مليار هكتار هي مساحة تُعادل مساحة الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية تقريباً، إذ يساوي الهكتار الواحد كوحدة لقياس المساحات 10 ألاف متر مربع. ورغم أن العالم يفقد كل عام 12 ملايين هكتار من الأراضي نتيجة للتصحُّر، إلا أنه أصبح بالإمكان استعادة مليار هكتار من الأراضي المتدهورة في 10 سنوات فقط وفقاً لتقرير “استعادة النظام البيئي للناس والطبيعة والمناخ” الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأغذية والزراعة في يونيو 2021، ولكن ما هو السبيل لتحقيق هذه المهمة بحلول 2030؟
استعادة الأراضي المتدهورة أضحت ضرورة للتخفيف من حدّة تغيّر المناخ، وضمان الأمن الغذائي لعدد يتضخم يومياً من سكان العالم، فضلاً عن أهميته في وقف فقدان التنوع البيولوجي وخفض كثافة الانبعاثات لإبقاء متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية أقل من درجتين مئويتين بحلول 2030، فبحسب بيانات الأمم المتحدة انعكس تدهور الأراضي على انخفاض إنتاجية ما يقرب من %25 من سطح الأرض في العالم، وأثّر بالتبعية على رفاهية حوالي 3.2 مليار إنسان أي نحو %40 من سكان الأرض، وكلّف حوالي %10 من الناتج المحلي الإجمالي العالمي السنوي المرصود لخدمات النظم البيئية المفقودة. وما يُقدر بنحو %23 من إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة بشرية المنشأ المؤثرة سلباً في المناخ. ورغم ما تبعثُ عليه هذه الإحصاءات من مخاوف وهواجس قلق إلا أن استراتيجية الأمم المتحدة في العقد الثالث من الألفية الثانية أعطت بريقاً من الأمل نحو استعادة على الأقل مليار هكتار من الأراضي المتدهورة من خلال التعاون الدولي لتنفيذ تدابير معينة وهي
أولا: تسخير التقنية لتحديد بؤر التصحُّر
التطورات التقنية والعلمية أدّت إلى تحديد المناطق المتدهورة بصورة دقيقة لم تكن معهودة من قبل، وهي أول خطوة نحو استعادة وتخصيب تلك الأراضي، إذ أن التصحُّر في حقيقته ليس نموذجاً واحدًا، وإنما يختلف من حيث شدة التصحُّر إلى تصحُّر طفيف يُحدث مجرد تلف في النباتات، وتصحُّر مُعتدل يرتفع فيه معدل تلف النباتات الى %15، وتصحُّر شديد يؤدي إلى انتشار كميات كبيرة من الحشائش والشجيرات غير الضرورية داخل الكثير من المراعي يؤدي إلى فقدان ما نسبته %50 من الإنتاج، وأخيراً تصحُّر شديد جداً كتعرض التربة للتملّح على سبيل المثال فتنعدم معه قدرة التربة على الإنتاج. ولعلّ تسخير الوسائل التقنية الحديثة في مراقبة الأرض لا يخلو من أهمية في متابعة تطوير المؤشرات بصفة دورية لتحسين نتائج الاستعادة وتوجيه الدول إلى المناطق الأكثر احتياجا للمعالجة.
ثانياً: المشاركة الفعّالة للمعرفة
أحد ركائز الاستعادة الحقيقية للأراضي المتدهورة هي شفافية المعرفة العالمية لحالات التصحُّر، فما يصلح في مكان ما ربما يكون له عواقب سلبية في مكان آخر، الأمر الذي يضفي أهمية كبيرة لحرية الوصول لبيانات التصحُّر التي تم جمعها بواسطة الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار وتقنيات التنبؤ وتحليل البيانات أو غيرها من وسائل. وما يُعزز ذلك هو إتاحة البيانات من خلال منصات الكترونية وقواعد بيانات تُسهّل على الدول سبل الاستعادة بمراقبة صحة النظام البيئي الأرضي في أي مكان في العالم. هذا لا ينفي وجود تلك المنصات بالفعل بالنسبة لبعض أوجه البيئة لاسيما منصة البيئة البحرية والمياه العذبة، التحالف العالمي للأشجار، أطلس التصحُّر، وغيرها من المنصات التي تساعد على اتخاذ قرارات مستنيرة وتعزز نجاح مشاريع الاستعادة، إلا أن العالم أصبح في حاجة إلى إنشاء منصة خاصة لآلية استعادة الغابات، ومركز لرصد موارد الاستعادة، منصة لمعرفة عدد الأشجار عالميا، قواعد البيانات حول التقنيات الحديثة للزراعة، منصة توضح أفضل الممارسات والمبادئ التوجيهية لزيادة اتساع الرقع الزراعية والاستخدام المقتصد للموارد المائية، وهكذا.
ثالثا: تحسين الممارسات على أرض الواقع
لتنفيذ استعادة مليار هكتار على الأقل من الأراضي المتدهورة في متوسط زمني ضئيل يستلزم أن تكون التكلفة الإجمالية غير مرهقة لاقتصادات الدول حتى تتمكن من المشاركة في تنفيذها وبالأخص الدول التي طالها التصحُّر والذي بلغ عددهم 110 دولة. أصبحت الممارسات الفعالة منخفضة التكلفة سبيلاً لتعزيز نجاح الاستعادة على نطاق جغرافي واسع، جدير بالذكر ان تحسين الممارسات على أرض الواقع أصبح ملزما للدول التي صدقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحُّر 1994 والبالغ عددهم 197 دولة.
وتقدر تكاليف استعادة الأراضي المتدهورة العالمية بما لا يقل عن 200 مليار دولار أمريكي سنوياً بحلول عام 2030، إلا أن تكلفة التقاعس ستكون أكبر من تكلفة الاستعادة إذا استمرت خدمات النظام البيئي في التدهور، وهو ما يبرز أهمية توجيه الاستثمار في استعادة الأراضي المتدهورة، فكل دولار يُستثمر في استعادة تلك الأراضي يقابله 30 دولارًا من الفوائد الاقتصادية لذلك، فضلا عن الفوائد المتعلقة بالأمن الغذائي، إذ يتزامن استعادة مليار هكتار من الأراضي المتدهورة مع تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة وهو (القضاء التام على الجوع) في العام ذاته (2030)، بل تعد عملية الاستعادة في ذاتها أحد وسائل القضاء على الجوع من خلال زيادة الأمن الغذائي لـ 1.3 مليار شخص، وتقليل تآكل التربة بنسبة %50.
بيد أن الهدف المنشود هو وقف وعكس تدهور النظم البيئية في جميع أنحاء العالم في ال10 سنوات الجارية. وتتمثل رؤية الأمم المتحدة في استعادة العلاقة بين البشر والطبيعة من أجل صحة ورفاهية جميع أشكال الحياة على الأرض وضمانها للأجيال القادمة، هذا المسعى لا يمكن لأي كيان بمفرده القيام به بل يتطلب الإرادة السياسية والابتكار والتعاون. تدعم هذه الرؤية ثلاثة أهداف رئيسية لاستراتيجية الأمم المتحدة، الهدف الأول تعزيز الالتزامات والإجراءات العالمية والإقليمية والوطنية لمنع ووقف النظم التي تضمن سلامة الأراضي من التدهور. الهدف الثاني: مفاده زيادة فهم الفوائد المتعددة لاستعادة النظام البيئي المتوازن. أما الهدف الثالث هو الحثّ على انتشار مفهوم استعادة النظام البيئي من خلال الأنظمة التعليمية ووسائل نشر الوعي المختلفة.