فجوة تغطية تتسع مع الوقت: 37.4 % فقط من العمال يحصلون على إعانات إصابات العمل

من بين كل عشرة عمال يتعرضون لإصابات اثناء تأديتهم أعمالهم، يحصل اقل من أربعة منهم على إعانات تساعدهم على تحمل تبعات الإصابة وأضرارها، حيث تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلي أن المتوسط العام العالمي للعمال الذين يحصلون على إعانات الإصابة هو 37.4% من إجمالي من يستحقون هذه الإعانات، ويرتفع الرقم ليصل الي 79.3% في أوروبا وآسيا الوسطى، وينخفض إلى 60.8% في الأميركتين ، ثم يهبط إلي 28.5% في آسيا والمحيط الهادئ، ويصل إلى25.7% في الدول العربية، ثم يهبط إلى 16.5% في أفريقيا.
تحدث هذه الفجوات بين من يستفيدون ومن يحرمون من الإعانات على الرغم من تصاعد أعباء إصابات العمل، حيث تسجل سنويًا نحو 2.9 مليون وفاة و395 مليون إصابة غير مميتة تؤدي إلى غياب يتجاوز أربعة أيام عمل، ما يبرز ضعف الحماية الفعلية مقارنة بحجم المخاطر المهنية.
وفقا للبيانات الواردة في تقارير منظمة العمل الدولية، فإن أكثر من ثلثي العمال الذين يحق لهم قانونًا التعويض لا يحصلون عليه فعليًا، ما يكشف عن فجوة عالمية في قدرة نظم الحماية الاجتماعية على استيعاب انتشار العمل غير النظامي والهش، وضعف آليات التنفيذ. غير أن هذا المتوسط العالمي يخفي وراءه تفاوتات إقليمية حادة، إذ تتجاوز التغطية الفعلية 90% في بعض الأقاليم، بينما تنخفض إلى أقل من 20% في أقاليم أخرى. والأهم من ذلك، أن بعض الأقاليم ذات المتوسطات المرتفعة تُظهر داخلها تفاوتًا واسعًا. لذا اختار مركز “جسور مقارنة أداء تسعة أقاليم جغرافية استنادًا إلى متوسط نسبة المستفيدين من إجمالي المستحقين، وتصنيفها الى 4 مستويات.
أولًا: الأقاليم عالية الأداء
تتصدر شرق آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي الترتيب بمتوسط يقارب 96%، تليهما شرق أوروبا وآسيا الوسطى بنحو 95%، ثم غرب أوروبا بمتوسط يقارب92% وتعكس هذه الأقاليم قدرة عالية على تحويل الاستحقاق القانوني إلى استفادة فعلية، غير أن المقارنة الداخلية تكشف فروقًا هامة:
ففي غرب أوروبا (تمثلها 27 دولة)، نسبة المستفيدين من إجمالي المستحقين تتراوح بين 68% و100%، بمتوسطات بلغت (84%–95%)، مقابل نسبة محرومين منخفضة نسبيا (5%–25%)متركزة في عدد محدود من الدول. لا يقتصر الارتفاع أذاً على المتوسط فقط، بل إلى تمتع أغلبها بتغطية شاملة في مختلف القطاعات الاقتصادية، مدعومة بنظم تأمين إلزامية، وقواعد واضحة لتعويض إصابات العمل، وقدرات رقابية قوية.
في المقابل، يظهر في شرق آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية نمط مختلف: متوسطات مرتفعة تخفي تفاوتًا وطنيًا: ففي شرق آسيا والمحيط الهادئ (25 دولة) إجمالي متوسط نسبة المستفيدين من إجمالي المستحقين 96%. ورغم الارتفاع اللافت في المتوسط، تكشف البيانات عن تباين داخلي شديد حيث أعلى قيمة 100% ذكور، إناث، إجمالي، وأدنى قيمة 9%في بعض الدول، و15% و 24% في دول أخرى. أي أن المتوسط الإقليمي المرتفع يخفي وجود دول ذات تغطية شبه معدومة فعليًا مقابل دول ذات شمول شبه كامل. بينما تصل نسبة الحرمان إلى 92٪، 85٪، 76٪، في المقابل، توجد دول بنسبة حرمان 0٪. هذا النطاق (0% – 92%) يعكس عدم تجانس حاد داخل المنطقة.
وبالمثل أمريكا اللاتينية(41 دولة) حيث متوسط نسبة المستفيدين 96٪، مع وجود تباينًا ملحوظًا بين أعلى تغطية 100٪، وأدنى تغطية حرمان تصل إلى 97% وأحياناً 85% و 78%. ما يعني أن المتوسط الإقليمي المرتفع يخفي وجود دول ذات حرمان واسع النطاق مقابل دول ذات شمول شبه كامل. كما أن وجود عدة قيم مرتفعة (≥75%) يدل على ضعف الوصول الفعلي في بعض الدول، أو قصور شديد في التنفيذ رغم وجود أطر قانونية.
أما شرق أوروبا وآسيا الوسطى (26 دولة) حيث اجمالي متوسط المستفيدين 95٪. تُظهر تباينًا واسعًا بين الدول حيث أعلى قيمة 100٪ ذكور – إناث – إجمالي، وأدنى قيمة 0% في بعض الدول. والسبب أن هذه المنطقة تجمع بين نظم تأمينية شاملة نسبيًا وبين تحديات انتقالية في بعض الدول، ما ينتج متوسطًا مرتفعًا مع تفاوت أقل حدة من أمريكا اللاتينية، لكنه أكبر من غرب أوروبا.
ثانيًا: أمريكا الشمالية – أداء متوسط رغم الإمكانات المرتفعة
تقع أمريكا الشمالية في فئة الأداء المتوسط يتراوح ما بين 80٪ و90٪، بمتوسط يقارب 85%، وهو أقل من المتوقع قياسًا بمستوى الدخل. ويرتبط ذلك بطبيعة نظم التعويض عن إصابات العمل التي تعتمد جزئيًا على ترتيبات خاصة أو نظم على مستوى الولايات، بدلًا من نظام وطني موحد للضمان الاجتماعي. وهذا النموذج يؤدي إلى فجوات واضحة بين القطاعات والفئات: العمال في الصناعات الكبرى والوظائف الدائمة يتمتعون بتغطية شبه كاملة، بينما يواجه العاملون بعقود مؤقتة، أو في الاقتصاد الرقمي، أو في بعض قطاعات الخدمات، مخاطر استبعاد جزئي أو تأخير في التعويض. وبذلك، لا يعكس المتوسط المرتفع نسبيًا شمولًا كاملًا، بل توازنًا هشًا بين نظم متقدمة وفجوات هيكلية.
ثالثًا: الأقاليم متوسطة–منخفضة الأداء
ينخفض الأداء بوضوح في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا. حيث تتراوح المتوسطات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين 25% و30%، ونسب المستفيدين الفعليين ما بين 4٪ و36٪، مع حالات قليلة تتجاوز 50–70% مقابل نسب محرومين تتراوح ما بين 96٪ و64٪. وتكمن المشكلة الأساسية في استبعاد شرائح واسعة من العاملين في القطاع غير الرسمي، كما يواجه العمال المهاجرون نظم تأمينية مجزأة أو مؤقتة.
وفي جنوب آسيا، تتراوح نسبة المحرومين من إجمالي المستحقين ما بين 96٪ و47٪، أما نسبة المستفيدين من إجمالي المستحقين فتتراوح ما بين 4٪ و53٪. ويرجع ذلك الى أن أغلب دول المنطقة لديها تشريعات قديمة أو محدودة في تعريف من هم “العاملون المستحقون”، وضمان التغطية لكل أنواع العمال، مثل العمال غير الرسميين، وعمال حسب الطلب، وعمال زراعيين أو منزلين. وهذا يعني أن جزءًا مهمًا من القوى العاملة غير مغطى قانونيًا أصلاً.
رابعًا: أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى – أدنى متوسط وأوسع فجوة
تسجل أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (تمثلها 43 دولة) أدنى متوسط إقليمي، بنحو 20% فقط من المستحقين. وتُظهر البيانات أن الحرمان هو القاعدة، والاستفادة هي الاستثناء. ويرتبط ذلك بهيمنة العمل غير النظامي، ضعف نظم التأمين الاجتماعي نفسها، محدودية الموارد المالية، وتراجع القدرة المؤسسية على الإنفاذ.
ويبرز داخل الإقليم تفاوت حاد بين دول قليلة تمتلك نظمًا أكثر انتظامًا تراوحت بين 4٪ و37٪، مع استثناءات محدودة تتجاوز 45–65%.، وأغلبية تعاني من غياب شبه كامل للتغطية الفعلية تراوحت ما بين 96٪ و63٪، مع حالات متطرفة عند 100% حرمان.، ما يجعل المتوسط الإقليمي منخفضًا ومستقرًا عند مستوى متدنٍ.