تصدر الوباء العالمي COVID-19 الاجتماع الثالث للتحالف العالمي للقاحات والتحصين “جاڤي” GAVI، المنعقد افتراضيا في 4 يونيو، والذي جمع رقماً قياسياً قدره 8.8 مليار دولار أمريكي للسنوات الخمس القادمة. وقد استخدم المانحون المؤتمر لإطلاق صندوق جديد بمليارات الدولارات – Gavi Covax Advance Market Commitment (AMC) – لدعم الجرعات للبلدان ذات الدخل المنخفض.
وقد اقترح المانحون آلية تمويل لقاحات COVID-19 ، تسمى AMC، قدموا من أجلها نصف مليار دولار حتى الآن. ويهدف الصندوق إلى تسريع تصنيع لقاح COVID-19 على نطاق واسع وتوزيعه حسب الحاجة، وليس حسب القدرة المالية على تحمل تكلفته. فهدف جافي الأساسي هو جمع ملياري دولار لتصنيع أول 20 مليون جرعة. ولكن من الواضح أن توفير اللقاحات لجميع البلدان النامية يتطلب استثمارات أكبر بكثير.
الفكرة وراء AMC هي أنه إذا تُرك الأمر بالكامل للسوق، فسيتم إنتاج كميات قليلة جدًا من اللقاحات وبعد فوات الأوان. لذا سيشجع الصندوق الجديد الشركات المصنعة على الاستثمار في الطاقة الإنتاجية من خلال شراء كميات كبيرة قبل الحصول على الترخيص، مما سيزيد من توافر الإمدادات ويقلل من الوقت المستغرق لإتاحة اللقاحات المرخصة، لا سيما لأفقر البلدان حول العالم.
وقد قدرت ورقة بحثية، مقدمة من قبل مؤسسة Bill & Melinda Gates، تكلفة إنتاج وتوريد لقاحات COVID-19 إلى البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل بحوالي 74 مليار دولار في شكل منح. مما سيعمل على تقليل احتمالية وصول اللقاح (للمستفيدين- الأغنياء) فقط.
إن صندوق Gavi هو واحد ضمن عدة مبادرات تم طرحها. ففي 3 يونيو، أطلقت إيطاليا وفرنسا وألمانيا وهولندا تحالف اللقاحات الشاملة، الذي يهدف إلى إنشاء قاعدة تصنيع أوروبية للقاحات COVID-19 للاتحاد الأوروبي وبلدان أخرى.
أما اقتراح AMC فهو لمجموعة يقودها الاقتصادي بجامعة هارفارد والحائز على جائزة نوبل “مايكل كريمر” Michael Kremer، وفيه تعرض المجموعة أن تستثمر حكومة الولايات المتحدة 70 مليار دولار في الطاقة التصنيعية للعديد من اللقاحات الواعدة، على أن تدفع حوالي 100 دولار للفرد لتطعيم 300 مليون مواطن أمريكي. ويري كريمر وزملاؤه بأن هذا النهج غير مكلف نسبيًا مقارنة بـ 375 مليار دولار قيمة الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها العالم شهريا نتيجة الإغلاق، حسب تقدير صندوق النقد الدولي.
ويؤكد “كريس سنايدر” Chris Snyder، الخبير الاقتصادي في كلية دارتموث Dartmouth College ، بأن وجود الأمريكيون في الصف الأول سيفيد بقية العالم. “إذا تمكنت الولايات المتحدة من تطعيم سكانها في شهر واحد بدلاً من عام، سيتم تجنب كمية هائلة من ضرر COVID-19 محليًا. لكن هذه السرعة تتطلب [تمويل] قدرات صناعية على نطاق واسع، على إن يتم منحها إلى بقية العالم بعد إنشاءها. ويضيف إننا نحتاج الي اتفاقية دولية شاملة حول تصنيع اللقاحات وتوريدها الي جميع البلدان المشاركة. وحال إذا قررت الولايات المتحدة أو الصين القيام بذلك كلا على حدا، يمكن لجميع الدول المتبقية المشاركة في آليتها الخاصة. وستقوم جافي بالاهتمام بمصالح الدول ذات الدخل المنخفض.
هل يتوافق نموذج AMC المعتمد على فكرة “أمريكا أولاً” مع رؤية الوصول العادل؟ تقول “راشيل سيلفرمان” Rachel Silverman من مركز التنمية العالمية (CGD) إنها ليست بالفكرة المثالية ولكنها “أفضل ما يمكن أن نأمله”، معللة بأن توقع قيام أي دولة بتصدير اللقاح قبل خدمة سكانها هو مجرد تمني. “أعتقد أن أفضل وصول عادل يمكننا تحقيقه هو التوزيع العالمي العادل بعد أن تحصل عليه أولا الدولة الأولى”. وتضيف أيضا بأن نهجي AMC متوافقان، لكن كليهما بهما نقاط ضعف. “ما يقلقنا هو أنه يبدو أن هناك تقسيمين: الأول هو نهج الدول الغنية، والثاني هو نهج قائم على المساعدة الإنمائية الرسمية للبلدان الفقيرة، مما يستبعد البلدان المتوسطة الدخل مثل البرازيل والهند وجنوب إفريقيا. وتقول إن بلدًا مثل مالاوي يجب أن يتلقى اللقاح مجانًا عن طريق التمويلات المساعدة. أما البلدان المتوسطة الدخل فلا يجب أن تتحمل نفس التكلفة التي تتحملها الولايات المتحدة أو المملكة المتحدة، لكن عليها أن تساهم بقدر ما على أية حال.
وقد قدمت CGD نموذجًا ثالثًا يسمى نموذج AMC القائم على الفائدة المستحقة الخاصة بـ COVID-19، يعالج الإغفال السابق، حيث يتم إدخال عناصر منه إلى النموذجين الآخرين. وتشير سيلفرمان إلى أن كل بلد ليس لديه القدرة على تطوير اللقاح، لديه حافز للتحدث عن (حصول عادل) للقاح، حتى لو كان لديه ما يكفي من المال للوصول إلى مقدمة الصف بمجرد توفر اللقاح للتصدير. والواقع أن “مجموعة الوصول إلى التكنولوجيا الخاصة بـ COVID-19 التي اقترحتها كوستاريكا واعتمدتها منظمة الصحة العالمية في الشهر الماضي، تقدم إطارًا للتخصيص العالمي العادل. وقد تم اعتماده حتى الآن من قبل 30 دولة متوسطة الدخل بشكل أساسي وأربعة بلدان مرتفعة الدخل فقط هي: النرويج، هولندا، لوكسمبورغ والبرتغال. وتدعو المجموعة إلى التبادل الطوعي للمعرفة والملكية الفكرية والبيانات، وضمان حرية وصول واستخدام الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية للأدوية واللقاحات التي يتم تطويرها.
قد يكون كلا من نموذج Kremer و Gavi AMCs متوافقين مع بعضهما البعض، ولكن اقتراح كوستاريكا والنموذج الأمريكي ربما لا يكونا متوافقين. في مقالة نيويورك تايمز، كتب كريمر: ” إذا طورت الشركات منتجًا ناجحًا، فلتكون واثقة من أن الحكومة لن تقوم بمصادرة ملكيتها الفكرية”.
وقد حث “بيل جيتس”، في اجتماع Gavi لتجديد الموارد، الجهات المانحة على “تمويل Gavi بالكامل حتى لا يتعرض التحصين الروتيني المستمر للخطر بسبب التركيز المفرط على الوباء. وقال: “جافي لا يمكن أن تترك مهمة واحدة تفلت بينما تركز على الأخرى”.
ومع ذلك، فقد قرر المانحون نقل الموارد من لقاحات المكورات الرئوية إلى لقاحات COVID-19. وبعد المؤتمر، أعلن “جافي” أن خمسة من أصل ستة مانحين لـ AMC – وهم إيطاليا، المملكة المتحدة، النرويج، كندا ومؤسسة بيل وميليندا غيتس – سوف ينقلون حصتهم من المال وقدرها 177.5 مليون دولار، متبقية في صندوق المكورات الرئوية، الي Gavi Covax AMC. وقد أضاف جيتس مبلغ جديد وقدره 100 مليون دولار، وبمساهمات المملكة العربية السعودية وألمانيا وبعض الدول الأخرى، وصل المبلغ الإجمالي إلى 567 مليون دولار.
وقد كانت AstraZeneca أول شركة تصنيع للقاحات تقوم بالتسجيل في الصندوق الجديد، حيث تقدم ضمانًا بـ 300 مليون جرعة من اللقاح الذي تقوم بتطويره بالتعاون مع جامعة أكسفورد، بدون الحصول على أية أرباح. ثم دعا جيتس إلى التعهد بدعم Gavi Covax AMC في الهدف العالمي القادم: متحدون من أجل مؤتمر مستقبلنا، الذي ستستضيفه Global Citizen ورئيس المفوضية الأوروبية Ursula von der Leyen في 27 يونيو.
كتبته: آن دانيا أوشر Ann Danaiya Usher
علي موقع: https://www.thelancet.com/pdfs/journals/lancet/PIIS0140-6736(20)31354-4.pdf
بتاريخ: 13 يونيو 2020