سوق كرة القدم الاحترافية: 19239 لاعب و56.13 مليار قيمة سوقية و99.8 مليار رسوم انتقالات

كرة القدم ليست مجرد ساحرة مستديرة يركض ورائها لاعبون في ملاعب خضراء، ويتابعها مئات الملايين علي الكوكب بحماس وحرص وشغف واثارة وتعصب، بل هي من وجهة أخرى سوق أو صناعة احترافية فوق عملاقة، تتداول بها مليارات الدولارات، بين ملاعب ولاعبين واندية وفرق ومنتخبات ورعاة ومعلنين ومدربين وفضائيات وصحف ومراكز بحوث وتطوير وتقنيات، وغيرها، وعنصر اللاعبين  ــ وهو الأبرز والأكثر متابعة وإثارة للشغف والحماس ــ قوامه  في الموسم الحالي 2022 نحو 19239 لاعبا تقدر قيمتهم السوقية بحوالي  56.13 مليار دولار، واجورهم الشهرية بنحو 177 مليون و962 الف دولار، ورسوم التصريح بانتقالاتهم المسجلة في عقودهم بنحو 99.8 مليار دولار.

فيما تجرى أحداث كأس العالم 2022 بدولة قطر، اصدر الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” حزمة البيانات الأولية الخاصة بكرة القدم عالميا لموسم 2022، والتي تضم قسما خاصا عن اللاعبين نشر بقاعدة بيانات https://www.kaggle.com التي تعد من اكبر قواعد بيانات الرياضة حول العالم، ويظهر بها قائمة اللاعبين المحترفين، الذين يجري التداول عليهم في سوق كرة القدم الاحترافية بين الأندية المختلفة حول العالم، ويقوم الفيفا بتحديث هذه القائمة دوريا منذ العام 2015 وحتي الآن.

بمراجعة هذه البيانات وتصنيفها ومعالجتها وتحليلها بمعرفة مركز جسور، تبين أن هناك أربعة مؤشرات رئيسة تحدد الجزء الأكبر من ملامح اقتصاديات سوق اللاعبين المحترفين في كرة القدم عالميا، الأول عدد اللاعبين، والثاني قيمتهم السوقية والثالث الأجور التي يحصلون عليها شهريا، والرابع قيمة رسوم الانتقال الواردة بعقودهم المبرمة مع الجهات التي يلعبون لها، وعند تركيز التحليلات علي البيانات الخاصة بالموسم الحالي 2022، كشفت هذه المؤشرات عن ما يلي:

فيما يتعلق بأعداد اللاعبين وتوزيعهم على الجنسيات المختلفة، تبين أن هناك 74 دولة لا يوجد لاعبون يحملون جنسيتها في القائمة، و163 دولة حول العالم يوجد بالقائمة لاعبون يحملون جنسياتها، وإجمالي عدد اللاعبين بالقائمة يبلغ 19 الفا و239 لاعبا، وكما هو موضح بالجدول رقم (1)، فإن 12 الفا و261 لاعبا بما يوازي  63.7 % من اللاعبين الواردة أسمائهم بالقائمة يحملون جنسية 20 دولة فقط، وتشير بيانات الجدول إلي أن بريطانيا تأتي في المركز الأول عالميا من حيث عدد اللاعبين المحترفين الذين يجري التداول عليهم في السوق الدولية، حيث يبلغ عدد لاعبيها 1719 لاعبا، بنسبة 8.9% من الإجمالي العالمي، تليها في ذلك المانيا بنصيب 1214 لاعبا يمثلون 6.3% من اللاعبين المحترفين في السوق الدولية، ثم إسبانيا بنصيب 1086 لاعب يمثلون 5.6%.

عند ربط اعداد اللاعبين من كل دولة، بالعدد الإجمالي لسكانها، لتقدير عدد اللاعبين المحترفين بين كل مليون نسمة من السكان، اختلف الأمر، حيث سجلت ايرلندا أعلى معدل في هذا الصدد بين الجنسيات العشرين الواردة بالجدول، بواقع 78.3 لاعب محترف بين كل مليون نسمة من السكان،  وجاءت بعدها النرويج، بواقع 70.29 لاعبا بين كل مليون نسمة، ثم السويد بواقع 36.96 لاعبا، ما يعني أن كثافة انتاج اللاعبين المحترفين في ايرلندا والنرويج والسويد أعلى منها في الدول الثلاث التي انتجت العدد الأكبر من اللاعبين وهي بريطانيا وألمانيا واسبانيا علي التوالي.

بالنظر للمؤشر الثاني الخاص بالقيمة السوقية للاعبين، تبين أن إجمالي قيمة اللاعبين الواردين بالقائمة يبلغ 56 مليار و213 مليون و147 الفا و361 دولار امريكي خلال الموسم الحالي 2022، ويوجد 41 مليار و819 مليون و23 الفا و50 دولار بما يوازي 74.39% من هذه القيمة في لاعبين يحملون جنسيات الدول العشرين الواردة بالجدول رقم (2)، الذي يشير إلى أن اللاعبين المحترفين الذين يحملون الجنسية الاسبانية هم الأعلى من حيث القيمة السوقية علي الإطلاق، حيث تقترب قيمتهم السوقية من الـ 6 مليار دولار، وهو رقم يعادل نحو 10.53% من اجمالي القيمة السوقية للاعبين المحترفين عالميا، يليهم اللاعبون الحاملون للجنسية الفرنسية، الذين تبلغ قيمتهم السوقية ما يربو علي 4.73 مليار دولار، بما يعادل 8.43% من القيمة السوقية العالمية، ثم اللاعبون الحاملون للجنسية البرازيلية، الذين تقل قيمتهم السوقية بنسبة طفيفة عن الفرنسيين، وتتجاوز الـ 4.71 مليار دولار بقليل، لتحقق حصة قدرها 8.38%.

في الجدول رقم (3) الخاص بمؤشر الأجور الشهرية، يلاحظ أن إجمالي الأجور الشهرية للاعبين المحترفين حول العالم يبلغ 177 مليون و962 الفا و463 دولار، يذهب 73.45% من هذا المبلغ أو ما يربو قليلا علي 130 مليون دولار إلي لاعبين يحملون الجنسيات العشرين الواردة بالجدول، والتي تأتى الجنسية البريطانية في صدارتها، حيث يحصل اللاعبون الحاملون لهذه الجنسية علي ما قيمته 18 مليون دولار شهريا، بواقع 10.21%، يليهم اللاعبون الإسبان بواقع 9.17%، ثم البرازيليون 8.44% ثم الفرنسيون 7.46%، ثم الألمان 6.25%.

المؤشر الأخير خاص برسوم التصريح بالانتقال، وهي المبالغ المنصوص عليها في عقود اللاعبين  الموقعة مع انديتهم، ويتعين دفعها إذا ما أراد ناد اخر شرائهم قبل انتهاء مدة العقد، وتدل الأرقام الخاصة به إلي أن اجمالي قيمة المبالغ المنصوص عليها كرسوم تصريح بالانتقال يبلغ نحو 99.8 مليار دولار، عالميا، يتركز نحو 74.5% في اللاعبين الحاملين للجنسيات العشرين الواردة بالجدول، وهي قائمة يتصدرها اللاعبون الإسبان، برسوم تتجاوز الـ 11 مليار دولار، وتشكل 11.2% من اجمالي الرسوم عالميا، وفي المركز الثاني يأتي اللاعبون البرازيليون برسوم تزيد قليلا علي 8.79 مليار دولار، بما يوازي 8.79% من الإجمالي، ثم اللاعبون الفرنسيون في المركز الثالث بنحو 8.72 مليار دولار وحصة قدرها 8.43 % من الإجمالي.

في ضوء الأرقام الواردة بالجداول، يمكن رصد الملاحظات التالية:

ـ  عند الربط بين معيار الاعداد ومعيار القيمة السوقية، يتبين أن كل من بريطانيا وألمانيا تقدمان لاعبين محترفين بأعداد أكبر من اسبانيا، إلا أن القيمة السوقية للاعبي اسبانيا تتفوق علي الاثنتين، ما يعني أن المتوسط العام للقيمة السوقية للاعب الاسباني أعلى منها بالنسبة للبريطاني أو الفرنسي، وكذلك الحال لكل من البرازيل والأرجنتين، فالبرازيل تأتي في المركز السادس بالنسبة لعدد اللاعبين، والمركز الثالث من حيث القيمة السوقية، والأرجنتين تأتي في المركز الخامس من حيث عدد اللاعبين، وتتقهقر الي المركز السادس من حيث القيمة السوقية.

ـ عند وضع مؤشر الأجور جنبا الي جنب مع مؤشر القيمة السوقية ومؤشر الاعداد، يلاحظ أن العلاقة بين المؤشرات الثلاثة متقطعة، فالأعداد الاكبر لا تحقق القيمة السوقية الأكبر، والقيمة السوقية الأكبر لا تحقق الأجور الأكبر، ومن دلائل ذلك مثلا، أن بريطانيا تقدم العدد الأكبر، ولا تمتلك القيمة السوقية الأكبر، لكنها تدفع الحصة الأعلى من الأجور، وتعد اسبانيا النموذج العكسي فهي تقدم لاعبين أقل من بريطانيا، تحقق بهم قيمة سوقية أعلى، وتدفع لهم أجورا اقل.

ـ حينما نأتي للمؤشر الأخير الخاص برسوم التصريح بالانتقال، نجد حالة مختلفة عن الحالات الثلاث السابقة، يبرز فيها قدر ملحوظ من الاتساق والتقارب بين القيمة السوقية وقيمة رسوم التصريح بالانتقال، حيث يلاحظ أن المراكز الثلاث الأولى في المؤشرين يحتلها كل من اسبانيا وفرنسا والبرازيل، وان اختلفت المراكز وتبودلت في المؤشرين، فضلا عن أن الحصص من الإجمالي العالمي تكاد تكون متقاربة في الحالتين بالنسبة للدول الثلاث.

في النهاية تخلص إلى أن محور اقتصاديات سوق اللاعبين المحترفين دوليا يقع بالأساس في خمس دول، هي اسبانيا وبريطانيا وفرنسا والبرازيل والأرجنتين، فهم يقدمون نحو 30% من اللاعبين، ويستحوذون علي 41% من القيمة السوقية، ويدفعون 40% من الأجور، وعقود لاعبيهم تستحوذ علي 42% من رسوم تصاريح الانتقال.