شددت بيانات صندوق الأمم المتحدة للسكان الصادرة هذا العام، على ضرورة أخذ ظاهرة “الأمهات المراهقات” بمزيد من الجدية والاهتمام، حيث بينت الأرقام الخاصة بهذه الظاهرة أن العالم طوال السبعين عاما الماضية “ 1950 ـ 2020” لم يحقق تقدم يذكر على صعيد مكافحتها والحد منها، على الرغم مما تنطوي عليه من مخاطر صحية ومجتمعية متنوعة، يدل على ذلك أن عدد الأمهات المراهقات بلغ نحو 10.13 ملايين أم مراهقة في العام 1955، ثم راح يسجل نموا متذبذبا خلال السنوات والعقود التالية، لكنه ابدا لم يسجل تراجعا عن هذا الرقم، حتي انتهي المطاف وقد بلغ عدد الأمهات المراهقات نحو 12.8 مليون أم مراهقة بحلول العام 2020، أنجبن 62.3 مليون طفل خلال السنوات الخمس الأخيرة 2015 ـ 2020، ما يعني أن كل ما شهده العالم من تقدم ووعي وتعليم وتنمية خلال العقود السبع الماضية، لم يستطع تطويقها أو الحد من تصاعدها.
قبل استعراض الأرقام الدالة على هذا الوضع المخيب للآمال، تجدر الإشارة إلي أن الأم المراهقة يقصد بها الأنثى التي انجبت وهي في الشريحة العمرية الواقعة بين 15 و19 سنة، وذلك بحسب تعريف إدارة السكان بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، وهي تختلف عن الأم التي انجبت قبل سن الخامسة عشر، لكونها تندرج في فئة أخرى هي الأمهات الأطفال، وهي شريحة أقل انتشارا بكثير وإن كانت تنطوي على مخاطر وتحديات أشد.
فالأمومة المبكرة على هذا النحو تصنف على أنها وضعية ذات مخاطر بيولوجية، منها تعرض المواليد لانخفاض الوزن، والأنيميا والولادة المبكرة، وتشكل أيضا مخاطر على الصحة الإنجابية والجنسية للفتيات، لأن ولادة المراهقات عادة ما تكون مصحوبة بمضاعفات وسوء تغذية، وترصد بيانات الأمم المتحدة ارتفاع مخاطر وفاة الأمهات تحت عمر 15 عاما مقارنة بمخاطر وفاة الأمهات في العشرين من عمرهن، وبخاصة في الدول النامية ذات الدخل المنخفض، وفى السياق نفسه، عالجت العديد من الدراسات التأثير الاجتماعي، الاقتصادي، الطبي والنفسي للحمل والأبوة عند المراهقين، وتبين من هذه الدراسات أن الأمهات المراهقات أقل ميلاً إلى تحفيز الرضيع من خلال السلوك الحنون، اللمس، الابتسام، والتواصل الشفوي أو اللفظي أو أن يكونوا مقبولين تجاه متطلباتهم، ووجد الباحثون أن النساء مع الولادة في سن المراهقة كن أكثر احتمالا لزيادة الوزن أو السمنة المفرطة، مقارنة بالنساء دون ولادة في سن المراهقة، كما أن أطفال الأمهات المراهقات يعانون من تأخّر في الكلام مقارنة مع أطفال الأمهات اللواتي وصلن إلى أواخر العشرينيات والثلاثينيات ولكنها لا تُعدّ مشاكل عقلية جدية، ووجد أيضا أن الأمهات في سن المراهقة من الفئات الأكثر عرضة لإنجاب طفل مصاب بالتوحد، وفي ضوء ذلك وصفت البيانات الصادرة عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، بمناسبة اليوم العالمي للسكان، مصير ملايين الأمهات المراهقات بأنه مثير للقلق.
وبإجراء مراجعة شاملة للبيانات الواردة عن هذه الظاهرة بقاعدة بيانات إدارة الأمم المتحدة للسكان https://www.un.org/development/desa/pd ، تبين ـ كما يوضح الجدول رقم «1»، أن عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي لم يشهدا قفزات كبيرة في أعداد الأمهات المراهقات، حيث بلغ العدد في بداية الخمسينيات نحو 10.13 مليون أم مراهقة، وبعد خمسة عشر عاما أي في العام 1965 تحرك الرقم قليلا ليبلغ نحو 11.9 مليون أم مراهقة، بزيادة تناهز المليون فتاة.
بحلول السبعينيات بدأت الظاهرة في التضخم بصورة ملحوظة، حيث ارتفع الرقم ليبلغ نحو 13.8 مليون أم مراهقة في عام 1970، أي ارتفع خلال خمس سنوات فقط، بقيمة تعادل ضعفي الارتفاع الذي حدث خلال السنوات الخمس عشرة السابقة.
استقر الأمر قليلا خلال السنوات الخمس الأولي من السبعينيات، ليبلغ الرقم نحو 13.8 مليون أم مراهقة في العام 1975، لكن خلال السنوات الخمس التالية تسارعت وتيرة نمو الظاهرة، ليقفز الرقم بما يتجاوز المليونين، ويجعل الرقم الاجمال يتخطى الـ 15 مليون أم مراهقة في العام 1980، ثم يتسارع نمو الظاهرة لتبلغ أقصي ذروة لها خلال العقود السبع الماضية بحلول العام 1985، حيث سجل ذلك العام وجود 16.3 أم مراهقة حول العالم.
بدءا من العام 1985، اتخذت الظاهرة تراجعا على صعيد الأعداد ولكن بوتيرة بطيئة، فخلال السنوات الخمس التالية انخفضت الاعداد لتبلغ نحو 15.9 مليون أم مراهقة في العام 1990، ثم 15.08 مليون في العام 1995، ثم 14.4 مليون في العام 2005، و12.11 مليون في العام 2015، ثم تتوقف عن التراجع وتعود للارتفاع مرة أخرى خلال السنوات الخمس الماضية لتسجل 12.8 مليون ام مراهقة خلال العام 2020.
بالنظر الي هذه الدورة التاريخية، سنلاحظ أنه التحرك من رقم الـ 10.13 مليون في 1950 الي الذروة في 1985 عند 16.3 مليون استغرق 35 عاما، والانخفاض من الذروة في 1985 الي إلى ادني نقطة قبل معاودة الارتفاع في 2015 استغرق 30 عاما، ما يعطي مؤشرا أوليا على أن الظاهرة ربما تكون مقبلة على دورة جديدة من الصعود إلى ذروة أخرى ربما تبلغها في العام 3035، إذا ما ظلت الظروف الحاضنة للظاهرة والتي سادت خلال العقود السبع الماضية كما هي.
وجغرافيا، تبين من مراجعة بيانات إدارة السكان بالأمم المتحدة أن الظاهرة ليست موزعة على بلدان ومناطق العالم بطريقة متساوية أو حتي متقاربة، وبالنظر للبيانات التي يعرضها الجدول رقم «2»، سنلاحظ أن أكثر من نصف ظاهرة الأمهات المراهقات يتركز في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، اذ يوجد هذه المنطقة وحدها ما يناهز نصف أعداد الأمهات المراهقات حول العالم، حيث يوجد بها 6 ملايين و85 ألف أم مراهقة من أصل 12.8 مليون أم مراهقة حول العالم في العام 2020، وهو رقم يعادل %47.4 من أعداد الأمهات المراهقات حول العالم، كما يمثل في الوقت نفسه ما نسبته 2.31 % من إجمالي الإناث في سن الإنجاب « 15 ـ 49» عاما، بهذه المنطقة.
في المرتبة الثالثة تأتي منطقة وسط وجنوب آسيا، التي يوجد بها نحو مليونين و294 الف أم مراهقة، يمثلن 17.8 من إجمالي الأمهات المراهقات حول العالم، كما يمثلن %0.44 من إجمالي عدد الإناث في سن الإنجاب في وسط وجنوب آسيا.
في المرتبة الثالثة تأتي منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي، والتي يوجد بها نحو مليون و660 ألف أم مراهقة، يشكلن %12.9 من إجمالي عدد الأمهات المراهقات حول العام، كما يشكلن نحو %0.96 من إجمالي عدد الإناث في سن الإنجاب بهذه المنطقة.
تعود اسيا للظهور مرة أخرى في المرتبة الرابعة، حيث يوجد في منطقة شرق وجنوب شرق آسيا نحو مليون و440 الف أم مراهقة، يمثلن %11.2 من إجمالي عدد الأمهات المراهقات حول العالم، وما يعادل %0.25 من إجمالي الإناث في سن الإنجاب بهذه المنطقة.
تتراجع أعداد الأمهات المراهقات بصورة كبيرة في المناطق الثلاث المتبقية من العالم، التي تضم مجتمعة ما يقل قليلا عن %10 من اجمالي عدد الأمهات المراهقات عالميا، فمنطقة شمال افريقيا وغرب آسيا
يوجد بها 864 الف أم مراهقة، يمثلن %6.7 من الإجمالي العالمي، ويشكلن %0.66 من الإناث في سن الانجاب بالمنطقة، وفي منطقة أوروبا وأمريكا الشمالية يتراجع الرقم الي 4
48 الفا و15 ام مراهقة، يمثلن نحو %3.5 من الإجمالي العالمي، ونحو %0.1
8 من عدد الإناث في سن الانجاب بالمنطقة، ثم
منطقة اوقيانوسيا بدون استراليا ونيوزيلندا، وبها نحو 30 الف و28 أم مراهقة يمثلن %0.23 من العدد العالمي، و%0.98 من النساء في سن الإنجاب بالمنطقة، وأخيرا منطقة استراليا ونيوزيلندا وبها 11 الفا و29 أم مراهقة، يمثلن %0.09 من الإجمالي العالمي، ونحو %0.17 من
النساء في سن الإنجاب بالبلدين.
يدل التوزيع الجغرافي للظاهرة على تركز الظاهرة وكثافتها الشديدة في الدول النامية، وخفتها وقلة كثافتها في الدول المتقدمة، وهذا النمط من التوزيع، يقدم دلالة على أن الظاهرة مرتبطة بمستويات التعليم المنخفضة والفقر والأوضاع الاجتماعية ونمط الحياة، والضغط المجتمعي، ففي بعض دول أفريقيا على سبيل المثال، يتم مباركه الحمل المبكر لأنه إثبات على خصوبة المرأة، كما تتحكم أيضًا الحالة الاقتصادية في قرار إنجاب أولاد، ففي المجتمعات حيث يعمل الأطفال منذ سن مبكرة، يعد إنجاب عدد كبير من الأطفال أمرًا ذا جاذبية اقتصادية.