تحديات ضمان الحصول علي لقاح كوفيد-19 عالمياً: الإنتاج، تحمل التكلفة، التخصيص والتوزيع

نهال زكي

منهج COVAX لتخصيص اللقاح عالمياً

إن الوصول غير المتكافئ للقاحات لن يكون غير مسبوق، فخلال جائحة إنفلونزا H1N1 عام 2009، اشترت الدول الغنية معظم الجرعات العالمية من لقاحات الأنفلونزا ، مما خَلَف عجزاً للبلدان فقيرة الموارد التي كان معظمها من أكثر الدول تضرراً في العالم. وحينها منعت بعض الدول تصدير جرعات اللقاح المصنعة محليًا، وهو ما تأخذه دول الاتحاد الأوروبي بعين الاعتبار حالياً خلال الوباء.

ولتجنب تكرار سيناريو H1N1، أعلنت منظمة الصحة العالمية في أبريل 2020، عن مبادرة  “مرفق الوصول العالمي للقاح COVID-19” (COVAX) بالتنسيق مع “التحالف من أجل ابتكارات التأهب للأوبئة” (CEPI) و”تحالف اللقاحات” (Gavi). و تهدف المبادرة  إلى تأمين أسعار منخفضة، بالإضافة إلى تمكين جميع الدول للحصول علي حافظة متنوعة من اللقاحات خلال المرحلة الحادة للوباء عام 2021. فالدول ذات الدخل المرتفع والتي تمول ذاتياً تستطيع شراء لقاحات من خلال COVAX بمتوسط ​​سعر تقديري قدره 11 دولارًا للجرعة، في حين أن 92 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل يمكنها الحصول عليها بأسعار منخفضة تتراوح ما بين (1.6دولار – 2 دولار للجرعة)، مُدعَمة من خلال “المساعدة الإنمائية الرسمية”.

وجوهر منهج COVAX، هو التطعيم على مراحل، مع إعطاء الأولوية لكبار السن، والعاملين في مجال الرعاية الصحية، وغيرهم من الأفراد المعرضين لمخاطر عالية، قبل الشروع في تطعيم قطاعات أوسع من السكان.

 ووفقًا لنموذج COVAX، ستتلقى جميع الدول المشاركة مبدئيًا مخزونًا كافيًا لـ 20٪ من سكانها، وبعد ذلك سيلتزم التوزيع بإطار منظمة الصحة العالمية لتخصيص لقاحات COVID-19 دوليًا بناءاً علي الحاجة. كما أنه لا ينبغي لأي دولة تطعيم أكثر من 20٪ من سكانها حتى تستطيع جميع الدول من القيام بالمثل، عملاً بمبادئ المساواة العالمية.

ومن المخاطر التي تواجه مبادرة COVAX أنها تحتاج إلى تمويل كبير لشراء اللقاحات. لذا فاعتبارًا من فبراير 2021، التزمت الحكومات والشركاء بنحو 4 مليارات دولار لتمويل COVAX، في حين أن كلاً من  Gavi ومنظمة الصحة العالمية يتوقعان زيادة إضافية بنحو 6.8 مليار لتسليم 2 مليار جرعة على الأقل بحلول نهاية 2021. أما التهديد سينشأ عن سياسات الشراء المحلية التي قد لا تترك  الفرصة لـ COVAX لإتمام الإمدادات الكافية.

وقد  اختارت العديد من الدول ذات الدخل المرتفع عدم شراء لقاحاتها عبر COVAX، وسعت إلى أولوية الحصول على كميات وفيرة من لقاحات COVID-19 من خلال اتفاقيات شراء مسبقة مع المطوَرين، تهدف الي تأمين لقاحات كافية لتطعيم معظم السكان البالغين، إن لم يكن جميعهم في العالم عام 2021. وتأمين كميات كبيرة من اللقاحات بهذه الطريقة، هو بمثابة إتاحة التطعيم لسكان هذه الدول قبل تطعيم العاملين في مجال الرعاية الصحية والسكان المعرضين لمخاطر عالية في البلدان الفقيرة. وبناءً على السجلات العامة، تقدمت حكومات الدول ذات الدخل المرتفع، والتي تمثل 16٪ من سكان العالم، بطلبات مسبقة تغطي ما لا يقل عن 4.2 مليار جرعة من لقاحات COVID-19، وحصلت على 70٪ على الأقل من الجرعات التي ستتاح عام 2021 من خمسة لقاحات مرشحة رائدة.

وعلى الرغم من أن نمط شراء اللقاحات مباشرةً من المطورين، بدأ مع الدول ذات الدخل المرتفع (بما في ذلك الاتحاد الأوروبي كمشتري واحد)، فقد حذت العديد من الدول الأخرى حذوها. وهي ديناميكية ذاتية الدعم: فمع شراء المزيد من البلدان للجرعات بشكل مباشر، تزداد المخاوف بشأن الاعتمادية علي إمداداتCOVAX ، مما يدفع الدول أكثر لشراء الجرعات بنفسها. بل تزداد الدوافع لشراء اللقاحات بهذه الطريقة بعد الإعلان عن نتائج التجارب الإيجابية، مما يقلل من مخاطر الشراء مقدمًا للقاحات الناجحة. وقد وقعت 62 دولة أو مجموعة دول على الأقل اتفاقيات شراء مع الشركات المصنعة اعتبارًا من 3 فبراير 2021.

ولكن لن تتمكن جميع الدول من شراء ما يكفيها من لقاحات، لذا، تعتمد معظمها علىCOVAX  التي أتقفت علي  نحو ملياري جرعة مع خمس شركات. ونظرًا لأنه من غير الواضح أي اللقاحات سيتم توزيعها على أي من الدول وفي أي وقت، يكون من الصعب على الحكومات التي تعتمد على COVAX التخطيط لبرامج التطعيم، و يُعقِد قراراتها بشأن كيفية الحصول على أفضل اللقاحات غير تلك التي توفرها COVAX.

والي جانب القلق نتيجة عدم المساواة بين الدول، هناك أيضاً شك بشأن التوريد من قبل COVAX، فالعديد من الجرعات التي ستوفرها COVAX هي لقاحات قد خضعت للتجارب السريرية فقط وقد لا تكون متاحة لعدة شهور قادمة.

وقد تتمكن COVAX من الوصول إلى اللقاحات التي يتم تطويرها من قبل الشركات الممولة من CEPI والتي لم تمر بعدة تجارب، وقد تتفاوض بشأن اتفاقيات أخرى مع موردين آخرين. ومع ذلك، فإن إمدادات COVAX غير مستقرة وتعتمد على مقدار ما يمكن إنتاجه بسرعة من اللقاحات الناجحة، وكذلك الإنتاج المتبقي لـ COVAX بعد البيع للحكومات الوطنية.

وعلى الرغم من أن COVAX تم إنشاؤها لتحقيق المساواة في المراحل الأولى من التطعيم، إلا إنه من غير المرجح أن تحقق هذا الهدف، لكن قد تستطيع مساعدة الدول على شراء جرعات بأسعار أقل وبالتالي إطلاق حملات التطعيم الخاصة بهم في وقت مبكر. فمع التمويل الإضافي، قد تنافس COVAX في تحقيق مكان أفضل في مقدمة قائمة الانتظار.

ونظرًا لندرة المعروض من بعض اللقاحات المطوَرة في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، اتجهت الحكومات في أمريكا اللاتينية وإفريقيا والشرق الأوسط وآسيا بشكل متزايد نحو اللقاحات التي طورها المصنعون الصينيون والهنود والروس. و قد تخفف هذه اللقاحات، التي قطعت شوطاً طويلاً في عملية التطوير، قيود الإمداد العالمي. إلى الحد الذي تقنن فيه الدول ذات الدخل المرتفع شراء هذه المنتجات، فإن توفرها قد يسمح للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل شراء جرعات وفيرة لتحقيق أهداف التطعيم المحلية. وعلى الرغم من أن قلة من هذه اللقاحات قد تم ترخيصها من قبل منظمة الصحة العالمية أو السلطات التنظيمية الصارمة المصنفة من قبل منظمة الصحة العالمية، إلا أنها قد تساهم في قائمة COVAX.

بتاريخ: 12 فبراير 2021

ترجمة: نهال زكي عن دورية The Lancet، مجموعة من الباحثين (بتصرف)

المصدر