حين يتعلق أمل البشرية بانخفاض حرارة الأرض 1.5 بدلا من 2 درجة مئوية!

سليمان عبد المنعم

لن تكون اجتماعات الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغيّر المناخ المزمع عقدها في مدينة جلاسكو باسكتلندا في نوفمبر المقبل سوى خطوة جديدة محفوفة بالتحديات ومسكونة بالآمال لمعالجة قضايا تغيّر المناخ العالمي بكل ما ينذر به من مخاوف ومخاطر. قد تتحوّل هذه المخاطر والمخاوف إلى كوارث حقيقية لا متخيّلة إذا لم ينجح العالم في خفض درجة حرارة الأرض بنصف درجة مئوية!!

انخفاض درجة حرارة الأرض بنسبة 1.5 درجة مئوية بدلاً من 2 درجة مئوية بحلول عام 2100 مقارنة بمستويات حرارة الكوكب قبل عصر التحوّل الصناعي فهذا يعني أن يكون ارتفاع مستوى سطح البحر العالمي أقل بمقدار 10 سم، وأن تنخفض الشعاب المرجانية بنسبة 70 إلى %90 في حين أن %99 من هذه الشعاب المرجانية يمكن أن تضيع إذا وصل الارتفاع إلى 2 درجة مئوية. انخفاض حرارة الأرض بنسبة 0.5 درجة مئوية يعني احتمال خلو المحيط القطبي من الجليد البحري في فصل الصيف مرة واحدة كل 100 عام، أما إذا ارتفعت حرارة الأرض إلى 2 درجة مئوية وليس 1.5 درجة مئوية فهذا يعني احتمال خلو المحيط القطبي الشمالي من الجليد البحري صيفاً مرة واحدة كل 10 أعوام وليس كل 100 عام.
نصف درجة مئوية فقط انخفاضاً في درجة الحرارة تكاد تكون إذن هي الحد الفاصل بين سيناريوهين مختلفين يمكن أن يشهدهما العالم بحلول عام 2100. كل الأرقام السابقة تضمنها تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنيّة بتغير المناخ. كيف يصل العالم إلى التحكم في درجة حرارة الأرض والانخفاض بها بنسبة نصف درجة مئوية لتفادي الاحتمالات البيئية السابق ذكر بعضها؟ هذا يعني وفقاً للتقرير المشار إليه أن ينجح العالم في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة %45 بحلول عام 2030 وذلك مقارنةً بمستويات عام 2010 حتى نصل إلى نسبة صفر في عام 2050.
لو تأملنا الفيضانات والحرائق التي اجتاحت العديد من دول العالم في الفترة الأخيرة كدقات نواقيس للخطر فإن تشخيص مستقبل الأرض يتضح أكثر إذا أخذنا في الاعتبار مجموعة مؤشرات أولها ارتفاع نسبة سكان العالم المعرضين لخطر الفيضانات بمقدار الربع منذ عام 2000، وهو تشخيص تسجله الأقمار الصناعية بأكثر بكثير مما تتوقعه نماذج الكومبيوتر كما يذكر بالحرف الواحد ملخص التقرير السابق الإشارة إليه. المؤشر الثاني الأشد قلقاً بل وإثارة للذعر يتمثل في ارتفاع مستوى سطح البحر إلى ما يقرب من 200 سم بحلول نهاية القرن الحالي، وهو احتمال تثبت كل التقارير والدراسات ذات الصلة بتغيرات المناخ بأنه احتمال لا يمكن استبعاده. المؤشر الثالث أن تغير المناخ قد يجبر 140 مليون شخص على الهجرة داخل بلدانهم. المؤشر الرابع، وهو يتعلق بمسببات ظاهرة الاحتباس الحراري، أن هناك 25 مدينة كبرى في العالم تنتج %52 من الغازات الدفيئة المسببة لهذا الاحتباس الحراري. بل إنه في مدن أمريكا الشمالية وأروبا فإن المنشآت الصناعية والتجارية والمباني السكنية مسؤولة عن %70 من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة وذلك وفقاً لدورية Scientific American.
ما سبق يعني أن الدول الصناعية الكبرى وليس بالضرورة الدول الغنية تبدو صاحبة النصيب الأكبر في ظاهرة الاحتباس الحراري وبالتالي فإن مسؤوليتها في إصلاح ما يهدد كوكب الأرض تغدو أكبر. ولهذا تبدو مقولة محمد نشيد الرئيس السابق لجزر المالديف كممثل لنحو 50 دولة معرضة لتأثيرات تغيّر المناخ مقولة تشبه الصرخة المؤلمة وهو يقول “ نحن ندفع بأرواحنا ثمن الكربون المنبعث من شخص آخر”!
سيكون مؤتمر جلاسكو المقبل عن المناخ في اسكتلندا خطوة تالية لمؤتمر باريس الشهير وما أسفر عنه من اتفاقيات. الهدف من كل هذه المؤتمرات السابقة والتالية هو تقليص انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري أو ما يُطلق عليه في أدبيات صكوك الأمم المتحدة الاحترار العالمي. ومن أجل تحقيق هذا الهدف فلا مناص من اتخاذ الإجراءات اللازمة للحد من استهلاك الطاقة الناشئة عن الوقود الأحفوري وأولها الفحم وذلك جنباً إلى جنب مع الاستثمار في الطاقة البديلة.
في مؤتمر باريس للمناخ الذي تبنته أكثر من 170 دولة كانت الآمال معقودة على خفض درجة حرارة الأرض بنحو 1.5 درجة مئوية عما كانت عليه في عصر ما قبل الثورة الصناعية، ولأجل هذا تم اقتراح الكثير من السياسات وخطط العمل، لكن تقرير فجوة الانبعاثات لعام 2019 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة يكشف عن احتمال ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض بأكثر من 3 درجات مئوية ما لم تُتخذ إجراءات صارمة وقاسية للتخفيف من أزمة المناخ العالمي.
في هذا السياق قام فريق من الباحثين الصينيين بإجراء دراسة لمستويات الغازات الدفيئة في 167 مدينة حول العالم، والمفارقة الأوليّة أن هذه المدن لا تشغل سوى %2 فقط من مساحة الأرض لكن يعيش فيها %50 من سكان العالم. هذه المدن تنتج وحدها أكثر من %70 من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة على سطح كوكب الأرض. ووفقاً لتقرير الاتحاد الأوربي الصادر عام 2018 والذي يرصد أنصبة دول العالم من انتاج الانبعاثات الكربونية (الناشئة عن استخدامات الفحم والنفط والغاز الطبيعي) خلال عام 2017 فإن الصين تحتل المركز الأول عالمياً بنصيب قدره 10 مليون طن سنوياً بنسبة %29.3 من إجمالي الانبعاثات الكربونية في العالم. وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الثانية بحجم انبعاثات قدره 5 مليون طن سنوياً (أي نصف حجم الصين) وبنسبة 13.7 من إجمالي الانبعاثات في العالم. ثم تحل الهند ثالثاً بحجم انبعاثات قدره 2.5 مليون طن وبنسبة %6.6 من إجمالي الانبعاثات في العالم.
بالنسبة للدول العربية كلها مجتمعة فإن حجم الانبعاثات الكربونية فيها يمثل 8.5 % فقط من الإجمالي العالمي رغم أنها أكثر مناطق العالم من حيث انتاج النفط والغاز الطبيعي، ولا نكاد نجد في قائمة العشر دول الأولى في العالم من حيث حجم الانبعاثات الكربونية سوى السعودية بنسبة %1.7 من إجمالي الانبعاثات في العالم ثم مصر بحجم أقل من %1 لا يبلغ سوى %0.7 .
إذا كانت القاعدة الشهيرة تقول إن الغُرم بالغنم! وأن المسؤولية عن النتائج محمولة على أسبابها فإن الدول الصناعية الكبرى، وهي صاحبة النصيب الأكبر في حجم الاقتصاد العالمي والثروة العالمية تضطلع بالمسؤولية القانونية والأخلاقية الأكبر في معالجة قضايا تغيّر المناخ العالمي.