تتسابق البنوك العامة والخاصة، لرقمنة خدماتها والتحول التدريجي نحو إنشاء البنوك الرقمية التي بدأت تنتشر في مصر، لاسيما مع الاستعانة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي التي ستحل محل عدد من الخدمات على رأسها خدمة العملاء، والرد الآلي على استفسارات العملاء ومساعدتهم في حل أي مشكلة قد تواجههم.
وكل هذه الجهود تقوم بها البنوك للوقوف في وجه التحديات التي تواجهها من شركات التكنولوجيا المالية، بالإضافة الى شركات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والتي تتنافس معهم على أنظمة المدفوعات الرقمية والمحافظ الإلكترونية والتحويلات المالية، بالإضافة إلى الخدمات غير المصرفية، والتي لازالت لم تتوغل بها بعد، لذلك أطلقت بعض البنوك شركات جديدة لتقديم الخدمات المالية غير المصرفية، بهدف الاستحواذ على نصيب كبير من هذا السوق الواعد، الذي ساهم في ضخ سيولة تقدر بـ 345.3 مليار جنيه خلال النصف الأول من 2023- وتستهدف البنوك التعامل في كل هذه الخدمات المالية لكي تحقق التكامل بين الخدمات المصرفية والخدمات المالية غير المصرفية، وخلق نموذج متكامل يلبي كافة احتياجات العملاء الحاليين والمستقبليين.
بنوك تتوسع في الأنشطة المالية
أطلق «ميد بنك» شركة «ميد تقسيط» للتمويل الاستهلاكي برأسمال 150 مليون جنيه، وكشف البنك المصري الخليجي EG- bank عن سعيه لإطلاق شركات جديدة بقطاعات التمويل غير المصرفي، حيث حصول المصرف على رخصة تأسيس شركة للتمويل الاستهلاكي برأس مال مرخص 270 مليون جنيه.
كما أعلن بنك “أبو ظبي الإسلامي” عن حصوله على موافقة الرقابة المالية لتدشين شركة للتمويل متناهي الصغر. ومن قبلهم توسيع البنك الأهلي في القطاعات المالية من خلال إطلاق أذرع جديدة في التأجير التمويلي، والتخصيم، والتمويل العقاري، والتمويل متناهي الصغر. وكذلك بنك مصر أنشأ شركات متخصصة في التأجير التمويلي والتخصيم، فيما يمتلك بنك القاهرة «كايرو للتأجير التمويلي».
أصول القطاع غير المصرفي
يذكر أن إجمالي أصول القطاع المالي غير المصرفي في مصر، ارتفع إلى 709.3 مليار جنيه في نهاية العام المالي 2019 / 2020، بمعدل نمو بلغ نحو 13.6% مقارنة بالعام المالي السابق، وبما يمثل 10.2% من إجمالي أصول النظام المالي ونحو 12.1% من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي. كما نما القطاع المالي غير المصرفي عالميا بنسبة 8.9%، ليصل إلى 239.3 تريليون دولار عام 2021.
خطة المركزي
يأتي سعى البنوك إلى هذا التوسعات في أنشطة الخدمات المالية، لتنفيذ إستراتيجية البنك المركزي لتحقيق الشمول المالي، الذي تؤكد المؤشرات إحراز تقدم ملحوظ في معدلات الشمول المالي خلال الفترة من 2016- يونيو 2023، حيث حققت معدل نمو بلغ 161%، ليصل إجمالي المواطنين الذين لديهم حسابات في البنوك، أو البريد المصري، أو محافظ الهاتف المحمول، أو البطاقات مسبقة الدفع إلى 44.6 مليون مواطن بما يعادل 67.3% من إجمالي المواطنين (في الفئة العمرية 16 سنة فأكثر) والبالغ عددهم 66.4 مليون مواطن.
نقاط الإتاحة المالية
تشير المؤشرات أيضًا إلى تطور أعداد نقاط الإتاحة المالية والتي تشمل كل من فروع البنوك، والبريد المصري، ومؤسسات التمويل متناهي الصغر، بالإضافة إلى ماكينات الصراف الآلي، ونقاط البيع الإلكترونية، ومقدمي خدمات الدفع لتصل إلى 1519 نقطة لكل 100 ألف مواطن بمعدل نمو 162% خلال الفترة من 2020 إلى يونيو 2023.
34.4 ألف محفظة على الهاتف المحمول
وارتفعت أعداد البطاقات مسبقة الدفع الى 45.681 ألف بطاقة لكل 100 ألف مواطن محققة معدل نمو 38% خلال الفترة من 2020 إلى يونيو 2023، فيما بلغ عدد محافظ الهاتف المحمول 34.4 ألف محفظة لكل 100 ألف مواطن محققة معدل نمو 74% خلال نفس الفترة.
القنوات الإلكترونية
في إطار رؤية مصر 2030 لدعم التحول الرقمي، أصدر البنك المركزي مجموعة من القرارات تتضمن إعفاء العملاء من كافة المصروفات والعمولات الخاصة بخدمات التحويلات البنكية للأفراد التي تتم من خلال القنوات الإلكترونية (الإنترنت والموبيل البنكي) بالجنيه المصري، وكذلك الإعفاء من كافة المصروفات والعمولات الخاصة بخدمات التحويلات لعملاء المنظومة الوطنية للمدفوعات اللحظية.
تحويل مصر لمركز إقليمي للتكنولوجيا المالية
قال حسن عبد الله محافظ البنك المركزي المصري، إن البنك عمل على دعم وتحفيز التكنولوجيا المالية في القطاع المصرفي والمالي، فأطلق إستراتيجية واعدة للتكنولوجيا المالية والابتكار تستهدف تحويل مصر لمركز إقليمي لصناعة التكنولوجيا المالية في إفريقيا والشرق الأوسط.
مخاطرة كبيرة
وأكد طارق حلمي الخبير المصرفي، أن البنوك مهمتها الأساسية تقديم كل أنواع التمويل”منح قروض وقبول ودائع”، إلا أن التمويل متناهي الصغر هو الخدمة الوحيدة التي كانت تقوم بها شركات منفصلة عن البنوك في أمريكا، والبنوك المصرية لم يكن لديها الخبرات في التمويل متناهي الصغر، حيث كان من الصعب على البنوك منح الشركات الصغيرة التي يبلغ حجم مبيعاتها من 50 ألف جنيه إلى 200 ألف جنيه، أي قروض لان ذلك كان يمثل مخاطرة كبيرة للبنوك.
النظرة اختلفت
وأضاف في تصريحات صحفية خاصة لـ بوابة الأهرام أن تلك النظرة اختلفت، ووجه البنك المركزي البنوك نحو تخصيص 25% من محفظتها لتمويل الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر، موضحا أن البنك المركزي لكي يشجع نشاطا معينا يضع شروطا للبنوك لكي تتجه نحو هذا النشاط وتمويله.
وأشار حلمي إلى التحويلات المالية التي تتم عبر المحافظ الإلكترونية لشركات الاتصالات، مؤكدا أن هذه التحويلات تم من خلال البنوك بالإضافة إلى فتح اعتمادات، وقبول ودائع، وهي أنشطة وخدمات تقدمها البنوك، إلا أن هناك أشخاصا تتخوف من التعامل مع البنوك، وتشعر بـ “رهبة” من دخول البنك.
جذب المرأة لمنظومة الشمول المالي
أفاد الخبير المصرفي بأن هناك 65% من الذين يحق لهم التعامل مع البنوك ومؤهلين لذلك، لديهم حسابات بنكية، موضحا أن البنوك تستهدف جذب المرأة لمنظومة الشمول المالي، وخاصة المرأة المعيلة. وقال إن شركات التكنولوجيا المالية تساعد في هذه الأنشطة المالية ومنها شركات التأجير التمويلي، مشيرا إلى أن بنكي مصر والأهلي نافسا في هذا المجال، حيث توسعا خارج أنشطتهما الأساسية، لكي لا يوثر ذلك على ميزانية البنك، في حالة حدث أي مشكلة. وأكد أن هذا قطاع الخدمات المالي قد يستحوذ على نسبة كبيرة من السوق، مؤكدا أن أرباحه مرتفعة جدا ونسبة المخاطرة ضئيلة جدا.
عهد جديد للقطاع المالي غير المصرفي
وأصدر مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية المصرية حزمة قرارات تنفيذية لتفعيل القانون رقم 5 لسنة 2022 بشأن تنظيم وتنمية استخدام التكنولوجيا المالية في الأنشطة المالية غير المصرفية، وهي القرارات 139 و140 و141، والتي من شأنها أن تمهد الطريق أمام بدء عهد جديد للقطاع المالي غير المصرفي باستخدام التكنولوجيا المالية، لتحقيق الشمول المالي.
تسريع وتيرة التحول الرقمي
ويتوقع أن تسهم هذه القرارات مع تفعيلها في تسريع وتيرة عملية التحول الرقمي اللازمة لإتمام المعاملات المالية غير المصرفية بشكل إلكتروني، وهو ما يدعم ويتسق مع رؤية الهيئة لتحقيق الشمول التمويلي والاستثماري والتأميني.
الاقتصاد الرقمي
وقالت الرقابة المالية إن حزمة القرارات الجديدة تدعم رؤية مصر لتحقيق الشمول المالي والتحول نحو الاقتصاد الرقمي بما يمكن فئات المجتمع المختلفة بالاستفادة من الخدمات المالية غير المصرفية، ويرفع من كفاءة الاقتصاد، ويعزز من قدرة النظام المالي على تعبئة المدخرات وإعادة ضخها في شرايين الاقتصاد للكيانات الاقتصادية من خلال حلول تمويلية واستثمارية وسيطة، لتحقيق نمو اقتصادي غني بالوظائف.
يذكر أن “الأنشطة المالية غير المصرفية” هي الأسواق والأدوات المالية غير المصرفية الخاضعة لإشراف ورقابة الهيئة بما فيها أسواق رأس المال، وأنشطة التأمين، والتمويل العقاري والتأجير التمويلي، التخصيم، وتمويل المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر.