إذا ما أجلت دول وحكومات العالم إجراءات المكافحة والتحول نحو السياسات التي تحمي البيئة وتحد من تغيرات المناخ إلي ما بعد 2030, وكانت هذه الإجراءات مضطربة غير منتظمة، فإن الخسائر في الدخل القومي العالمي سترتفع من 0.38% في عام 2020، لتصبح 1.50% في 2050، ما يعني ارتفاعا نسبته 288%، وستكون منطقة شرق آسيا هي أكثر المناطق تضرراً في هذا السيناريو، حيث سترتفع الخسائر في دخلها القومي بنسبة 290% في العام 2050 مقارنة بالعالم 2020، ثم تتراجع نسبة الزيادة فى خسائرها خلال العقود التالية لتبلغ 206% في العام 2100.
يضع صندوق النقد الدولي هذه التوقعات ضمن “السيناريو المضطرب المتباين”، ويقصد به الحالة التي تتباين فيها مواقف الدول واجراءاتها فيما يتعلق بقضية تغير المناخ، وهو ينقسم فعليا إلي سيناريوهين فرعيين، الأول سناريو الانبعاثات الصفرية المتباينة، والثاني سيناريو التحول المؤجل المضطرب.
اضغط الصورة للتكبير
وفي سيناريو الانبعاثات الصفرية المتباينية قام مركز جسور بحساب متوسطات النسب لكل عقد زمني على حدة ابتداءً من العقد الثالث الى العاشر، وتبين من ذلك أن أكثر المناطق التي يتوقع أن تسجل زيادة في متوسط نسب خسائر الدخل القومي للعقود الثمانية المقبلة هي جنوب آسيا بنسبة 1.96٪، تليها مناطق جنوب شرق آسيا، وغرب آسيا، وشمال إفريقيا، وإفريقيا جنوب الصحراء بمتوسط إجمالي متقارب لنسب كلاً منهم قدره 1.46٪، و1.44٪، و1.43٪، و1.40٪، على التوالي، تليها بفارق حوالي 3 نقاط مئوية من عشرة منطقتي شرق آسيا ومنطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي 1.19٪، و1.12٪ على التوالي، أما أقل المناطق التي ستسجل زيادة في متوسط نسب خسائر الدخل القومي بالترتيب التنازلي فهي شرق أوربا (0.21٪)، شمال أوروبا (0.27٪)، غرب أوروبا (0.47٪)، وسط آسيا (0.69٪)، جنوب أوروبا (0.78٪)، وأخيراً شمال أمريكا (0.89٪).
وبشكل عام تزيد وطأة نسبة الخسائر لجميع المناطق بدءاً من العقد الرابع، ولكن بمستويات متفاوتة، حيث ستكون في أدني حالاتها بمنطقتي أمريكا اللاتينية والكاريبي، وشرق آسيا حيث ستبلغ الزيادة 162 ٪ لكلاً منهما (حيث سجلت الأولى 1.133٪ بعد ان كانت 0.43٪ في العقد الثالث، بينما سجلت الثانية 1.62٪ في العقد الرابع مقابل 0.62٪ في العقد الثالث)، وستكون الزيادة في أعلي حالاتها بكل من جنوب آسيا التي سترتفع فيها الخسائر بنسبة 192٪، حيث سترتفع الخسائر من 0.08٪ في العقد الثالث الى 0.24٪ في العقد الرابع، كما تشير الأرقام أن نسب الزيادة في الخسائر سوف يستمر في الارتفاع خلال العقود من الخامس الي السابع، وقد تبلغ ذروة الارتفاع في العقد الخامس، وطبقا للبيانات المتاحة فإن الخسائر سترتفع في شرق آسيا خلال العقد الخامس لتبلغ 2.1% من اجمالي الدخل الوطني، مقارنة بـ 0.6% في العقد الثالث، ما يعني ان نسبة الارتفاع في الخسائر ستبلغ 237%، لكن التحليلات تشير إلي أن الخسائر ستنخفض تنخفض تدريجياً بدءاً من العقد الثامن الي العاشر.
لا تختلف الأمور كثيرا في السيناريو الثاني الخاص بصافي الانبعاثات الصفرية المتباينة، خاصة فيما يخص ترتيب المناطق الجغرافية الأكثر والأقل تأثراً بالخسائر، وستبلغ متوسطات نسب الارتفاع والانخفاض الإجمالية لهذا السيناريو نحو 60٪ من نسب التحول المؤجل على مستوي جميع المناطق الجغرافية من عام 2020 وحتى 2100، ومن جهة اخري يختلف سيناريو الانبعاثات الصفرية المتباينة في أن أقل نسب زيادة للخسائر لن تكون في العقد الثالث مثل السيناريو الأول، ولكن في العقد العاشر باستثناء مناطق جنوب آسيا، وجنوب شرق آسيا، وشمال افريقيا، وشرق آسيا وامريكا اللاتينية.
تبين من التحليلات أيضا أن السيناريوهين يتبعان وتيرة الارتفاع والانخفاض نفسها على مدار العقود الثمانية، حيث سترتفع نسب الزيادة في الخسائر بدءاً من العقد الرابع، لتبلغ قيمة نسب الزيادة في الخسائر لمنطقتي غرب آسيا، وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي 81٪ لكلاً منهما وهما الأقل في نسب زيادة الخسائر (حيث سجلت الأولى 1.25٪ في العقد الرابع بعد ان كانت 0.70٪ في العقد الثالث، بينما سجلت الثانية 0.87٪ في العقد الرابع مقابل 0.48٪ في العقد الثالث)، أما أكثرهم نسبة زيادة في الخسائر فهي شرق أسيا بنسبة نمو في الخسائر قدرها 105٪، حيث ارتفعت نسبة الزيادة من 0.44٪ في العقد الثالث الى 0.91٪ في العقد الرابع.
يتشابه السيناريوهان من حيث ذروة الخسائر خلال العقود من الخامس الي السابع حيث ستتراوح نسبة الارتفاع في 2050 مقابل الارتفاع في العقد الثالث ما بين 131٪ (شرق آسيا) و90٪ (غرب اسيا)، في حين أن أعلي نسبة زيادة في 2100 مقارنة لعام 2020 ستكون 40٪ لمنطقة جنوب آسيا (حيث كانت 0.70٪ وسجلت 0.97٪ في 2100)، تليها مناطق شرق آسيا (16٪) وجنوب شرق آسيا (11٪) وشمال أمريكا (2.7٪). أما باقي المناطق فسوف تسجل انخفاض في نسب الزيادة في 2100 مقابل 2020 تتراوح بين 2٪ الي 46٪.
في ضوء الأرقام السابقة يمكن القول أنه إذا لم يتحرك الإنسان- المسئول عن الخلل البيئي والبيولوجي الذي لحق بالحياة على الأرض نتيجة التوسعات المادية وإساءة استخدام ما حباه الله به من نعم نافعة، فستتضاعف العواقب الوخيمة التي ستلحق بجميع الفصائل الحية على سطح الكرة الأرضية، ما يستدعي اتخاذ قرارات فورية وتحركات حاسمة لإنهاء ممارساته السيئة من إساءة استخدام وسائل الطاقة حتى وإن كانت قرارات متأخرة.