يخرج الاقتصاد العربي من عُنُق الزجاجة بنمو في ناتجه المحلي الإجمالي قدره %2.6 في 2021، مُقابل انكماشاً بلغ نسبته %4 في 2020 وفق تقرير صندوق النقد العربي “آفاق الاقتصاد العربي 2020”، يتزامن هذا النمو مع اتجاه الدول العربية إلى فتح اقتصاداتها جزئياً وبعضها كلياً بعد الغلق الذي تسببت فيه الموجة الأولي لجائحة فيروس كورونا المستجد. بيد أن وقع الأزمة كان أشد على اقتصادات الدول المُصدرة للنفط كدول مجلس التعاون الخليجي والعراق، التي انكمشت في مجموعها بنسبة %4.7.
على خلاف اقتصادات مجموعة الدول العربية المستوردة للنفط كالمغرب وتونس والسودان ولبنان، وغيرها التي انكمشت بنسبة %2 فقط. ولعلّ مردّ تفاوت مُعدل انكماش الاقتصاد بين الدول المصدرة للنفط ونظيرتها المستوردة هو أن قطاع النفط يُسهم بنحو %27 من الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة، و%42 من إجمالي الصادرات، و%60 من الإيرادات العامة لها.
تباينت توقعات معدلات النمو بين اقتصادات الدول العربية في 2021، مقابل الانكماش الذي تعرضت له كل دولة في 2020. نرصد فيما يلي هذا التباين لـ 10 دول عربية كما هو موضح بالشكل أدناه.
إزاء انكماش اقتصادات الدول العربية جميعها، بدا الوضع في مصر مغايراً، إذ أنها الدولة العربية الوحيدة التي شهدت نمواً في ناتجها المحلي في 2020 بلغ نسبته %2 – بعد أن كان متوقعاً وصوله إلى %6 إلا أن أزمة كورونا حالت دون ذلك – أما في 2021 فمتوقع أن يعاود النمو في الارتفاع مجددا ليصل إلى %3.5، وربما يرجع ذلك التحسن في الاقتصاد المصري – رغم ظروف جائحة كورونا – إلى تبني العديد من الإصلاحات الاقتصادية بالشراكة مع صندوق النقد الدولي، من بينها تحرير سعر صرف العملة المحلية، بالإضافة إلى اتخاذ السياسات الرامية لتحقيق الاستقرار والانضباط المالي في الدولة، فضلاً عن تسهيلات ممتدة بموارد إقراضية بدأت بـ 12 مليار دولار. كما أن حجم السيولة والودائع الموجودة لدى الجهاز المصرفي والاحتياطي من النقد الأجنبي لعبا دورا محورياً في مساندة الدولة في تنفيذ مشروعاتها القومية من ناحية وامتصاص الأثار السلبية لجائحة كورونا من ناحية أخرى.
تحلّ تونس في المرتبة الثانية بعد مصر في مُعدل النمو الاقتصادي المتوقع في 2021 بنسبة تصل إلى %3، ولعلّ ذلك يرجع إلى التنوع الذي يشهده الاقتصاد التونسي مؤخراً والذي يُسهم في مرونته وصموده إزاء الأزمات، وخير دليل على ذلك اعتماد تونس على الإنتاج الزراعي الذي يمثل %10.5 من الناتج المحلي، فضلاً اكتشاف حقول غاز طبيعي لا سيما “حقل نوارة” الذي يُسهم بإنتاجه في النمو من ناحية، وخفض الواردات وتقليص عجز ميزان الطاقة من ناحية أخرى، أضف إلى ذلك تراجع أسعار النفط في السوق العالمية مما يؤثر إيجابياً على ميزانية الدولة بانخفاض حجم الدعم الموجه لقطاع المحروقات.
وتجئ السعودية في المرتبة الثالثة – بين الـ 10 دول المذكورة – من حيث مُعدل النمو المتوقع في 2021 والتي تبلغ نسبته %2.7، مُقابل انكماش بمعدل %4.7 في 2020 نتيجة لانخفاض كميات الإنتاج النفطي لديها وانخفاض أسعاره العالمية. ولعلّ من أهم أسباب توقع نمو الاقتصاد السعودي في العام القادم، التدابير المتوالية التي اتخذتها المملكة لدفع عجلة الاقتصاد من بينها اصدار سندات دولاريه حازت على إقبال كبير من المستثمرين الأجانب تجاوزت نسبة تغطية بعضها أكثر من 7 أضعاف قيمة الإصدارات المُعلن عنها، فضلاً عن رفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5 إلى 15 في المائة، وخفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق “رؤية المملكة العربية السعودية 2030” الأمر الذي أسهم في توفير 100 مليار ريال بحسب وزارة المالية السعودية.
تقاسمت المغرب والإمارات المرتبة الرابعة في النمو الاقتصادي المتوقع عام 2021، بنسبة %2.4 لكل منهما، حيث يستعد الاقتصاد الإماراتي لاستعادة نشاطه وعافيته بفضل انخفاض مستويات التكلفة وتنافسية عناصر التكلفة وأداء الأعمال، ومعاودة الإنفاق في إطار استضافة فعالية إكسبو 2020 الذي تم تأجيلها حتى أكتوبر 2021، بالإضافة إلى الزيادة المتوقعة في التوظيف، ورغبة المستثمرين للاستثمار في قطاع العقارات كمصدر للدخل الثابت على المدى الطويل، علاوة على الاتجاه المتوقع لزيادة الاستثمار في الزراعة والتقنيات والرعاية الطبية. أما في المغرب فمعدل النمو المتوقع مصحوبا بخلق وظائف جديدة ودمج الاقتصاد غير الرسمي لديها.
أما الجزائر فمن المتوقع ان تحقق نمواً في 2021 بنسبة %2.3، إلا أن هذا المعدل قليل نسبياً مقارنة بنسبة الانكماش الذي تعرض له اقتصادها في 2020 والذي بلغ نسبته %6.1 ليمثل ثاني أعلى نسبة انكماش بعد العراق التي سجلت بدورها انكماشاً بنسبة %6.6 مقابل نسبة %2.2 نمو متوقعة في 2021. وتعود الزيادة في معدل نمو اقتصاد الجزائر في العام القادم إلى الزيادة في كميات الإنتاج النفطي وأسعاره في الأسواق الدولية وهو ما تستفيد به العراق كذلك، فضلاً عن الإصلاحات الأخيرة التي تبنتها الدولة فيما يتعلق بجذب شركات النفط الدولية من خلال العودة إلى اتفاقيات المشاركة في الإنتاج وخفض مستوى الضرائب على تلك الشركات. كما أن الارتفاع في نمو اقتصاد العراق مرهوناً بدعم الأنشطة في القطاعات غير النفطية وارتفاع مستويات الاستثمار والاستهلاك الخاص.
سجلت الثلاث دول الأخيرة وهم الكويت والبحرين وسلطنة عمان، توقعات نمو تقل عن %2 لكل دولة على حدة، لتحقق الأولى توقعاً في النمو هو الأقل في الـ 10 دول المذكورين بنسبة تبلغ %1.6، تلتها سلطنة عمان المتوقع نمو اقتصادها بمعدل %1.8، وأخيراً البحرين بنسبة %1.9، ولكون الثلاث دول مصدرات للنفط فقد تأثروا بشدّة بسبب تداعيات فيروس كورنا المستجد على اقتصاداتهم لاسيما تراجع الأسعار العالمية للنفط وخفض كميات الإنتاج، إلا أن سبب البطء في النمو مرجعه محدودية حيز السياسات المتاحة لكل دولة لدعم قدرتها على مساندة التعافي الاقتصادي لدى كل منها.
رغم توقعات زيادة الناتج المحلي للمنطقة العربية في 2021 والمقدر نسبتها %2.6 إلا أنها مدعوة لاتخاذ سُبل عدّة لضمان استقرار اقتصاداتها لا سيما تنوع مصادر الدخل، وتشجيع الصناعة المحلية، والتحول الرقمي، وتعزيز فرص الاستثمار المباشر، وغيرها.