تُعد معدلات وفيات الأطفال حديثي الولادة ودون سن الخامسة من المؤشرات الحيوية التي تعكس مستوى الرعاية الصحية والتقدم الاجتماعي والاقتصادي في مختلف المناطق حول العالم. وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية (WHO)، أن وفيات هؤلاء الأطفال بلغ متوسطها 18.5 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية في عام 2022، وهو ما يقدّر بنحو 4.9 مليون طفل، أي بمعدل وفاة طفل واحد كل 6 ثوانٍ. أما بالنسبة لمن تجاوزت أعمارهم الخامسة فقد بلغ عددهم 2.1 مليون طفل وشاب حتى عُمر 24 عاماً. ونتناول في هذا المقال إحصاءات ومعدلات وفيات الأطفال اللذين لم يبلغ عمرهم خمس سنوات على مستوى العالم، والوقوف على أسباب الوفاة في هذا العمر بصفة خاصة.
بلغ متوسط معدّل وفيات الأطفال حديثي الولادة عالمياً نحو 11.8 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية، وتُعرّف منظمة الصحة العالمية (WHO)، الطفل حديث الولادة، أو الوليد، بأنه الطفل الذي يقل عمره عن 28 يومًا. بينما كان متوسط مُعدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة نحو 25.2 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية، في عام 2022. ورغم هذا العدد الكبير من وفيات الأطفال حديثي الولادة ودون سن الخامسة إلا أن عام 2022 شهد انخفاضاً تاريخياً بنسبة 51% مقارنة بعام 2000، ومع ذلك تشير الأرقام أنه لازال هناك عمل كبير يتعيّن على الدول أن تضطلع به لتقليص هذه الوفيات.
تفاوتت أعداد وفيات الأطفال حديثي الولادة ودون سن الخامسة على المستوى القاري، إذ تشير البيانات أن قارة أوروبا هي النموذج المثالي مقارنة بالقارات الأخرى، إذ كانت الأقل على الإطلاق في أعداد وفيات الاطفال حديثي الولادة الذي قدر بـ 2.4 حالة وفاة فقط لكل 1000 ولادة حية، كذلك في أعداد وفيات الأطفال دون سن الخامسة الذي قدر بحو 4.1 حالة وفاة فقط لكل 1000 ولادة حية، وعلى النقيض تماماً استحوذت قارة أفريقيا على نصيب الأكبر لمعدلات وفيات الأطفال لكل 1000 ولادة حية، والتي بلغ عددها 22.7 حالة وفاة بالنسبة لحديثي الولادة، بينما 55.1 حالة وفاة بالنسبة لأطفال أقل من خمس سنوات، لتكون أفريقيا هي النموذج الأسوأ على الإطلاق مقارنة بالقارات الأخرى.
توجد عدة أسباب رئيسية وراء ارتفاع معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة في أفريقيا مقارنة بأوروبا، لعل أهم تلك الأسباب؛ ترهل البنية التحتية الصحية حيث تعاني العديد من الدول الأفريقية من النقص في المستشفيات والعيادات والمعدات الطبية الأساسية، كذلك تضاؤل عدد الأطباء والممرضين والعاملين الصحيين المهرة في أفريقيا، ما يؤثر بدوره على جودة الرعاية الصحية للنساء في أفريقيا أثناء الحمل والولادة، ما يزيد معه مخاطر الولادة المبكرة ومضاعفات الولادة أثناء الحمل والولادة، تجدر الإشارة كذلك إلى أن مرض الملاريا من الأسباب الرئيسية لوفيات الأطفال في أفريقيا، وهي أقل انتشاراً في أوروبا بسبب المناخ المختلف وتوافر التدابير الوقائية والعلاجية الفعالة، كذلك الإسهال والالتهاب الرئوي المنتشران في أفريقيا بسبب نقص المياه النظيفة والصرف الصحي. يعاني العديد من الأطفال كذلك من سوء التغذية بسبب نقص الغذاء الكافي والمتوازن، مما يجعلهم أكثر عرضة للأمراض والوفيات. يؤدي نقص التعليم والمعرفة إلى قلة الوعي بأهمية الرعاية الصحية والتغذية السليمة، مما يزيد من مخاطر الأمراض والوفيات وبخاصة للأطفال حديثي الولادة.
وبالنظر إلى القارات الأربع الأخرى، نجد أن قارة أوقيانوسيا كانت ثاني أسوأ قارة من حيث معدل الفقد في حياة الأطفال بعد أفريقيا، إذ بلغ عدد وفيات الأطفال حديثي الولادة في أوقيانوسيا نحو 10.5 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية، بينما بلغ عددهم ما مقدراه 22 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية. كما هو موضح بالجدول.
توسط الترتيب كلا من آسيا وأمريكا الجنوبية، حيث إن معدل وفيات الأطفال حديثي الولادة في آسيا بلغ 10.3 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية، بينما بلغ عدد وفيات الأطفال دون الخامسة نحو 18.7 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية، وهو أقل من المعدل العالمي بنسبة طفيفة. ما يشير إلى تحسن نسبي في الرعاية الصحية لحديثي الولادة في القارة الآسيوية، على الرغم من التفاوت الكبير بين الدول الآسيوية المختلفة. والمعدلات لم تختلف كثيراً عمّا كانت عليه في قارة أمريكا لجنوبية، التي بلغ فيها عدد وفيات الأطفال حديثي الولادة نحو 9.7 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية، بينما بلغ عدد وفيات الأطفال دون سن الخامسة ما مقداره 16.2 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية.
تجدر الإشارة إلى أن قارة أمريكا الشمالية مصنفة رفقة قارة أوروبا كأفضل قارتين من حيث الحفاظ على حياة الأطفال دون سن الخامسة، حيث سجلت أمريكا الشمالية ثاني أدنى معدل لوفيات الأطفال حديثي الولادة بعدد 3.2 حالة وفاة فقط لكل 1000 ولادة حية، وكذلك ثاني أدنى معدل لوفيات الأطفال دون سن الخامسة بعدد 5.6 حالة وفاة لكل 1000 ولادة حية. وتعكس هذه النِسب التقدم الكبير في نظم الرعاية الصحية في هاتين القارتين، بما توفره هذه المناطق رعاية صحية متقدمة وشاملة للأطفال، مما يساهم في خفض معدلات الوفيات.
تشير إحصاءات وأرقام وفيات الأطفال دون الخامسة عالميا، أن هناك فجوة كبيرة في معدلات الوفيات بين القارات، ما يجعل هناك ضرورة ملحة لتحسين الرعاية الصحية في القارات التي تشهد تضخم في عدد الوفيات لاسيما أفريقيا وأوقيانوسيا. ولا مناص من حتمية التعاون الدولي ليس فقط بين الدول وإنما بين الدول والمنظمات المعنية كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسيف لدعم وتحسين البنية التحتية الصحية وتوفير الموارد اللازمة لتقليل معدلات وفيات الأطفال في هذا العُمر بالتحديد، والدفع نحو زيادة الاستثمارات في القطاع الصحي حفاظاً على حياة وصحة الأجيال القادمة.