حول شواطئ جزيرة بالاو ـ 800 كم شرق الفلبين بالمحيط الهادي ـ تعيش نحو 100 سمكة من أسماك القرش، تُدر دخلا سنويا لأهالي الجزيرة يقدر بنحو 18 مليون دولار امريكي، وفي شواطئ منطقة بالي بإندونيسيا تعيش نحو 500 سمكة من اسماك “المانتا راي” النادرة المعرضة للانقراض، تدر على المنطقة دخلا يقدر بنحو 10 ملايين دولار سنويا، بمعدل 20 ألف دولار للسمكة الواحدة، وهذه الأرقام ليست سوى قمة جبل الثلج في العائدات التي تحققها سياحة المحيطات حول العالم، والتي قدرها إحصاء حديث لموقع globenewswire.com بنحو 67 مليار و440 مليون دولار امريكي حاليا، يتوقع أن ترتفع إلي تريليون و6 مليارات و720 مليون بنهاية عام 2026، لكونها سترتفع بمعدل نمو سنوي مركب قدره 6.7 % خلال الفترة من 2022 ــ 2026.
يُعد السفر والسياحة من أكبر الصناعات في العالم وخاصةً السياحة الساحلية وفي القلب منها «سياحة المحيطات»، التي تُعتبر أكبر مكونات القطاع، حيثُ تعتمد على الطبيعة والمياه النظيفة والمناظر الرائعة والشواطئ ذات الرمال البيضاء والمأكولات البحرية، وصيد الأسماك والغوص ومراقبة الحياة البرية بالمحيطات. ووفقًا «لـمنظمة السياحة العالمية» (UNWTO, 2014)، يعتمد %80 من السياحة الدولية على المناطق الساحلية في أكثر من 183 دولة حيث يعيش %37 من سكان العالم.
ويشير آخر تقرير صدر عن «أطلس ثروات المحيطات» أن السياحة رائجة في 102 من أصل 117 دولة ومنطقة بها شِعاب مُرجانية، وتُقدر القيمة العالمية لسياحة الشِعاب المُرجانية بمبلغ 37.8 مليار دولار أمريكي سنوياً. فأكثر من 350 مليون شخص سنويًا يسافر إلى حيث تواجد الشعاب المرجانية في العالم لممارسة الغطس والسباحة بين حشود الأسماك أو مشاهدة الطبيعة والاستمتاع بالبحار والشواطئ والمأكولات البحرية الصحية، ومن ثَم تَنشأ منفعة لصناعات أخرى تُدَعِم هذه الزيارات وتلبي احتياجاتها مثل الفنادق والمتاجر وشركات الطيران وسلاسل التوريد. وقد قامت «أطلس» بتقدير نسبة سياحة الشِعاب المُرجانية من الإنفاق السياحي لتبلُغ %10، اعتماداً على بيانات مواقع محلات ومراكز الغوص وموقع Flickr للصور المأخوذة تحت الماء.
وتُظهر النتائج أن حوالي %70 من الإجمالي العالمي من الشعاب المرجانية لا يتم استغلاله في سياحة الشعاب المرجانية (مع تغير النسب من منطقة إلى أخرى)، حيث أن العديد من الشعاب لا يمكن الوصول إليها حتى عن طريق سفن الغوص، كما أن العديد من الوجهات السياحية الرائدة في مجال الشعاب المرجانية هي اقتصادات نامية مثل جزر سليمان وفيجي وبليز وهندوراس، من بينها 26 إقليم يستمد أكثر من ربع إجمالي الناتج المحلي له من السياحة مثل جزر المالديف وجزر سليمان وبالاو وجزر القمر، وهي دول جزرية صغيرة لا تمتلك إلا القليل من البدائل الاقتصادية الأخرى، لذا تُعتبر سياحة الشعاب المرجانية بالنسبة لهم شريان الحياة الذي يدفع الاقتصاد المحلي إلى الأمان.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، تُساهم سياحة المحيطات بحوالي 143 مليار دولار بالناتج المحلي الإجمالي سنوياً، طبقاً لبيانات عام 2018 «للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي» NOAA، كما يعمل بالقطاع حوالي 2.5 مليون يحصلون على حوالي 65.6 مليار دولار من الأجور السنوية.
وفي دول الاتحاد الأوروبي، رصد تقرير «الاقتصاد الأزرق» الصادر عن المفوضية الأوروبية 2022، أن إجمالي القيمة المضافة التي حققها القطاع في 2019 تجاوز 80 مليار يورو، بزيادة قدرها %21 مقارنة بعام 2009. وقُدرت القيمة الإجمالية للفائض التشغيلي بـ 27.4 مليار يورو، أي بزيادة قدرها%42 مقارنة بـ 2009. كما بلغ حجم المبيعات حوالي 230 مليار يورو، بزيادة 20٪ عن عام 2009، والذي انخفض بنحو %46 عام 2020 بسبب COVID-19. وقد تم توظيف أكثر من 2.8 مليون شخص في هذا القطاع عام 2019 بزيادة %45 مقارنة بعام 2015، كما وصلت تكاليف الموظفين إلى 52.7 مليار يورو بزيادة قدرها 46.9 مليار يورو عن عام 2009، تعادل متوسط أجر إجمالي بلغ 18ألفاً و800 يورو تقريبًا عام 2019، مقابل 16ألفاَ و640 يورو عام 2009، أي بزيادة قدرها %13.
وفي منطقة «باجا كاليفورنيا» بالمكسيك، يُسهم 29 مليون سائح سنويًا في توفير أكثر من مليوني وظيفة حيث تنتشر السياحة الساحلية وخاصةً السواحل المحيطة بخليج كاليفورنيا وشبه جزيرة «باجا كاليفورنيا»، والتي تستقبل 3.8 مليون زائر سنويًا. وتشتهر هذه المنطقة بأنظمتها البيئية الساحلية والبحرية مع نشاطات رائعة للغوص والغطس وصيد الأسماك والتجديف بالكاياك ومشاهدة الحياة البرية بالمحيطات. كما تشمل حضانات الحيتان الشهيرة وأسود البحر وأسماك قرش الحوت وأسماك السطح المحيطية. والمنطقة تستقبل ما يقرب من 900 ألف زائر سنويًا، مما يُدر أكثر من نصف مليار دولار أمريكي، وبها أكثر من 256 شركة سياحة نشاطها قائم على الطبيعة، توظف أكثر من 3575 شخص، بالإضافة الى دعمها لباقي الصناعات المتعلقة بها مثل الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية وصيانة البنية التحتية وبناء القوارب… ألخ. أما جنوب المنطقة فيُدَعِم قطاع سياحة الطبيعة إجمالي الإنفاق بما يقرب من %60.
من جانب آخر، ازدهر الاهتمام بالحيوانات البحرية الضخمة مثل أسماك القرش، والحيتان، والدلافين، والسلاحف، وبالرغم من استمرار عملية صيد بعض هذه الحيوانات، إلا أن قيمتها تتضاءل بالنسبة للصيادين في العديد من المناطق لصالح وجودها على قيد الحياة لخدمة قطاع السياحة، ووفقاً للتقديرات يقوم حوالي 600 ألف شخص بإنفاق أكثر من 300 مليون دولار أمريكي سنويًا لمشاهدة أسماك القرش، مما يؤمن حوالي 10 آلاف وظيفة في جميع أنحاء العالم. في بالاو على سبيل المثال يوجد نحو 100 سمكة قرش تُدر ما قيمته 18 مليون دولار أمريكي سنوياً. أما في إندونيسيا، تُعتبر سياحة المحيطات المُمَثلة في أسماك «مانتا راي» والحيتان المُساهم الرئيسي في اقتصاد الدولة، حيث يوجد التدفق المحيطي «Throughflow» وهو الرابط الوحيد في المياه العميقة بين المحيطين الهندي والهادئ، كما أن مروره عبر جزر «Lesser Sunda» يخلق فرصاً لمشاهدة بعض أكثر أنواع الحياة البحرية إثارة. وتحظى أسماك «مانتا راي»، التي تعيش في المياه الدافئة في جميع أنحاء العالم، باهتمام كبير لأنها مُعرضة للخطر بسبب الصيد الجائر ، لكن المناطق التي توجد فيها بانتظام أصبحت أكثر المناطق جذباً للسياح لا سيما في « Bali» و «Raja Ampat» و «Derawan» و»Komodo»، وحسب إحدى الدراسات فإن «المانتا» تُسهم بأكثر من 10 ملايين دولار أمريكي سنويًا في نفقات الغوص في 11 موقعًا للغوص فقط في البلاد، في حين يُشير فريق Mapping Ocean Wealth أن سمكة «مانتا» واحدة في منطقة Nusa Penida بمدينة «بالي» قد تُحقق على مدي عمرها حوالي 20 ألف دولار أمريكي للاقتصاد المحلي سنوياً.
وأخيراً نظرًا لزخم المصالح المُختلفة يتجه العالم لاستخدام المحيطات بشكل عقلاني ومستدام لحماية النظام البيئي من سوء الاستغلال، ومن المُتوقع أن يكون لدى ما يقرب من %30 من «المناطق الاقتصادية الخالصة EEZ»في العالم خطط للمساحات البحرية المعتمدة بحلول عام 2025، وذلك بمساعدة معلومات خدمات النظم البيئية البحرية، بما في ذلك أطلس ثروات المحيطات على الإنترنت على www.oceanwealth.org.