تشير الدراسات إلى أنه للحد من ارتفاع درجة الحرارة عالمياً، يجب علينا خفض الانبعاثات والاستثمار الآن لحماية وإدارة واستعادة النظم البيئية والأراضي للمستقبل.
لا يزال هناك جدل حول مدى مساهمة الحلول القائمة على الطبيعة في تحقيق أهداف “صافي الصفر” بحلول منتصف القرن، حيث تم تقدير النتائج عبر بعض الأهداف والأطر الزمنية وافتراضات نموذجية. يقول بعض الباحثين أن ترميم الأشجار هو الحل المتاح والأكثر فاعلية لتغير المناخ (وهذا في حد ذاته موضع اعتراض قوي)؛ ويجادل آخرون بأن الحلول القائمة على الطبيعة لن تكون بنفس السرعة أو الفعالية.
جزء من سبب المأزق هو أن العديد من الأوراق البحثية المعروفة تناقش احتمالات امتصاص الكربون السنوي كحل من الحلول القائمة على الطبيعة، ولم يناقشوا تأثير انخفاض الحرارة على مر السنين. نظرًا لأن اتفاقية باريس صيغت فيما يتعلق بدرجات الحرارة، فإننا نرى أن هذه الفجوة هامة لأن الباحثون يحتاجون إلى معرفة كيف ستؤثر الحلول القائمة على الطبيعة على درجة حرارة في العالم.
ولإعطاء نموذج على ذلك، أخذنا في الاعتبار سيناريو طموحًا وواقعي ناقشه أحد الزملاء يعتمد فقط على تلك المشاريع الخاصة بالحلول القائمة على الطبيعة والتي تقيدها بعض العوامل: 1- الفاعلية من حيث التكلفة (تكلفتها أقل من 100 دولار أمريكي لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون). 2- ضمان الإنتاج العالمي الملائم للأغذية والمنتجات الخشبية. 3- حفظ كافٍ للتنوع البيولوجي. 4- احترام حقوق حيازة الأراضي وعدم تغيير كميات ضوء الشمس المنعكسة من الأرض. أما السيناريو الخاص بنا، فيعتمد على الحلول القائمة على الطبيعة التي تحد من تزايد الانبعاثات بسرعة – بحلول عام 2025 – وتمتص الكربون مع تجنب الانبعاثات بمعدل 10 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، والذي قد يرتفع إلى 20 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون في أكثر السيناريوهات طموحًا (ذروة الاحترار 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2055)، حيث نتوقع زيادة سعر الكربون، وتضمين قيمة 10 جيجا طن في التكلفة، لكننا نحسب أيضًا 30 عامًا من الحلول القائمة على الطبيعة باهظة الثمن في سيناريو 1.5 درجة مئوية (حتى 200 دولار لكل طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون). وللتوضيح، فإن 10 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون في العام هي أكثر من الانبعاثات الناتجة عن قطاع النقل العالمي بأكمله.
ونتائج الوصول الى 10 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً هي: 1- وقف تدمير النظم البيئية في العالم (بما في ذلك 270 مليون هكتار من الأراضي المٌتصحِرة). 2- إصلاح 678 مليون هكتار من النظم البيئية (أكثر من ضعف مساحة الهند). 3- معالجة حوالي 2.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول منتصف القرن. ومن المهم ملاحظة أن الجزء الأكبر من الأراضي المطلوبة (85٪) يأتي من تحسين معالجة الأراضي القائمة بغرض الزراعة والرعي وإنتاج الغابات دون استبدال غلات الغذاء أو المنتجات الخشبية أو الوقود.
غير أن لهذه التقديرات بعض المحاذير، إذ قد يكون دور الحلول القائمة على الطبيعة أكبر إذا تم النظر الى تأثيرها على الغازات الدفيئة الأخرى إلى جانب ثاني أكسيد الكربون مثلاً، حيث قد يمثل هذا مقدارًا إضافيًا يقارب 1-3 جيجا طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في العام نتيجة التخفيف من حدة المناخ. غير أن مساهمة مثل هذه الحلول قد تتضاءل على المدى الطويل إذا انخفض إزالة الكربون من الأراضي بمرور الوقت، والذي قد يحدث بدوره إذا أصبحت المصارف الطبيعية مشبعة أو تأثرت باضطرابات المناخ مثل حرائق الغابات. ثم وضعنا نموذج لكيفية تأثير الحلول القائمة على الطبيعة على درجة الحرارة العالمية حتى 2100، ونظرنا إلى المسارات التوضيحية من الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، حيث يتم تقييد ذروة الاحترار عند 1.5 درجة مئوية أو 2 درجة مئوية، وقمنا بتفعيل هذه السيناريوهات بالإضافي الي الحلول القائمة على الطبيعة.
المقاييس الصحيحة: تعتبر استعادة مساحات الغابات على نطاق واسع الفرصة الأكثر قابلية للتطبيق على المدى القريب من أجل إزالة الكربون. لكن للأسف، تم استخدام هذا الحماس لتشجيع زراعة الغابات مثل الأشجار ذات المجموعات المتنوعة من حيث الأعمار والفصائل في المزارع الأحادية على سبيل المثال، مما لا يؤدي الي نفس فوائد الكربون كالذي يحققه النظام البيئي السليم للغابات.
غير أن بعض الحلول القائمة على الطبيعة، كما يتم تنفيذها حاليًا، يكون لها عواقب غير مقصودة وغير مرغوب فيها، مثل تخصيص مساحة 34007 هكتار من النظام الإيكولوجي للغابات في كمبوديا لقطع الأشجار، مع استبدال جزء كبير منها للزراعة الأحادية للأكاسيا. وكان هذا أول مشروع إعادة تشجير واسع النطاق يتم تمويله في كمبوديا في سياق التخفيف من آثار تغير المناخ، وقد نتج عنه دمار بيئي غير أخلاقي أثر على 1900 أسرة.
وبالمثل، أدت الإعانات الحكومية التشيلية للمزارع الجديدة من الصنوبر والأوكاليبتوس إلى توسيع المزارع بمقدار 1.3 مليون هكتار منذ عام 1986، مع عزل حوالي 5.6 مليون طن من الكربون. ومع ذلك، لم يتم تطبيق اللوائح التي تنص على ألا يتم التوسع على حساب الغابات المحلية المتنوعة بيولوجيًا، مما أدى إلى انخفاضات واسعة النطاق في مساحات الغابات المحلية. وقد أدى إزالة الغابات الأصلية إلى انخفاض صافٍ بنحو 0.05 مليون طن من الكربون المخزن منذ عام 1986.
تُظهر هذه الأمثلة كيف يمكن أن يؤدي التركيز الفردي على عزل الكربون السريع كمقياس للنجاح في التخفيف من آثار المناخ على الأرض إلى نتائج ضارة. لذا يجب تقييم الأنشطة ومراقبتها باستخدام المقاييس الصحيحة، لحساب المنافع العديدة التي توفرها على المدى الطويل.
حماية الغابات الاستوائية: يجب أن تلتزم المشاريع التي تتضمن حلولًا قائمة على الطبيعة بأربعة مبادئ هامة. أولاً، الحلول القائمة على الطبيعة ليست بديلاً للتخلص من الكربون؛ ثانيًا، تحتاج إلى إشراك مجموعة كبيرة من النظم البيئية؛ ثالثًا، ينبغي تصميمها بالشراكة مع المجتمعات المحلية مع احترام حقوق السكان الأصليين وأية حقوق أخرى. وأخيرًا، يجب أن تدعم التنوع البيولوجي، من المستوى الچيني إلى النظام البيئي. بالإضافة إلى ذلك، فإن “مبادئ أكسفورد” تدعو إلى إزالة وتخزين آمن ودائم لثاني أكسيد الكربون لكل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. كما يجب أن تشمل مقاييس النجاح ديناميكية الكربون، والتنوع البيولوجي عبر مستويات غذائية متعددة، والعوامل الاجتماعية والاقتصادية مثل تمكين المرأة وتوظيف الشباب.
هناك العديد من الأمثلة لمشاريع الممارسات الجيدة منها على سبيل المثال: غابات “المنغروف” في شرق الهند التي تمت حفظها ضد إزالة الغابات منذ عام 1985 وهي تحمي المناطق الساحلية من الآثار السلبية للأعاصير بشكل أفضل بكثير من الدفاعات الاصطناعية، علاوة على أنها تمتص الكربون. في الغابات الاستوائية المطيرة في سيراليون، ثبت أن زراعة الكاكاو – حيث يُزرع الكاكاو بالأشجار للتظليل، جنبًا إلى جنب مع الأناناس والفلفل والذرة كمصدر إضافي للغذاء والدخل – تنتج الكاكاو بشكل مستدام، بينما تعمل على تقليل إزالة الغابات. كما أدى أحد مشاريع الحراجة الزراعية في حديقة Gola Rainforest National Park، الذي بدأ منذ 30 عامًا، إلى زيادة التنوع البيولوجي وزيادة ربحية المحاصيل مع توفير ما يقدر بنحو 500000 طن من الكربون كل عام من خلال عزل الكربون وتجنب تصحر الغابات.
المصدر: من مقال صدر عن مجلة Nature