2.7 مليار عاملا يتأثرون بالأزمة

محمود سلامة

بحسب الإصدار الثالث من مرصد منظمة العمل الدولية (كوفيد-19 وعالم العمل – ILO Monitor, COVID-19 and the world of work, third edition)، فإنه من المُتوقع أن يشهَد العالم تقلصاً في الوظائف لنحو 200 مليون من الموظفين بدوام كامل في الأشهر الثلاثة المُقبلة فقط أي في الربع الثاني من عام 2020. هذا التحذير يأتي بعد حوالي ثلاثة أسابيع من توقع المنظمة تعرّض 25 مليون وظيفة للتهديد بسبب كـوفيد-19، خاصّة بعد فرض إجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي في العديد من الدول، وما حَمِلهُ ذلك من تأثير على نحو 2.7 مليار عامل، أي 4 من بين كل 5 من القوى العاملة في العالم.

أوضحت المنظمة ذاتها أنه من المتوقع أن تؤدي أزمة وباء فيروس كورونا المستجد إلى إلغاء 6.7% من إجمالي ساعات العمل في العالم في النصف الثاني من عام 2020، أي ما يُعادل 195 مليون وظيفة بدوام كامل، من بينها 5 ملايين في الدول العربية بنسبة 8.1%، بينما تحقق أوروبا مُعدل فقد لوظائف 12 مليون عاملاً بدوام كامل بنسبة تصل إلى 7.8%. أمّا في آسيا والمحيط الهادئ تحقق نسبة فقد الوظائف 7.2%، أي 125 مليون عاملاً بدوام كامل.
هذا التأثر الكبير الذي لحق القوى العاملة على مستوى العالم لم يَمِس من قريب أو من بعيد العاملين في القطاع الصحي الذي تبدّت حاجة الدول إلى زيادة كثافتهم، فلم تصل نسبة الإشغال للطواقم الطبية والممرضين إلى 100% فحسب، بل سجّلت مُعدل تراجع ليس بالقليل بالتزامن مع انتشار فيروس كورونا المستجد.
وقد تباينت كثافة القوى العاملة الصحية بحسب المنطقة الجغرافية على مستوى العالم، حيث اعتلت المنطقة الأوروبية المرتبة الأولي بين المناطق الجغرافية الخمسة الأخرى، ليكون نصيب كل عشرة آلاف نسمة من سكانها، 34 طبيباً، بينما حلّت منطقة الأميريكتين الوصافة بمجموع 23 طبيباً لكل عشرة آلاف نسمة من سكانها، أمّا منطقة غرب المحيط الهادئ كان عدد الأطباء فيها 18 طبيباً لكل عشرة آلاف نسمة من سكانها.
وبينما إزداد عدد الأطباء عن 10 لكل عشرة آلاف نسمة بالنسبة للمناطق الجغرافية الثلاثة السابقة، كان الوضع بخلاف ذلك في الثلاث مناطق الجغرافية الأخرى، التي قلّت مجموع أطبائها عن عشرة أطباء لذات العدد من السكان في كل منطقة على حدة، حيث بلغ نصيب كل عشرة آلاف نسمة من منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط معدل 9.9 طبيباً، وينخفض عدد الأطباء ليبلغ 7.4 طبيباً في منطقة جنوب شرق آسيا لذات العدد من السكان، وأخيراً المنطقة الأفريقية التي جاءت أسفل ترتيب المناطق الجغرافية الستة حيث تستحوذ على 2.8 طبيباً لكل عشرة آلاف نسمة من سكانها.
وتُشير إحصائيات منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 40٪ من الدول الأعضاء فيها لديها أقل من 10 أطباء لكل عشرة آلاف نسمة. وتستحوذ أفريقيا منفردة على 22٪ من العبء العالمي للمرض إلا أن نصيب القارة السمراء أقل من 3٪ فقط من العاملين في المجال الطبي على مستوى العالم وفقا لتقرير التغطية الصحية الشاملة 2019.
وقد سجّلت كثافة العاملين في مجال الصحة في دول منظمة التعاون الإسلامي 26 عاملاً لكل عشرة الآف نسمة، وهو مُعدل أقل بكثير من عتبة 34.5 عاملاً والتي تُعتبر ضرورية لتقديم الخدمات الصحية الأساسية في بلد أو منطقة معينة. (تقرير منظمة التعاون الإسلامي حول الصحة 2019).
وفي سبيل سدّ عجز القوى العاملة الصحية على مستوى العالم لجأت الدول إلى سُبل عدّة من بينها، إعادة الأطباء المتقاعدون للعمل، فعلى سبيل المثال سَمِح المجلس الطبي العام «GMC» في المملكة المتحدة البريطانية عودة الأطباء للعمل مرة أخرى، الذي بلغ إجمالي عددهم 34ألفاً و300 طبيباً، مُقابل ذلك يتمتّع هؤلاء الأطباء العائدون بمزيات مُختلفة من بينها إستمرار القيد في السجل الطبّي مع منحهم ترخيص ممارسة المهنة طوال فترة الوباء، كذلك خصم رسوم إعادة القيد في السجل الطبّي كاملة، فضلاً عن العائدات المالية المرتبطة بمعدل العمل بالنسبة لهم. كما منحت نقابة الأطباء البريطانية «BMA» اشتراك مجاني لعضوية أيّ من الأطباء العائدين للنقابة بعد التقاعد بغرضِ المساهمة في مكافحة فيروس كورونا، حتى الأول من أكتوبر 2020.


انتهجت دول أخرى مسار التوسع في الإعتراف بالشهادات الطبيّة للأجانب، فقد واجه النظام الصحي في ألمانيا ارتفاعاً حاداً في عدد المصابين بالفيروس التاجي الجديد، أدّى إلى إرباك تلك المنظومة، مما دعا الحكومة الفيدرالية الألمانية في نهاية مارس 2020، إلى إعلان ضرورة اللجوء الأجانب في مكافحة هذا الفيروس حتى بدون الحصول على ترخيص مزاولتهم مهنة الطب.
وفي منتصف مارس 2020 أعلنت العديد من كليات الطب في بعض الولايات الأمريكية أنها تعتزم التخرّج المُبكر لطلاب السنة الرابعة، وتُعقبهُم بسرعة في رعاية المستشفيات في الخط الأمامي مع زيادة الحاجة إلى العاملين في المجال الطبي لاسيما كلية «غروسمان-Grossman « للطبّ في جامعة نيويورك هي الأولى في الولايات المتحدة التي أعلنت عن عرض للتخرج المبكر، كذلك كلية «فاجيلوس-Vagelos» للأطباء والجراحين في كولومبيا، وقد وفرت ولاية ماساتشوستس «Massachusetts» تراخيص مؤقتة لمدة 90 يومًا للخريجين الأوائل، مما يُسمح لهم بدخول تلقائي إلى العمل السريري البسيط. وتجعل هذه الخطوة حوالي 700 طالب طبّ في ماساتشوستس مؤهلين لتقديم رعاية المرضى قبل ثمانية أسابيع على الأقل ممّا كان متوقعًا.
وبينما لم ترصُد أيّ جهة على مستوى العالم عدد المتطوعين للخدمة الطبية، إلا أن التطوع قد يكون من قِبَل الأطباء من خلال القيام بعمل إضافي، وقد يكون بالانضمام ممّن ليسوا في الخدمة لفريق الرعاية الصحية، وأُجيز في بريطانيا كلا النوعين من التطوع.
ورُبما لم يشهد العالم مثل هذا التناقض الحادّ بين زيادة مُعدلات البطالة في قطاعات مُعينة، وانعدامها في قطاعات أخرى كالصحة، الذي لم يكتفِ بوصول مُعدل البطالة فيها إلى صفر، بل ليُحقق مُعدل عجز في كثافة القوى العاملة الصحية ليس بالقليل، كشف عنه فيروس كورونا المُستجدّ بعدما طفا على سطح الأمراض المُعدية الأخرى.