يُشير هذا الرقم الي عدد الأُمييّن في مصر – للفئة العمرية 10سنوات فأكثر- وفق ما
صدر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مايو 2018، وهو يبلُغ أكثر من ربع مجموع السّكان بنسبة 25,8٪. لم يتوقّع أكثر المُتشائمين الوصول الى هذا الرقم “الضخم” – من الأميّة الأبجدية – بحلول عام 2019، في الوقت الذي يتطلّع فيه العالم إلى محو الأميّة الرقمية – الأميّة الحضارية – نتيجة للقفزة التي حققها التطور التكنولوجي في شتّى المجالات، كان آخرها ثورة الذكاء الإصطنا
عي التي باتت الشُغل الشاغل للدول الأكثر تحضراً إن جاز التعبير.
ولعلّ ترجمة هذا الرقم يستوجب طرح عدة محاور، أولها؛ موقعنا من الأميّة في العالم العربي. ثانيا؛ موقعنا من الأميّة على مستوى العالم. ثالثا؛ أسباب تفشي ظاهرة الأميّة. رابعاً؛ أثر تلك الظاهرة علي التنمية المُستدامة.
فيما يتعلّق بالمحور الأول؛ يبلُغ عدد الأمييّن قُرابة 65 مليون، من إجمالي 362 مليون نسمة في الوطن العربي، بنسبة 18٪، وقد أشار آخر تقرير لمعهد اليونسكو للإحصاء (UIS)، أن جنوب السودان إحتلت المركز الأول في عدد الأميين بنسبة 70٪، أي أن 30٪ فقط من سُكانها يعرفون القراءة والكتابة، يليها موريتانيا بنسبة 48٪، أي أن تقريباً نصف سُكانها لا يعرفون الحد الأدني للقراءة والكتابة، يليها اليمن بنسبة30٪، ثم المغرب بنسبة28٪، وجائت مصر في المرتبة الخامسة بنسبة 25٪، وانخفضت نسبة الأميّة قليلاً بالنسبة للجزائر والعراق لتصل لنسبة 20٪ من إجمالي سُكانها، بينما إرتفعت نِسَب التعليم في دول الخليج بشكلٍ ملحوظ في الآونة الأخيرة، فالمملكة العربية السعودية حقّقت قفزة كبيرة في مجال محو الأميّة وتعليم الكبار، بعد نجاحها في خفض نِسبة الأميّة إلى أقل من 5,6٪، بعد أن كانت تبلُغ 60٪ قبل نحو 66 عامًا. كذلك سجلّت الكويت نِسبة أميّة وصلت الي 3٪ فقط من إجمالي سُكانها، أمّا الإمارات العربية المتحدة فقد أشار الكتاب الإحصائي السنوي لإمارة أبوظبي لعام 2016 نِسبة الأميّة بين المواطنين والتي بلغت 0,5٪، وهى نِسبة تُشير الي مدى حِرص الدولة والأفراد على الإلتحاق بالعملية التعليمية.
أمّا المحور الثاني؛ وهو موقعنا من الأميّة على مستوى العالم؛ فقد أظهَرَ معهد اليونسكو للإحصاء – الآنف ذكره- أن إجمالي عدد الأميين في العالم بَلَغَ نحو750 مليون – بنسبة 16٪ – وفقاً لآخر تقرير أصدره في مايو2017، وكان للأنثى مثل حظّ الذكرين، حيث بلغت الأميّة في النساء ثلثىّ هذه النسبة. وأشار التقرير أن قارة إفريقيا استحوذت على نصيب الأسد من إجمالي الأميين في العالم بنِسبة 38٪، أمّا علي مستوي الدول؛ فقد سجلّت الهند أعلى عدد من الأميين في العالم، حيث وصل العدد لديها إلى 286 مليون شخص، وعلى النقيض كانت كوريا الشمالية واليابان من الدول ذات النسبة الأقل أميّة على مستوى العالم حيث وصل مُعدل التعليم تقريبا 100٪ بين الرجال والنساء.
ولعلّ أسباب تفشّي ظاهرة الأميّة في مُجتمعنا العربيّ لاسيما في مصر– وفقاً للمحور الثالث – ترجع إلي عِدّة عوامل، من بينها غياب الخطط الزمنية الواضحة للقضاء على ظاهرة الأميّة، فعلى الرغم من إنشاء الهيئة العامة لمحو الأميّة وتعليم الكبار في مصر بالقانون رقم 8 لسنة 1991، إلا أنها لم تُحقق المرجو منها على أرض الواقع، ريثما عدم ملاءمة مناهج محو الأمية وتعليم الكبار للتطورات المُتلاحقة في التعليم من ناحية، وإنفصالها عن خطط التنمية المستقبلية من ناحية أخرى.
كذلك تراجُع الدور التوعوي لوسائل الإعلام عن نشر مضار الجهل، ومُميزات التعليم وفوائده، ولا تخلو وسائل الإعلام المرئية والمسموعة من أهمية في حثّ غير المُتعلمين على الالتحاق بركب التعليم والمعرفة، حيث أننا لا نُبالغ إذا قلنا أنه لا يخلو بيت من تِلفاز على الأقل، يُضاف الي ذلك؛ سطحية المادة الإعلامية المُقدمة للمُشاهد أو المُستمع، الأمر الذي يوجب إعادة النظر في أسلوب تقديها وثُقل محتواها.
بالإضافة الي ضبابية الرؤى حول آلية مكافحة العادات والتقاليد والأعراف الفاسدة التي تحرم الفتيات من التعليم، وقد يكون هناك تخوف كبير بصدد تضاعف أعداد الفتيات الأميّات اللآتي سيُصبحن أمهات في المُستقبل، لأنه سوف ينتج عنهم بالتبعية جيلاً يُكرّس الجهل ولا يعبأ بأهمية التعليم البتّة، الأمر الذي يُعيق حركة الدولة في التقدم والتطور، وذلك على الرغم ممّا أشار له الدستور المصري لعام 2014 – في المادة 11 منه – بتمكين المرأة في كافّة مناحي الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والثقافية الأمر الذي يستلزم وضع تعليم المرأة نُصب أعين الدولة والمجتمع ككل.
كما يُعد من أهم عوامل تضخّم ظاهرة الأميّة “عِمالة الأطفال” فقد تضطّر الأُسر لدفع أبنائهم للعمل في سن مبكرة سعياً لجلب المال، وبخاصة إذا علمنا أن مُعدل الفقر في مصر سجّل أعلي مستوياته علي الإطلاق ليصل إلي 32 ٪ من عدد السكان مع نهاية عام 2018.
ولعلّ انتشار الأمية لا يتوقف عند تلك العوامل بل يدخُل بين طياتها عدم العدالة في توزيع الخدمات العامة على مستوى الجمهورية، فدائما ما نجد أن الخدمات التعليمية مُتاحة لأبناء المدن مُقارنةً باللذين يعيشون في القرى، كذلك الخدمات التعليمية في المدن الساحلية تربو عن نظيرها في مدن الصعيد، وأصرخ مثال على ذلك تبايُن نِسَب محو الأميّة التي رصدها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء المصري لتلك المُدن، حيث كانت أعلى نسبة لأميين في محافظة المنيا بمُعدل 37,2٪، يليها محافظة بني سويف بمُعدل 35,9٪، ثم محافظة أسيوط بمُعدل 34,6٪، ثم تأتي المحافظات الريفية في مرتبة لاحقة، حيث سجّلت محافظة الفيوم 34٪، تلتها محافظة البحيرة 32,9٪، وعلى العكس من ذلك سجّلت المحافظات الرئيسية مُعدلات أميّة تصلُ إلى نِصف ما سجلّته مُدن الصعيد تقريباً ، فعلى سبيل المثال كان نصيب محافظة القاهرة من الأميّة 16,2٪، أما الأسكندرية سجّلت مُعدل أميّة بنسبة 19٪.
يُضاف الي ما سبق؛ ” مشكلة توريث المهن” وهي آفة مجتمعية يجب ترشيدها، حيث تصُب الأُسر جلّ اهتمامها على تعليم الأبناء لحِرف تم وراثتها من الأجداد، وهذا يدفع بالأبناء إلى عدم تعلم القراءة والكتابة، علي الرغم من عدم وجود تعارض بين الأمرين في حقيقة الواقع.
ورُغم ما لمنظمات المجتمع المدني من أهمية في مجالات العمل التنموي، إلا أنه يُلاحظ تراجُع نشاطها بالنسبة لمحو الأميّة، ولعلّ ذلك يرجع لعدّة أسباب من بينها، القصور في تدريب العاملين بالجمعيات الأهلية في مجال العمل التعليمي التطوعي والمُشاركة المجتمعية، وضَعف كفاءتهم، فضلاً عن ضآلة الجهد المبذول من جانب الأجهزة التخطيطية والتنفيذية في مجال الدعوة لمحو الأميّة، يزيد على ذلك أن العديد من مُنظمات المجتمع المدني لا تتمتّع بحسابات مُنتظمة مما يُقلّل من فُرصها في التمويل، الأمر الذي يؤدي الي افتقار الموظفين المتفرغين أو المتطوعين المؤهلين باستمرار، مما يعوق تحقيق أغراضها في محو الأميّة.
لمّا كان تطوير حياة الأفراد وتحسين ظروفهم الصحية وتعزيز علاقاتهم بالعالم المُحيط بهم من الضرورات الحياتية، إلا أن ذلك يصعُب تحقيقه بدون التعليم، فلا يُمكن لمجتمعٍ ما أن يعلو شأنه ويزدهر، ويزداد إستقراراً ورخاء دون أن يتخذ من التعليم وسيلة لذلك، بناء عليه لا مناص أن تؤثر تلك المُعوقات – التي سبق عرضها في المحور الثالث – على التنمية المستدامة – وهو المحور الرابع – وقد أطلقت الحكومة المصرية استراتيجيتها للتنمية المستدامة “رؤية مصر 2030” بمساعدة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الدول العربية، في عام 2016، والتي ترسم إجراءات الحكومة على مدى السنوات المُقبلة، في تعزيز وإنماء المجالات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ولا شك أن هذا الإنماء لا يكتمل من دون وضع إستراتيجية مُتكاملة للحد من ظاهرة الأميّة، إذ أنها العائق الأكبر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.