من بين عشرات التقنيات البازغة والواسعة الانتشار والتأثير، ينفرد الجيل الخامس من شبكات الاتصالات المحمولة بكونه التقنية الأكثر قدرة علي التأثير في الاقتصاد وآلياته وقواعده ومخرجاته، بل ويذهب البعض إلي أن الجيل الخامس للمحمول هو العاصفة التقنية التي بإمكانها إعادة صياغة وجه الاقتصاد، وتقديمه في صورة جديدة، فهو سيربط بين أكثر من 20 مليار جهاز وأداة حول العالم بدءا من العام 2020، ويجعلها تتحدث وتتفاعل معا، لتولد عائدات قدرها 12.5 تريليون دولار، وتضيف 22 مليون وظيفة جديدة، وتغير من طبيعة وأداء 20 قطاع اقتصادي وصناعي علي الأقل، وهذا كله بحلول عام 2035.
هذه التقديرات لا تزال أولية، والكثيرون يؤكدون أنها قابلة للزيادة والتضاعف، حال وصول الجيل الخامس للمحمول إلي مرحلة البيئة الكاملة للاتصالات المحمولة حول العالم، الأمر الذي جعل الاهتمام بهذا الجيل من شبكات المحمول، يتجاوز كثيرا جوانبه التقنية، ويتمحور حول تأثيراته الاقتصادية، وما يستتبعها من تداعيات استراتيجية وسياسية وأمنية، وفي هذا السياق جاء الخلاف الأمريكي الصيني حول شركة هواوي ـ اكثر الشركات العالمية تقدما في مجال الجيل الخامس ـ ليجسد الطبيعة المختلفة للجيل الخامس للمحمول، التي تتجاوز ما هو تقني إلي ما هو اقتصادي وسياسي واستراتيجي.
سر الاختلاف
لعل التساؤل الذي يطرأ علي الذهن: ما هو سر الاختلاف بين الجيل الخامس للمحمول والأجيال الاربعة التي سبقته في عالم شبكات الاتصالات المحمولة، الذي يجعل التعامل معه يتخذ هذا المنحى غير المعهود؟
حينما ظهر الجيل الأول من شبكات الاتصالات المحمولة، تمكن حفنة من المستخدمين من الحصول علي مكالمات صوتية متنقلة باهظة الثمن، وغير موثوق بها في كثير من الأحيان، وبعدها قدم الجيل الثاني الصوت الرقمي المنقول عبر شبكات المعلومات والبيانات، والتي باتت اكثر اتاحة واقل تكلفة، ثم ظهر الجيل الثالث مبشرا بتوصيل الانترنت للهواتف المحمولة، مع بعض التطبيقات الأولية، التي ظهرت معها “الحوسبة المحمولة”، ثم جاء الجيل الرابع ليوفر الاتصالات المحمولة العالية السرعة عريضة النطاق، التي ينساب خلالها الصوت والفيديو والبيانات معا بغزارة وكثافة عالية، وفرت انفجارا واسع النطاق لشبكات التواصل الاجتماعي، أما الجيل الخامس للمحمول فيعد بشيء مختلف كلية، فهو يوفر الفرصة لربط أي أشي بأي شيء، ليتواصل الجميع بصورة لحظية، عبر سرعات خارقة، تعادل مئات أضعاف السرعات الحالية، مما يتيح بيئة تفاعل فائقة السرعة، يتحقق فيها التواصل اللحظي، بين الانظمة وبعضها البعض، والآلات والاجهزة وبعضها البعض، فيما يعرف بمجتمع “الأشياء”، فمثلا يتم توصيل السيارات بالطرق ، والمرضى بالأجهزة الخاصة بهم لأطبائهم، والمدن الذكية بجميع الخدمات المتصلة للمقيمين والعمال. لينشأ مجتمع الاشياء الذي يتحول فيه البشر إلي أقلية ضئيلة، يكاد تأثيرها يتوارى خجلا أمام ما يحققه وينجزه مجتمع الأشياء، المدعوم بحزمة من التقنيات فائقة التقدم، من بينها الذكاء الاصطناعي، وتعلم الآلة، والبيانات الضخمة، والتعلم العميق، والتحليلات الضخمة، وسلاسل الكتل، والمعرفة الإدراكية، وغيرها من التقنيات التي تتلاحم فيها قدرات البرمجيات والاتصالات والالكترونيات والنظم في مزيج واحد، يفرز منظومة معرفة متجددة لحظيا، قوامها البحث والتطوير والتعليم والتعلم والإبداع والابتكار، والتحسين أثناء التشغيل، ومثل هذه البيئة الجديدة للعمل التي يقف الجيل الخامس في محورها، تقدم وقودا مدهشا غير مسبوق، لخطوط الانتاج وسلاسل التوريد والتوزيع، والبيع والترويج، داخل المؤسسات والشركات والمنظمات الاقتصادية المختلفة، مما يؤدي بدوره لسلسلة من التغييرات عميقة الأثر واسعة النطاق علي الاقتصادات الوطنية والإقليمية، والاقتصاد العالمي ككل.
من هنا … فإن الجيل الخامس ـ علي عكس الاجيال السابقة عليه ـ يعد تحولا يشبه التحول من الآلة الكاتبة إلى الحاسبات الآلية،. فهو ليس مجرد شبكة. بل بيئة خصبة لنشأة ونمو وانتشار النسيج الأساسي لنظام إيكولوجي كامل، قادر على “تثوير” الهياكل والسياسات الاقتصادية والتجارية القائمة، وتوفير اتصال سلس مستمر لتطبيقات الاعمال المبدعة والجديدة.
تأثيرات متوقعة خلال 15 عاما
في دراسة موسعة بعنوان ” كيف ستشارك تقنية الجيل الخامس للمحمول في الاقتصاد العالمي” أعدتها شركة كوالكوم المتخصصة في تصنيع معالجات الهواتف المحمولة ومعدات شبكات الاتصالات المحمولة، بالتعاون مع عدة جهات بحثية واكاديمية عالمية، وضع الخبراء سيناريو حول التأثير المتوقع أن يحدثه الجيل الخامس للمحمول في الاقتصاد العالمي حتي عام 2035، ويتكون هذا السيناريو من ثلاثة أقسام الأول يتناول مستوى المساهمة السنوية الصافية للجيل الخامس للمحمول في النمو السنوي للاقتصاد العالمي من منظور التطور التاريخي المتوقع خلال السنوت الخمس عشرة المقبلة ” 2020 ـ 2035″، وتوقع هذا السيناريو أن تبدأ المساهمة من نقطة أساس تبلغ 163 مليار دولار في عام 2020، ثم تشهد بعد ذلك سلسلة من موجات الارتفاع والانخفاض، حيث ستحقق ثلاثة ارتفاعات كبري، الأولي في عام 2022 بمساهمة تبلغ 185 مليار دولار، تعقبها موجة تراجع تصل لأدني مستوياتها في عام 2025 بمساهمة تبلغ 168 مليار دولار، ثم تعقبها موجة التصاعد الثانية التي تصل لذروتها في عام 2029 بمساهمة تبلغ 202 مليار دولار، تعقبها موجة انخفاض تصل لأدني مستوي لها في عام 2031، بمساهمة تبلغ 194 مليار دولار، ثم تعقبها موجة التصاعد الثالثة التي تصل الي ذروتها في عام 2035 بحصة قدرها 223 مليار دولار.
التوزيع القطاعي
يتناول الجزء الثالث من سيناريو دراسة “كوالكوم” طبيعة التأثير الاقتصادي للجيل الخامس للمحمول علي القطاعات المختلفة، حيث يتوقع ان يكون الجيل الخامس مسئولا عن توليد وتمكين نسبة من الانشطة الجديدة داخل كل قطاع من القطاعات الاقتصادية المختلفة، وذلك علي النحو التالي:
ـ في قطاع الزراعة والغابات وصيد الأسماك، سيكون الجيل الخامس مسئولا عن أنشطة جديدة قيمتها 510 مليار دولار، تمثل 6.4% من أجمالي الاعمال الجارية في هذا القطاع.
ـ في قطاع الفنون والترفيه سيكون مسئولا عن أنشطة قيمتها 65 مليار دولار، تعادل 3.5 % من اجمالي الانشطة بالقطاع.
ـ في قطاع أعمال البناء والتشييد سيكون مسئولا عن أنشطة قيمتها 724 مليار دولار تمثل 4.7% من اجمالي الانشطة بالقطاع.
ـ في قطاع التعليم سيكون مسئولا عن انشطة قيمتها 227 مليار دولار تمثل 4.7% من اجمالي الانشطة في القطاع.
ـ في قطاع التأمين المالي سيكون مسئولا عن انشطة قيمتها 676 مليار دولار تمثل 4.6% من اجمال الاعمال بالقطاع.
ـ في قطاع الصحة والعمل الاجتماعي سيكون مسئولا عن 119 مليار دولار تمثل 2.3% من اجمالي الانشطة بالقطاع.
ـ في السياحة والسفر والفندقة والضيافة سيكون مسئولا عن انشطة قيمتها 562 مليار دولار، تمثل 4.8% من أعمال القطاع.
ـ في قطاع تقنية المعلومات والاتصالات سيكون مسئولا عن انشطة قيمتها تريليون و421 مليار دولار تمثل 11.5% من الانشطة القائمة بالقطاع.
ـ في قطاع التعدين واستغلال المحاجر سيكون مسئولا عن اعمال قيمتها 249 مليار دولار تمثل 4.1% من أعمال القطاع.
ـ في قطاع الخدمات الاحترافية سيكون مسئولا عن انشطة قيمتها 623 مليار دولار، تمثل 3.7% من أعمال القطاع.
ـ في قطاع الخدمة العامة سيكون مسئولا عن انشطة قيمتها 1 تريليون و66 مليار دولار تمثل 6.5% من اجمالي انشطة القطاع.
ـ في قطاع السوق العقارية سيكون مسئولا عن انشطة قيمتها 400 مليار دولار تمثل 2.4% من اجمالي اعمال القطاع.
ـ في قطاع المواصلات واللوجستيات سيكون مسئولا عن انشطة قيمتها 659 مليار دولار، تمثل 5.6% من اجمالي اعمال القطاع.
ـ في قطاع المرافق سيكون مسئولا عن انشطة قيمتها 273 مليار دولار تعادل 4.5% من اجمالي انشطة القطاع.
ـ في قطاع تجارة الجملة والتجزئة سيكون مسئولا عن انشطة قيمتها 1 تريليون و295 مليار دولار، تعادل 3.4% من اجمالي انشطة القطاع.
التوزيع الجغرافي للعائد الاقتصادي
أما الجزء الثاني فيتناول التوزيع الجغرافي للعائدات الاقتصادية وسلسلة القيمة المتوقعة من وراء الجيل الخامس للمحمول عالميا، وفي هذا السياق، ستتوزع سلسلة القيمة والوظائف المتوقع أن يولدها الجيل الخامس للمحمول جغرافيا علي النحو التالي:
ـ الصين: سلسلة القيمة 984 مليار دولار، وفرص العمل 9.5 مليون فرصة.
ـ الولايات المتحدة: سلسلة القيمة 719 مليار دولار و وفرص العمل 3.4 مليون فرصة.
ـ اليابان: سلسلة القيمة 492 مليار دولار وفرص العمل 2.1 مليون فرصة.
ـ ألمانيا: سلسة القيمة 202 مليار دولار وفرص العمل 1.2 مليون فرصة.
ـ كوريا الجنوبية : سلسلة القيمة 120 مليار دولار وفرص العمل 963 الف فرصة.
ـ فرنسا: سلسلة القيمة 85 مليار دولار وفرص العمل 396 الف فرصة.
ـ المملكة المتحدة: سلسلة القيمة 76 مليار دولار وفرص العمل 605 الف فرصة.
ـ بقية العالم: سلسلة القيمة 900 مليار دولار وفرص العمل 3.5 مليون فرصة.
في سياق متصل قالت تقديرات أعلنها التحالف العالمي للاتصالات المحمولة خلال المؤتمر العالمي للاتصالات المتنقلة بشنغهاي في الفترة من 26 إلى 28 يونيو أن الجيل الخامس للمحمول سيساهم بمبلغ 900 مليار دولار في الاقتصاد الآسيوي خلال الخمسة عشر عامًا المقبلة، سيكون من بينها 184 مليار دولار في الصين وحدها خلال الفترة من 2020 الي 2025، وفي بريطانيا ستحدث زيادة في ايرادات الاعمال السنوية للجيل الخامس لتصل الي 15.7 مليار جنية استرليني في عام 2025،