مشهد الطاقة الاندماجية عالميا: 129 مفاعلا تجريبيا موزعة على 4 فئات بـ 27 دولة

 

يشير المشهد العام لحركة تطوير الطاقة الاندماجية إلى أن العالم يمضي علي طريق هذه الطاقة مسلحا بنحو 129 مفاعلا اندماجيا تجريبيا، تنضوي تحت 5 فئات مختلفة، وتنتشر في 93 جامعة ومؤسسة بحثية وشركات خاصة وهيئات عامة تابعة لـ 27 دولة، 70.5% منها في حالة تشغيل تجريبي، وبعضها حقق نتائج على مستوي البحث والتطوير وبعضها الآخر بلغ مرحلة النتائج نصف الصناعية، معززا الأمل في التغلب علي التحديات التقنية التي يتعين التغلب عليها لجعل طاقة الاندماج أمر واقع في غضون العقدين المقبلين.

خلال الشهر الحالي أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية https://www.iaea.org قاعدة البيانات الخاصة بحالة مفاعلات وأجهزة الطاقة الاندماجية حول العالم، واستخلصت منها تقريرا بعنوان “المسح العالمي لأجهزة الاندماج النووي لعام 2022″، وكشفت المراجعة التحليلية التي قام بها مركز جسور لبيانات القاعدة، عن أن هناك 94 جهة حول العالم تمتلك واحد على الأقل من مفاعلات الطاقة الاندماجية التجريبية، والبعض منها يملك اكثر، و68 منها جهات عامة ممثلة في الجامعات ومراكز البحوث ومؤسسات وهيئات الطاقة الذرية المملوكة للدول ، و25 جهة منها شركات قطاع خاص تجارية تستثمر استثمارا طويل الاجل في مجال الطاقة الاندماجية، وهناك مشروع واحد فقط يتم بالمشاركة بين القطاع الخاص وجهات تابعة للدولة.

ويعني هذا التقسيم أن أنشطة البحث والتطوير الجارية في الطاقة الاندماجية هي أنشطة دول وحكومات بالأساس، وإن كان القطاع الخاص والشركات التجارية قد بدأ خلال العقدين الأخيرين يقبل علي الاستثمار في هذا المجال بوتيرة متصاعدة.

تضم المفاعلات الاندماجية الحالية 29 طرازا من أجيال مختلفة تطورت عبر ما لا يقل علي أربعة عقود من البحث والدراسة والتجريب، وجميعها لا تزال مفاعلات تجريبية، وتنقسم هذه الطرز الي خمس فئات رئيسية الأولى مفاعلات الاندماج التعويضية والليزر، والثانية مفاعلات الاندماج البديلة، والثالثة المفاعلات التجريبية، والرابعة المفاعلات النجمية والهليوترونات، والخامسة مفاعلات توكاماك.

وفقا للأرقام الواردة بالجدول رقم “1” فإن الفئة الأولى يوجد منها طرازين والثانية 13 طرازا، والثالثة 6 طرازات والرابعة 4 طرازات والخامسة 4 طرازات، لكن الأمر يختلف من حيث عدد المفاعلات المتاحة من كل طراز، فالطرازات المنتمية للفئة الخامسة تشكل 48.8% من إجمالي عدد المفاعلات الاندماجية عالميا، تليها الفئة الثانية بنصيب 27.1%، ثم الرابعة بنصيب 10.1%، ثم الفئتان الأولى والثالثة بنصيب 7% لكل منهما، ما يعني أن المفاعلات الأكثر انتشارا والأكثر تفضيلا عالميا هي مفاعلات توكاماك، تليها مفاعلات الاندماج البديلة.

القى هذا الامر بظلال واضحة علي نمط ملكية المفاعلات الاندماجية، وتشير بيانات الجدول إلى أن الملكية العامة التابعة للدول والحكومات نصيبها 78% من إجمالي المفاعلات، وعلي مستوي الفئات الرئيسية للمفاعلات فإن الدول تمتلك 95.5% من مفاعلات توكاماك، و92.3% من المفاعلات النجمية والهليوترونات، وتتراجع ملكيتها في الفئات المتبقية الي النصف او ما دون ذلك، حيث ترتفع بها ملكية القطاع الخاص بصورة ملحوظة، لتصل الي 45.7% في ملكية مفاعلات الاندماج البديلة، و44.4% في كل من المفاعلات التجريبية ومفاعلات الاندماج التعويضية والليزر.

تمثل حالة التشغيل لكل مفاعل مسارا آخر للتنوع والاختلاف، فهناك المفاعلات التي حققت استقرار ونضجا علي مستوى الفكرة النظرية والتصميم والبناء والاختبار ووصلت الي مرحلة التشغيل التجريبي، وأخرى تخطت مرحلة الفكرة والنظرية والتصميم ولا تزال قيد الانشاء، وثالثة تخطت مرحلة الفكرة النظرية، وتحولت الي خطة مستقبلية فقط، وطبقا للجدول فإن 70.5% من المفاعلات الاندماجية القائمة بالعالم بلغت مرحلة التشغيل التجريبي بالفعل، و9.3% من المفاعلات أصبحت قيد الانشاء، بعدما تخطت مرحلة الفكرة النظرية والتصميم، و20.2% تخطت الفكرة النظرية وأصبحت خطة قابلة للإنشاء.

أما بيانات الجدول رقم “2” الخاصة بتوزيعات المفاعلات الاندماجية عبر الدول المختلفة، فتشير إلى أن قائمة الدول المالكة لمفاعلات اندماجية تضم 27 دولة، وهناك تنافس امريكي ياباني واضح علي رأس هذه القائمة، حيث تستحوذ الدولتان على ما يتجاوز ثلث المفاعلات الاندماجية عالميا، أو تحديدا 35.7% من الإجمالي، وفي حين تأتي أمريكا في المركز الأول من حيث حصتها من المفاعلات بواقع 18.6%، مقابل 17.1% لليابان، تتفوق اليابان من حيث حصة المفاعلات التي تخطت مراحل الفكرة النظرية والتصميم والانشاء ودخلت حيز التشغيل التجريبي، حيث يوجد ما يربو قليلا على خمس المفاعلات العالمية التي يتم تشغيلها تجريبيا لدي اليابان بواقع 20.9%، لتحتل مركز الصدارة في هذا المعيار، وتتراجع أمامها حصة المفاعلات الامريكية التي دخلت التشغيل التجريبي لتمثل 18.7%.

لكن .. يبدو أن المستقبل بيد أمريكا أكثر من اليابان، فحصة أمريكا من المفاعلات الاندماجية الأمريكية التي تحت التشييد يمثل 16.7% من المفاعلات تحت التشييد عالميا، في حين يتراجع نصيب اليابان الي 8.3%، وكذلك فإن عدد المفاعلات الامريكية التي تخطت الفكرة وتحولت الي خطة قابلة للتنفيذ يمثل 19.2% من هذه النوعية عالميا، في حين يصل نصيب اليابان الي 7.7%.

في المرتبة الثالثة تأتي روسيا بحصة قدرها 10.9% من إجمالي عدد المفاعلات، وبحصة قدرها 8.8% من اجمالي المفاعلات قيد التشغيل التجريبي، لكن خططها المستقبلية تبدو أقوى من اليابان وقريبة للغاية من الخطط الامريكية، إذ تملك روسيا حصة قدرها 16.7% من المفاعلات قيد الانشاء، وهو ما يوازي ضعف المفاعلات اليابانية، كما تستحوذ على حصة قدرها 15.4% من المفاعلات المخطط انشاؤها، وهو ما يتجاوز أيضا ضعف حصة اليابان في هذا الصدد، ومن هنا يمكن القول أن الصراع والتنافس علي الطاقة الاندماجية يتركز حاليا بين أمريكا واليابان، لكنه مرشحا بقوة لأن يصبح أمريكيا روسيا في غضون السنوات المقبلة.

المرتبة الرابعة تتنافس عليها كل من الصين والسويد، حيث تتساوي حصتهما الإجمالية تقريبا، بواقع 6.2% لكل منهما، وإن كانت الصين تتفوق حاليا بصورة كبيرة علي السويد في المفاعلات التجريبية قيد التشغيل، حيث تصل حصتها الي 7.7% وهي حصة تقترب بشدة من حصة روسيا، لكن حصة الصين تهبط الي الصفر في المفاعلات قيد الانشاء، وترتفع الي 3.8% فقط في المفاعلات المخطط انشاؤها،، أما السويد فإن حصتها من المفاعلات قيد التشغيل التجريبي الحالي تبدو نصف حصة الصين تقريبا، إذ تبلغ 3.3%، فيما تقول الأرقام أن السويد لديها خطة مستقبلية طموحة تتجاوز الصين بوضوح، حيث تستحوذ علي 8.3% من المفاعلات الاندماجية قيد الانشاء، و15.4% من المفاعلات المخطط انشاؤها، ما يجعل وضعها التنافسي أمام الصين، أقرب إلي الوضع التنافسي لروسيا أمام اليابان، وهي وضعية قائمة علي ضعف المشاركة الحالية، وقوة والمشاركة المستقبلية.

تنخفض حصص ومشاركات بقية الدول الأخرى، وتتوزع على نسب ضئيلة من المفاعلات الاندماجية كما هو موضح بالجدول، حتي تصل الي أدني مستوياتها لكل من البرتغال والدنمارك وسويسرا وكازخستان وليبيا ومصر وأستراليا، التي تملك كل منها مفاعل واحد فقط قيد التشغيل، وليس لديها مفاعلات قيد الانشاء أو في مرحلة التخطيط.

في النهاية .. تعطي الأرقام والبيانات السابقة مؤشرا علي أن الطاقة الاندماجية الجديدة النظيفة الرخيصة اللامحدودة، كانت حلما مستحيلا تقريبا خلال العقود الماضية، وستظل حلما صعبا لعقدين مقبلين على الأقل، قبل ان تصبح واقعا مريحا يستفاد به على نطاق واسع.