15 مليون حالة عنف منزلي كل ثلاثة شهور إغلاق

محمود سلامة

 

ألقت جائحة كورونا المُستجد بظلالها على معدلات العنف المنزلي التي يتوقع صندوق الأمم المتحدة للسكان زيادتها بإجمالي 31 مليون حالة إذا استمر الإغلاق لمدة ستة أشهر أخرى. ومع كل ثلاثة أشهر إغلاق، من المتوقع حدوث 15 مليون حالة إضافية من العنف القائم على الجنس.

وتعرّضت امرأة من كل ثلاث نساء للعنف بصفة عامة قبل جائحة كوفيد-19، أما العنف المنزلي على وجه الخصوص بَلَغَ عدد ضحاياه من النساء 243 مليون امرأة، هؤلاء النساء مُحاصرات الآن في منازلهن الأمر الذي يُنبئ عن تفاقُم الخطر الذي قد يمسّهن جرّاء مكوثهنّ في المنازل إذعانًا للإغلاق التي تبنّته مُعظم دول العالم كأحد أنواع تدابير الوقاية من انتشار فيروس كورونا المستجد (تقرير “كوفيد-19 وإنهاء العنف ضد النساء والفتيات” الصادر عن الأمم المتحدة).

ومن المُرجح أن تتضخّم تلك الأعداد في ظلّ بقاء كوفيد-19، نتيجة لعدة أسباب من أهمّها زيادة القلق والتوتر الناجم عن فقدان الأمن الوظيفي والاجتماعي والصحي، فعلى سبيل المثال فقد نحو 22 مليون شخص وظائفهم في الولايات المتحدة الأمريكية، فيما ارتفع عدد العاطلين عن العمل في إسبانيا إلى 3.9 مليون شخص. كما إنه من المُتوقع أن يشهَد العالم تقلُصاً في الوظائف لنحو 200 مليون من الموظفين بدوام كامل في الأشهر الثلاثة المُقبلة فقط أي في الربع الثاني من عام 2020. (الإصدار الثالث من مرصد منظمة العمل الدولية بعنوان كوفيد-19 وعالم العمل).

وبالتزامن مع فرض إجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي في العديد من الدول، أفادت الأمم المتحدة أن لبنان وماليزيا – على سبيل المثال – شهدتا مضاعفة عدد المكالمات إلى خطوط المساعدة المخصّصة لمدّ يدّ العون لضحايا العنف في شهر إبريل، مُقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي؛ وفي الصين تضاعفت أعداد الضحايا ثلاث مرات؛ وفي أستراليا شهدت محركات البحث العالمية مثل “جوجل” أكبر قدر من عمليات البحث عن العنف الأسري أو المنزلي مقارنة بالسنوات الخمس الماضية.

ورُغم شُحّ البيانات والأرقام التي ترصُد أعداد ضحايا العنف المنزلي على مستوى العالم خلال فترة الوباء، إلا أن حالات العنف المنزلي ازدادت في فرنسا بنسبة 30% منذ إغلاقها في 17 مارس 2020. وسجلت خطوط المساعدة الهاتفية في قبرص وسنغافورة زيادة في المكالمات بنسبة 30 و33%على التوالي. في الأرجنتين، زادت الدعوات الطارئة لحالات العنف المنزلي بنسبة 25%، في كندا وألمانيا وإسبانيا والمملكة المتحدة ازداد العنف الأسري بنسبة 10% وفي الولايات المتحدة الأمريكية 11% منذ بدء الإغلاق.

وعلى حد قول رئيس منظمة الصحة العالمية، إن المنظمة “منزعجة للغاية” من التقارير حول “العنف المنزلي” في العديد من البلدان الأوروبية، وذلك على خلفية العزل المنزلي بعد تفشي فيروس كورونا المستجد. حيث أبلغت الدول الأوروبية الأعضاء في منظمة الصحة العالمية، عن زيادة بنسبة 60% في مكالمات النساء اللائي تعرضن للعنف من قبل شركائهن، مقارنة بالعام الماضي، مشيرًا إلى أن الدول لديها “التزامات أخلاقية بتوفير خدمات لمعالجة العنف المنزلي”.

غني عن البيان أن مفهوم العنف يرتبط بكثير من المفاهيم الأخرى، مثل الإيذاء والإساءة والإهمال، والسلوك الانحرافي وهو يتمثل في سيطرة بالقوة والتحكم ضدّ أحد الأشخاص بصفة عامة وضدّ المرأة بصفة خاصة، ويتنوع العنف إلى عنف مادي وأخر معنوي، غير أن الفارق بينهما هو أن العنف المادي يتم عن طريق قُوى مادية أو طبيعية، أما العنف المعنوي يكون عن طريق التهديد. كذلك لا يقتصر العنف المنزلي على النساء فقط وإنما قد يتعداه إلى الرجال في بعض الأحيان والأطفال في أحيان أخرى.

لذا أوصي الأمين العام للأمم المتحدة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية النساء من العنف المنزلي باعتبارها من إجراءات الاستجابة الوطنية الخاصة بكوفيد-19، التي يمكن اتخاذها لتحسين الوضع، بما فيها:

  • زيادة الاستثمار في الخدمات الإلكترونية ومنظمات المجتمع المدني.
  • التأكد من استمرار الأنظمة القضائية في مقاضاة المعتدين.
  • إنشاء أنظمة الإنذار طارئة في الصيدليات والمتاجر.
  • إعلان إدراج الملاجئ في فئة مرافق الخدمات أساسية.
  • إيجاد طرق آمنة للنساء لالتماس الدعم، دون تنبيه المعتدين عليهن.
  • تجنب إطلاق سراح السجناء المدانين بالعنف ضد المرأة، بأي شكل من الأشكال.
  • تكثيف حملات التوعية العامة، وخاصة تلك التي تستهدف الرجال والفتيان.

لم تؤثر جائحة كوفيد-19على معدلات العنف المنزلي فحسب، وإنما قد يكون لها أثر بالغ في زيادة معدلات الانتحار، ووفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية فإن كل عام يضع ما يُقارب 800 ألف شخصاً نهاية لحياته، هذا فضلاً عن الكثيرين ممن يحاولون الانتحار. وتمثل كل حالة انتحار مأساة تؤثر على الأسر والمجتمعات والبلدان بأكملها بما تحدثه من آثار طويلة الأمد على من تركوهم وراءهم. ولا ينحسر الانتحار على فئة عمرية محددة، وإنما يحدث في مختلف المراحل العمرية. كما أن الانتحار غير مرتبط بالبلدان المرتفعة الدخل فحسب، بل هو ظاهرة عالمية في جميع أقاليم العالم.

قدّر “مركز الدماغ والنفس” في “جامعة سيدني بأستراليا” احتمال حصول 750 إلى 1500 حالة انتحار إضافية سنوياً في الأعوام الخمسة المقبلة بسبب تأثير الوباء وعواقبه الاقتصادية. ويُشكل ذلك ارتفاعاً بنسبة 25 إلى 50% في حالات الانتحار المُسجلة في أستراليا سنوياً، والتي تصل بشكل وسطي إلى 3000.

وبحسب تقديرات المركز، فإن 30% من حالات الانتحار الإضافية سيقدم عليها شباب خصوصاً ممن سيتأثر بسبب إغلاق المدارس والجامعات ومواقع الالتقاء بالناس، استناداً إلى  البيان المشترك الصادر عن “الجمعية الطبية الأسترالية” وخبراء بالصحة العقلية.

بناء عليه فإن البعد النفسي جزء لا يتجزأ من تداعيات جائحة كوفيد-19 التي تُزيد بشكل مباشر من معدلات العنف المنزلي تارة، ومعدلات الانتحار تارة أخرى، الأمر الذي يوجب ضرورة اتخاذ ما يلزم من تدابير وإجراءات لعل أهمها التوعية والمناصرة للحد من تلك الظواهر الاجتماعية.