من 377 إلى 686 مليون عربي في عام 2050.. ماذا عن المياه والغذاء

سليمان عبد المنعم

هنا قراءة في أحد أهم وأخطر تقارير المستقبل السكاني لما يُتوقع أن يكون عليه العالم في عام 2050. وقد صدر هذا التقرير عن شعبة السكان في الأمم المتحدة منذ عدة سنوات دون أن يجد في الفضاء العربي الأصداء التي يستحقها، أو تنظم ندوة أو حلقة نقاش لاستعراض ما تضمنه هذا التقرير. يثير التقرير عدداً من الملاحظات المقلقة إن لم تكن (المفزعة) أولاهما عامة تتعلق بالنمو السكاني الهائل لكوكب الأرض الذي تتضاءل موارده وتزداد مشاكله وكوارثه البيئية والمناخية يوماً بعد يوم. والثانية خاصة بالمستقبل السكاني للعالم العربي، وباقي الفضاءات السكانية الأخرى في العالم. وفي كل من الملاحظتين ليست الأرقام بذاتها هي المهمة، فالأرقام في النهاية معطيات صماء، إنما الأكثر أهمية وخطورة هو ما تكشف عنه هذه الأرقام وما يترتب عليها شئنا أم أبينا من تداعيات.

ابتداء تتفاوت تقديرات المستقبل السكاني للعالم بحسب تقديرين أولهما متوسط يميل إلى التفاؤل بنجاعة جهود السيطرة على الانفجار الديموجرافي في الدول المكتظة الفقيرة، وتقدير آخر مرتفع يبدو متشائماً من هذه الناحية. والملاحظ أن تقرير الأمم المتحدة لعام 2015 World population Prospects يتبنى التقدير المتوسط. ربما لا تحظى تقديرات المستقبل السكاني للعالم في عام 2050 بالطابع اليقيني برغم أن التقرير هو نتاج عمل خبراء دوليين رفيعي المستوى وصادر عن جهة هي الأكثر تخصصاً ودراية في العالم. وارد بالطبع وجود هامش للتفاوت في التقدير المستقبلي لكنه يظل هامشاً محدوداً ومتعارفاً عليه لدى أهل التخصص. وبصفة عامة فإن عدد سكان العالم قد بلغ في عام 2020 نحو 7 مليار و775 مليون نسمة، ويتوقع أن يصل في العام 2050 إلى 9 مليار و730 مليون نسمة (هامش التفاوت في التقدير لا يزيد على 400 مليون نسمة أي ما يمثل نسبة خطأ قدرها 4% فقط).

في شأن المستقبل السكاني للعالم العربي بعد ثلاثة عقود من الآن تتجلّى المفاجآت تباعاً. فالبلد العربي الوحيد من بين كل الدول العربية قاطبة الذي سيشهد انخفاضاً في عدد سكانه هو لبنان الذي يُتوقع أن ينخفض فيه عدد السكان في عام 2050 بنسبة 4.1% مقارنة بعدد سكانه في عام 2015. وستشهد تونس على الصعيد العربي أقل نسبة نمو سكاني إذ يُتوقع في عام 2050 أن يصبح عدد سكانها 13.4 مليون نسمة بنسبة نمو قدرها 20%. حالتا لبنان وتونس لا تعبران البتة عن المستقبل السكاني الذي ينتظر باقي الدول العربية والذي يصل فيه النمو المتوقع إلى حد الانفجار.

        في الوقت الذي يبلغ فيه حالياً سكان الدول العربية 377 مليون نسمة (مع مراعاة وجود تقديرات أخرى متفاوتة قليلاً) فالمتوقع أن يصل هذا العدد إلى 686 مليون نسمة بحلول العام 2050. دولة عربية مثل اليمن سيقفز عدد سكانها ثلاثة أضعاف تقريباً ليصبح 74 مليون نسمة بدلاً من 27 مليون نسمة حالياً. وسيصل عدد سكان السودان في 2050 إلى 80 مليون نسمة بدلاً من 40 مليون حالياً. وسيصل عدد سكان العراق البالغ حالياً 36 مليون نسمة إلى 84 مليون نسمة. والصومال الفقير المنهك سيبلغ عدد سكانه 27 مليون نسمة بدلاً من 11 مليون نسمة حالياً. ويتوقع أن يصل عدد سكان سوريا الجريحة إلى 35 مليون نسمة بدلاً من 19 مليون حالياً. يحار المرء كيف يمكن لدول ذات موارد محدودة أو قابلة للنضوب تحتل مواقع جيوسياسية دقيقة مثل اليمن والصومال والسودان والعراق ومصر وسوريا أن تتحمّل هذه الزيادات السكانية المستقبلية وهي التي تنوء منذ الآن وبنصف عدد سكانها المتوقع بعد ثلاثة عقود بأثقال اقتصادية ومعيشية واجتماعية شتى. ستشهد دول الخليج بدورها نسبة نمو سكاني كبير لكن عدد سكانها سيبقى الأقل وسط انفجار التجمعات السكانية العربية الأخرى. فالسعودية الأكبر في دول الخليج سيصل عدد سكانها إلى 46 مليون نسمة بحلول عام 2050 بنسبة نمو قدرها 44%. وسيناهز عدد سكان الإمارات 13 مليون نسمة بنسبة نمو تبلغ 42%.

تبقى الحالة المصرية ذات خصوصية  مثيرة لتساؤلات مقلقة ليس فقط بحكم زيادة سكانية متوقعة تصل إلى 151 مليون نسمة بنسبة نمو 64% ولكن أيضاً وعلى وجه الخصوص بالنظر إلى الانفجار السكاني الذي يتوقع أن تشهده منطقة حوض النيل ذات الارتباط الوثيق بقضية المياه وسد النهضة الأثيوبي وما سوف ينشأ عن ذلك من تحديات وجودية.  هنا نكتشف أن هناك ست دول من حوض النيل ستأتي في عام 2050 ضمن قائمة الخمس وعشرين دولة الأكثر نمواً سكانياً في العالم كله أبرزها الكونغو الديموقراطية بعدد سكان متوقع يصل إلى 195 مليون نسمة في المركز التاسع عالمياً، وأثيوبيا 188 مليون نسمة في المركز العاشر ثم مصر في المركز 12، وأوغندا في المركز 18، وكينيا في المركز العشرين. هذا يعني بلغة الأرقام وبلا أي تنظير أنه بحلول عام 2050 سيصبح إجمالي عدد سكان دول حوض النيل 869 مليون نسمة (!) وما زالت مصر حتى اللحظة هي الأفقر من بين دول حوض النيل في نصيب الفرد سنوياً من المياه إذ لا يتجاوز 560 متر مكعب سنوياً، بينما حد الفقر المائي عالميا هو 1000 متر مكعب.

 قضية المياه في ظل مستقبل التضخم السكاني العربي لا تخص مصر فقط برغم جريان نهر النيل على أراضيها بقدر ما تتعلق أيضاً بكل الدول العربية، بل لن تكون المياه وحدها هي التحدي المستقبلي الوحيد إذ سيكون مطلوباً بعد ثلاثين عاماً منذ الآن توفير احتياجات سبعمائة مليون عربي من الغذاء، ومقاعد الدراسة، وأسرة المستشفيات، ووسائل النقل والمواصلات، ومستلزمات الطاقة. هذا الرقم بذاته كفيل بأن يدق كل نواقيس الاستنفار والخطر في الآذان العربية. وإذا كانت كل دولة عربية ستواجه على حدة في عام 2050 تحدياتها ومشكلاتها الخاصة فهذا لا ينفي أن العرب كأمة سيواجهون تحديات إضافية أخرى مشتركة تتعلق بوحدة جغرافيتهم السياسية في ظل المتغيرات والاضطرابات التي تسود المنطقة العربية.