دخلت البشرية العقد الثاني من الألفية الجديدة، وما يزيد يناهز ثلث سكان الأرض، أو 2.3 مليار إنسان لم يتمكنوا بعد من الوصول إلي مياه الشرب النقية المدارة بأمان، وعلي مستوى الدول هناك 36 دولة 25% من سكانها أو أقل، لم يحصلوا بعد على المياه النقية المدارة بأمان، فيما هناك 28 دولة، نصف سكانها أو أقل لم تصل إليهم خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان، وهو ما يعني أن ما يناهز المليار شخص حول العالم أو أقل، يعانون درجة ما من العطش والاحتياج للمياه النقية، وما يربو على الثلاثة مليارات شخص، أو أقل يعانون من مخاطر مياه الصرف الصحي الملوثة، ولم تصل إليهم بعد خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان.
هذه الأرقام مستخلصة من آخر تحديث، أجرته بوابة بيانات الأمم المتحدة، في نوفمبر 2020، على البيانات الخاصة بالوصول الي المياه النقية الصالحة للشرب، والمدارة بأمان، وخدمات الصرف الصحي المدارة بأمان، بدول العالم ومناطقه المختلفة، وهي بيانات يتم تكوينها وتحديثها كل 5 إلي سبع سنوات، حيث تتضمن البيانات، إحصاءات جرى تحديثها عام 2005، وإحصاءات جرى تحديثها عام 2010، ثم أخر تحديث على إحصاءات عام 2017.
بيانات مياه الشرب النقية
بمراجعة بيانات مياه الشرب النقية، تبين أن الأمم المتحدة تقسم العالم إلي 16 منطقة جغرافية، فضلا عن الأرقام الإجمالية للمناطق ككل، ويوضح الجدول رقم “1” أن يلاحظ أن المتوسط العام لعدد سكان الأرض الذين يمكنهم الوصول لمصادر مياه الشرب النقية المدارة بأمان بلغ 64.2% في عام 2005، وارتفعت النسبة بشكل طفيف بعد خمس سنوات، أي في العام 20210 لتصبح 66.3%، بمعدل نمو قدره 2% تقريبا، وبعد سبع سنوات تالية، أي في العام 2017، تحركت النسبة قليلا لتصبح 70.6%، بمعدل نمو قدره 4%، ويعني ذلك أن المتوسط العام لمن لا يصلون إلي مصادر مياه الشرب النقية المدارة بأمان، يقدرون بنحو ثلث البشر، وإذا ما علمنا أن عدد سكان العالم حاليا يقدر بنحو 7.8 مليار نسمة، فمعني ذلك أن هناك 2 مليار و340 مليون شخص على الأقل، لا يصلون إلي مصادر مياه الشرب النقية المدارة بأمان، وهو ما يعد أحد الملامح القاسية لأزمة المياه على الأرض.
تتفاوت ظاهرة عدم الوصول لمياه الشرب النقية المدارة بأمان، ففي بعض المناطق تكاد تختفي، وتكون مياه الشرب النقية في متناول الكافة، وفي بعض المناطق تظهر وتتوحش، لتصبح الغالبية من السكان غير قادرة على الوصول إلى مصادر المياه النقية، وبحسب الجدول رقم “1” فإن في العالم 16 منطقة جغرافية، تتفاوت فيها حدة الوضع، فمثلا في شرق أفريقيا تتدني نسبة السكان القادرة على الوصول إلي مياه الشرب النقية المدارة بأمان إلي 21%، فيما تصل نسبة الحرمان إلي 79% من السكان، وفي غرب إفريقيا النسبة متقاربة، وتصل الي 23.7% وصول، و 66.3% حرمان، أما المناطق التي تبدو فيها الازمة متوسطة الحدة، فهي في منطقي أمريكا الوسطي، بنسبة 46.8 % حرمان، و53.2% وصول، وآسيا الجنوبية 59.3% وصول، و40.7% حرمان.
أما المناطق التي تختفي فيها تقريبا هذه الأزمة، فتأتى على رأسها منطقة شمال أوروبا، بنسبة 99.3% وصول و0.7% حرمان، وأمريكا الشمالية بسنبة 99.3% الي 0.7%، وغرب أوروبا 99% وصول و1% حرمان.
الوصول لمياه الشرب على مستوي الدول
بمراجعة أوضاع مياه الشرب النقية المدارة بأمان على مستوي كل دولة على حدة، تبين أن هناك 12 دولة فقط على مستوى العالم، يصل 100% من سكانها الي مياه الشرب النقية المدارة بأمان، وهي منطقة مكاو الإدارية الخاصة بالصين، وهونج كونج، والكويت واليونان وايسلندا وجبل طارق وسان مارينو وسنغافورة، وليختنشتاين، ومالكا وموناكو ونيوزيلاندا.
وهناك 39 دولة تتراوح فيها نسبة الوصول بين 95% و99.9%، ومن بينها بريطانيا وهولندا وامريكا والسويد وألمانيا وفنلندا وقبرص وإسرائيل والبحرين والنمسا وكندا واليابان وتشيلي.
وهناك 32 دولة تتراوح فيها نسبة الوصول بين 75% و95%، ومن بينها تركمانستان وبورتوريكو والادن والجبل الأسود وتونس واستونيا وماليزيا وأوكرانيا وايران وعمان وكرواتا وهنغاريا والبوسنة والهرسك، وجورجيا وروسيا رومانيا وارمينا.
وهناك 16 دولة تتراوح فيها النسبة بين 50% و75%، ومنها صربيا وأذربيجان وكولومبيا والمغرب والبانيا وباراجواي واوزبكستان والعراق وجواتيمالا وبنجلاديش ونيكاراجوا وبيرو.
وهناك13 دولة تتراوح فيها نسبة الوصول بين 25% و50%، أي يعاني نصف سكانها أو أقل، من مشكلة عدم الوصول للمياه النقية، ومنها طاجيكستان ولبنان والكونغو والمكسيك وكوت ديفوار وغانا وبوتان وباكستان ونيبال.
وهناك سبع دول تقل نسبة من يصلون للمياه النقية المدارة بأمان من سكانها عن 25%، وهي منغوليا التي تصل فيها نسبة الوصول الي 23.7% ، ونيجيريا 20.13%، وجمهورية لاو الديمقراطية 16%، وساموا الامريكية 12.5%، وأثيوبيا 11.4%، وسيراليون 9.9% وأوغندا 7%، التي تعد من أفقر دول العالم وصولا إلي مصادر مياه الشرب النقية المدارة بأمان.
خدمات الصرف الصحي
عند تناول مشكلة المياه، ينصرف الانتباه عادة إلي مسألة توفر المياه الصالحة للشرب والزراعة، من دون الانتباه إلي وجه آخر للمشكلة، له أهميته وخطورته، وهو كيفية التعامل مع مشكلة مياه الصرف الصحي والزراعي، ذات التأثير السلبي الحاد صحيا وبيئيا، وتتعامل الأمم المتحدة في مشكلة المياه، عبر الوجهين معا، جنبا إلى جنب.
وفي هذا السياق، يوضح الجدول رقم “2” إلي أنه وفقا لآخر تحديث لبيانات الأمم المتحدة في نوفمبر 2020، فإن 44.9% فقط من سكان العالم يمكنهم الوصول الي مرافق الصرف الصحي المدارة بأمان، 50.1% محرومون من هذه المرافق، أي يتعرضون بصورة أو بأخرى لمخاطر وتداعيات مياه الصرف الصحي الملوثة، سواء كانت تداعيات صحية مباشرة، أو بيئية غير مباشرة، ومعني ذلك أن حوالي 3.9 مليار إنسان، يعانون درجة من درجات الحرمان من الوصول الي مرافق الصرف الصحي المدارة بأمان، وهو ما يضع بين أيدينا وجها آخر لأزمة المياه، يعكس حالة لا يستهان بها من الخطورة والبؤس على كوكب الأرض.
وعلي غرار الحرمان من الوصول الي مياه الشرب النقية المدارة بأمان، تتفاوت أيضا مستويات الحرمان من الوصول الي مرافق الصرف الصحي المدارة بأمان، من منطقة لأخرى حول العالم، ولو راجعنا بيانات الجدول رقم “2” سنجد أن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء تصل فيها نسبة الوصول لمرافق الصرف الصحي الآمنة إلي 18.4%، مقابل 81.6% حرمان، وفي غرب إفريقيا النسبة 19.2% وصول الي 80.8% حرمان، وفي شمال افريقيا النسبة 28.8% وصول مقابل 71.2% حرمان.
تتصاعد نسبة الوصول وتقل نسبة الحرمان تدريجيا، مرورا بمناطق أمريكا اللاتينية والكاريبي، وجنوب أمريكا وامريكا الوسطي وآسيا الغربية وأوقيانوسيا وأوروبا الشرقة وشرق آسيا وجنوب أوروبا وامريكا الشمالية، حتي نصل الي أعلي نسبة وصول وأقل نسبة حرمان في أوروبا الغربية، حيث تصل نسبة الوصول الي 96.9%، ونسبة الحرمان إلي 3.1%.
وعلي مستوي الدول، تشير بيانات الأمم المتحدة إلي أن هناك أربع دول فقط يصل كامل سكانها إلي خدمات الصرف الصحي المدارة بأمان، وهي الكويت واندورا وسنغافورة وموناكو، و18 دولة تتراوح فيها نسبة الوصول بين 95% و99.9% من بينها المانيا وبلجيكا والنمسا وقطر والبحرين، و30 دولة تتراوح فيها النسبة بين 75% و95%، من بينها الولايات المتحدة ونيوزيلاندا وماليزيا وفرنسا والبرتغال وكندا، و16 دولة النسبة فيها تتراوح بين 50% و75%، ومن بينها مصر وفلسطين وكرواتيا وقبرص والصين وأستراليا، و15 دولة تتراوح فيها النسبة بين 25% و50%، من بينها البرازيل وكوبا وبيرو والاكوادور، و13 دولة تقل فيها نسبة الوصول عن 25% ومنها صربيا ولبنان والسنغال ومالي والجزائر وسيراليون والنيجر وتوفالو، والأخيرة تمثل أفقر دولة عالميا، من حيث الوصول لمرافق الصرف الصحي المدارة بأمان.
نخلص من البيانات السابقة جميعا، إلي أن أزمة المياه على الأرض، أعمق وأكثر شمولا مما يعتقد، فهي ليست أزمة العطش فقط، بل الوصول الآمن لنوعية المياه الجيدة النقية من جهة، والوصول الآمن لمرافق التعامل مع المياه الملوثة الخطرة، وعلي الجانبين، يعد اكثر من ثلث سكان العالم في أزمة خطرة.