11 دولة عربية تقفز في الترتيب العالمي لمؤشر الكفاءة اللوجيستية

قفزت 11 دولة عربية في الترتيب العالمي لمؤشر كفاءة الخدمات اللوجستية (Logistics Competence) بين عامي 2007 و2023، ويُعد هذا المؤشر أحد المعايير الستة المكوّنة لمؤشر الأداء اللوجستي العالمي (LPI) الصادر عن البنك الدولي، ويقيس هذا المؤشر مستوى جودة وكفاءة مقدمي الخدمات اللوجستية، بما في ذلك شركات النقل البري والبحري والجوي، ووكلاء الشحن، وسماسرة التخليص الجمركي، فضلاً عن مزوّدي خدمات التخزين وسلاسل التبريد، وهو مؤشر يكشف ،في حقيقة الأمر، عن كفاءة مُقدمي تلك الخدمات لأهميتهم في دعم القدرة التنافسية للدولة في التجارة عبر الوطنية، فالدول التي تعتلي ترتيب مُتقدم في هذا المؤشر تكون أكثر جذباً للاستثمارات الأجنبية، وأكثر قدرة على الاندماج في سلاسل القيمة العالمية، والعكس صحيح.
تُظهر بيانات البنك الدولي أن جيبوتي قفزت 57 مرتبة لتحتل الترتيب 76 عالمياً في عام 2023 بينما كان ترتيبها في عام 2007 هو 133، كما قفزت مصر 30 مرتبة في الفترة ذاتها، لتحتل بذلك الترتيب 65 عالمياً بعدما كانت تقبع في الترتيب 95 في 2007، شهدت كذلك كل من قطر التي قفزت 29 مرتبة، وسوريا والمغرب (+18)، عمان (+14)، تحسناً ملحوظاً، بينما شهدت كل من البحرين والعراق(+13)، الجزائر(+12)، الإمارات (+9)، السعودية(+5) تحسناً أقل مقارنة بباقي الدول الأخرى. ومفاد ذلك أن هذه الدول طوّرت بشكل متفاوت من قدراتها في مجال الكفاءة اللوجستية، سواء عبر تحسين التشريعات والإجراءات الجمركية، أو رفع كفاءة مقدمي الخدمات اللوجستية.

تجدر الإشارة إلى أن التقدّم في الترتيب العالمي لا يعني بالضرورة تحسّنًا فعليًا في الأداء اللوجستي، إذ إن الترتيب يعكس موقع الدولة نسبيًا مقارنة ببقية الدول، وليس تطورًا موضوعيًا في درجتها الفعلية، فعلى سبيل المثال دولة الإمارات لم تتقدم سوى 9 مراكز فقط لتحتل الترتيب الـ11 عالمياً في عام 2023 بعدما كانت في الترتيب الـ20 في عام 2007، غير أنها لازالت أفضل دولة عربية مصنفة في هذا المؤشر، ومن غير المستساغ مقارنتها بجيبوتي مثلا التي قفزت 57 مرتبة في الفترة ذاتها، غير أنها في واقع الأمر مُرتّبة في المركز الـ 76 عالمياً.
في المقابل رصدت البيانات تراجعاً كبيراً لعدد من الدول العربية في المؤشر ذاته لعل أبرزهم جزر القمر التي حلّت في الترتيب 103 عالمياً بعدما كانت في الترتيب 65 في عام 2007، تراجعت أيضاً السوادن 55 مرتبة لتكون في الترتيب 110 في عام 2023 بعدما كانت في الترتيب 55 في عام 2007 ، والوضع ذاته في الأردن التي تراجعت 52 مرتبة، كما هو موضح في الرسم البياني.
ويُلاحظ أنّ التراجع في مؤشر الكفاءة اللوجستية لدى عدد من الدول العربية لا يُعزى إلى عامل منفرد، وإنما هو نتاج لمجموعة من المتغيرات المتشابكة التي تمس البُعدين الداخلي والخارجي معاً. فعلى الصعيد الداخلي، تعاني بعض هذه الدول من هشاشة الأوضاع السياسية والأمنية، وهو ما يفضي إلى تعطيل حركة التجارة وتقييد الاستثمارات في البنية التحتية للنقل والموانئ. ويُعدّ هذا العامل جليّاً في حالة السودان التي واجهت اضطرابات متكررة أضعفت من جاذبيتها اللوجستية وأثرت سلباً في استقرار سلاسل الإمداد. أما على المستوى الخارجي، فإن التقدم المضطرد الذي أحرزته بعض الدول الآسيوية والأوروبية في تطوير بنيتها التحتية وتبنيها أنماطاً متقدمة من الخدمات اللوجستية ساهم في رفع معايير المنافسة العالمية، الأمر الذي أدى تلقائياً إلى تراجع التصنيف النسبي للدول العربية المشار إليها حتى وإن لم يشهد أداؤها الداخلي تدهوراً كبيراً.
تجدر الإشارة إلى أن طول وتعقيد الإجراءات الإدارية والجمركية يُعدّ عاملاً أساسياً في تفسير ضعف أداء بعض الدول، فكلما كانت الإجراءات أكثر بيروقراطية وأطول زمناً، انعكس ذلك على تأخير الإفراج عن البضائع وتكدسها في الموانئ والمنافذ الحدودية، وبالتالي انخفاض مستوى الالتزام بالمواعيد المحددة للتسليم، وهذا ما يفسر جانباً من التراجع الذي شهدته بعض الدول العربية، ولعل مؤشر الالتزام بالوقت المُجدوَل (Timeliness) هو الأكثر تعبيراً عن مدى انتظام وصول الشحنات إلى المستلم ضمن الزمن المُجدول أو المتوقع عمليًا، من لحظة الشحن حتى التسليم النهائي.

تُظهر بيانات مؤشر الالتزام بالوقت المُجدوَل (Timeliness) أن 6 دول عربية أحرزت تقدماً ملحوظاً في الترتيب العالمي، وهم جيبوتي التي قفزت 51 مرتبة لتحتل الترتيب 87 عالمياً بعدما كانت في الترتيب 138 في عام 2007، والعراق والبحرين اللتان قفزتا 43 مرتبة، كذلك تونس رغم تراجعها في مؤشر كفاءة الخدمات اللوجيستية إلا أنها قفزت 35 مرتبة في مؤشر الإلتزام بالوقت المجدول او المتوقع، والوضع ذاته بالنسلة للبنان التي قفزت 38 مرتبة.
في المقابل، تكشف البيانات عن تراجع حاد في ترتيب دول أخرى، أبرزها الصومال (-56) والسودان (-50)، كما شهدت المغرب والكويت وليبيا وموريتانيا تراجعًا متفاوتًا، يعكس التحديات الإدارية والتنظيمية المرتبطة بالقطاع اللوجستي.
أخيراً يمكن القول إن المنطقة العربية تُعاني من فجوة لوجستية متزايدة؛ إذ تتصدر بعض الدول المشهد بقدرات تنافسية عالية، بينما تتراجع أخرى تحت وطأة أزمات هيكلية وأمنية، ويبرز من ذلك أن تحسين مؤشري كفاءة الخدمات اللوجيستية من ناحية والالتزام بالوقت المجدول من ناحية أخرى يرتبط بالدرجة الأولى بالاستثمار المستدام في البنية التحتية وتعزيز الكفاءة المؤسسية والتشريعية، إلى جانب الاستقرار السياسي الذي يُعد شرطًا أساسيًا لنجاح أي إصلاح لوجستي.