات البطالة بين العاطلين المستحقين تفاوتًا حادًا بين المناطق الجغرافية، بما يكشف عن اختلاف عميق في نماذج الحماية الاجتماعية عالميًا، يتزامن هذا التفاوت مع مستوى الدخل لكل منطقة جغرافية، إذ تُظهر الأرقام أن الحق في إعانة البطالة لا يُمارس بوصفه حقًا اجتماعيًا عالميًا إلا في الدول ذات الدخل المرتفع فقط، بينما يكون رخصة تستخدمها الدول أو تهملها في المناطق متوسطة ومنخفضة الدخل، ما يجعل البطالة فيها خطرًا معيشيًا لا تُخففه الدولة.
تُعد مناطق الدخل المرتفع، وعلى رأسها غرب أوروبا، النموذج الأوضح لفعالية نظم إعانات البطالة، فتشير البيانات أن نسبة المستفيدين من إجمالي العاطلين المستحقين بلغت نحو 96% في المتوسط، مع وصولها إلى 100% في عدد من الدول. في المقابل، لم تتجاوز نسبة المحرومين 4%، وانخفضت إلى 0% في بعض الحالات.
ويكشف هذا المستوى المرتفع من التغطية عن ترسخ مفهوم دولة الرفاه الاجتماعي، حيث تُعد إعانة البطالة التزامًا مؤسسيًا وليس إجراءً استثنائيًا، كما تُظهر البيانات تقاربًا ملحوظًا بين الذكور والإناث في نسب الاستفادة، إذ لم يتجاوز الفارق الجندري بضع نقاط مئوية، وهو ما يعكس حيادًا نسبيًا في تصميم نظم الحماية.
وما يصدق على منطقة غرب أوروبا يصدق كذلك على أمريكا الشمالية التي سجلت نسب استفادة مرتفعة نسبيًا، إذ بلغ متوسط المستفيدين نحو 96%، مع وجود دول حققت استفادة كاملة بنسبة 100%. غير أن البيانات تكشف عن تذبذب أكبر مقارنة بغرب أوروبا، حيث ظهرت حالات بلغت فيها نسبة الحرمان نحو 50%، ما يشير إلى أن شمولية الحماية الاجتماعية أقل انتظامًا، وتعتمد بدرجة أكبر على طبيعة النظام التأميني وشروط الاستحقاق.
وعلى النقيض من ذلك، تكشف المناطق متوسطة الدخل عن نمط حماية اجتماعية انتقائي، يتسم بتفاوتات داخلية واسعة بين المستفيدين من إعانة البطالة، ففي شرق أوروبا وآسيا الوسطى، بلغت نسبة المحرومين من إعانات البطالة ما بين 83% و85% في المتوسط، مع وصول الحرمان إلى 100% في بعض الدول. وفي المقابل، لم تتجاوز نسبة المستفيدين 15–17%. ويعكس هذا الوضع عجز نظم الحماية الاجتماعية عن تغطية النسب الأكبر من المحرومين من إعانة البطالة.
أما في شرق آسيا والمحيط الهادئ، فتتجلى ازدواجية حادّة؛ إذ أظهرت بيانات منظمة العمل الدولة( (ILOوجود 19 دولة بلغت فيها نسبة الحرمان 100%، مقابل ثلاث دول فقط حققت استفادة كاملة. ويبلغ المتوسط العام للحرمان نحو 93%، ما يدل على أن النمو الاقتصادي السريع في بعض دول المنطقة لم يُترجم إلى نظم إعانات بطالة واسعة النطاق، ويرتبط ذلك بانتشار العمل غير الرسمي أو ما سمى باقتصاد الظل الذي لا يكترث للحماية الاجتماعية.
تعكس أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي صورة مشابهة، حيث بلغت نسبة الحرمان 95–100% في 26 دولة، بينما لم تتجاوز نسبة الاستفادة 5–14% في أغلب الحالات. ويُفسَّر هذا الضعف في التغطية بارتفاع معدلات الاقتصاد غير المنظم، وضعف الاشتراك في نظم التأمين الاجتماعي، فضلًا عن محدودية الموارد المالية المخصصة لإعانات البطالة.
وفي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تتأكد مظاهر القصور والتراجع في منح إعانات البطالة، فقد أظهرت البيانات أن نسبة المحرومين من إعانات البطالة تراوحت بين 87% و97%، وبلغت 100% في ثماني دول. في المقابل، لم تتجاوز نسبة المستفيدين 3–13%. ويكشف هذا الواقع عن اعتماد نماذج حماية اجتماعية تقليدية تركز على الدعم السلعي أو التوظيف العام، مع إهمال آليات التعويض عن فقدان العمل، رغم ارتفاع معدلات البطالة.
وتصل مظاهر الحرمان إلى ذروتها في المناطق منخفضة الدخل، ولا سيما جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ففي جنوب آسيا، سجّلت سبع دول حرمانًا كاملًا بنسبة 100%، مع استفادة صفرية من إعانات البطالة، ولم تتجاوز أعلى نسبة استفادة 31% في حالة واحدة. أما في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فقد بلغ الحرمان 100% في أربعين دولة، مقابل استفادة صفرية في العدد نفسه من الدول، مع بقاء متوسط الاستفادة في الحالات النادرة بين 4% و14%. ويُظهر ذلك أن إعانات البطالة تكاد تكون غائبة تمامًا كسياسة عامة، نتيجة هشاشة الدولة وضعف القاعدة الضريبية وغياب سوق العمل النظامي.
وعلى مستوى الفجوة بين الجنسين، تشير البيانات إلى أن التفاوت بين الذكور والإناث محدود في المناطق الغنية، حيث لا يتجاوز الفارق 2–4% فقط، غير أن هذه الفجوة تتسع بوضوح في المناطق النامية، لا سيما في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء، حيث ترتفع نسب حرمان النساء عن الرجال، ويرتبط ذلك بانخفاض مشاركة النساء في سوق العمل الرسمي، واشتراط فترات اشتراك تأميني لا تتوافر لهن في الغالب.
تكشف البيانات إذن أن أكثر من 80–100% من العاطلين المستحقين في معظم دول الجنوب العالمي محرومون من إعانات البطالة، في حين تنخفض هذه النسبة إلى أقل من 5% في الدول ذات نظم الرفاه المتقدمة. وبذلك، فإن الفجوة في الاستفادة من إعانات البطالة لا تعكس تفاوتًا اقتصاديًا فحسب، بل تعبّر عن اختلاف جوهري في تصور الدولة لمسؤوليتها الاجتماعية، وفي مدى اعتبار البطالة خطرًا جماعيًا يستوجب الحماية أو عبئًا فرديًا يُترك لمواجهة الشخص وحده.