انقطع الانترنت عن %20 من أوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي بسبب استهداف البنى التحتية لشركات الاتصالات بحسب شركةNetblocks البريطانية التي تتعقب انقطاع الإنترنت في جميع أنحاء العالم، في المقابل بعثت شركة “ستارلينك” المملوكة لأيلون ماسك بـ 25ألفاً من محطات الإنترنت الفضائي لأوكرانيا، وتوجيه جزء من أقمارها الصناعية لتغطي بإشاراتها الأراضي الأوكرانية، لتعويض هذا الانقطاع مما سمح للقوات الأوكرانية باستمرارية التواصل العسكري والحكومي ومواصلة تقديم التقارير، وتيسير تدفق المعلومات والبيانات، وتشغيل الطائرات بدون طيار، وتلقي التحديثات الاستخباراتية الحيوية والتواصل مع بعضها البعض.
لا مناص من الأعتراف باستفادة أوكرانيا من «ستارلنك» سواء على المستوى الإنساني من خلال استمرار اتصال المستشفيات ومراكز الإطفاء وغيرها أو على المستوى اللوجستي للعمليات العسكرية والاستخباراتية، كذلك على المستوى المالي باعتبار أن ما أنفقته لتشغيل واستمرار الخدمة أقل بكثير مما تنفقه روسيا في تدمير بنيتها التحتية للاتصالات السلكية واللاسلكية، ونتناول الزواية الثلاثة بشئ من التفصيل؛
590 محطة للمستشفيات
وفقا لوزارة الصحة الأوكرانية فإنها تلقّت 590 محطة طرفية لانترنت ستارلنك الفضائي لتظل متصلة وتستمر في تقديم الخدمات والرعاية الصحية دون توقف وبخاصة في الأماكن المرتبطة بمناطق النزاع. كما أن الخدمة أسهمت في تسهيل إجلاء مئات من الأطفال المصابين بالسرطان من أوكرانيا إلى أوروبا لاستكمال علاجاتهم وهو ما لم يكن يتم إلا ببقائهم متصلين عبر الإنترنت خلال الحرب. بالإضافة لهذه المحطات التي تضطلع بعمل إنساني هناك محطات أخرى تصل إلى 4000 محطة لخدمة الجيش وعملياته العسكرية، فضلاً عن 6200 محطة أخرى تم إضافتها لجهاز المخابرات في أوكرانيا. أما على مستوى الأفراد فالإحصائيات تشير إلى أن هناك أكثر من 150 ألف مستخدم نشط يومياً في أوكرانيا على شبكة ستارلنك وهي نسبة ليست بالقليلة إذا ما علمنا أن إجمالي عدد المستخدمين 400 ألفاً في 36 دولة حول العالم حتى مايو 2022.
100 صاروخ كروز ضد تغريدة
بحسب رويترز فإن تدمير البني التحتية للإتصالات في أوكرانيا استنزف 100 صاروخ كروز روسي من طراز كاليبر، وتقدر تكلفة الصاروخ الواحد بأكثر من 6.5 مليون دولار، أي بإجمالي تكلفة تزيد على 650 مليون دولار لشل حركة الإنترنت في %20 من أوكرانيا وهي مناطق النزاع. غير أن إعادة إصلاح ما أفسدته روسيا بصواريخها ومعداتها وما احتاجته من طاقة وانفاق عسكري لم يتطلب سوى تغريدة واحدة أطلقها «ماسك» في 26 فبراير 2022، و48 ساعة فقط للبدء في تشغيل الخدمة في المناطق ذاتها. هذا لا يعني أن الخدمة التي بادر بيها «ماسك» خدمة مجانية، ولكن هل تكلفتها مساوية لتكلفة 100 صاروخ كروز خسرتهم روسيا؟
تُقدر تكلفة خدمات ستارلنك في أوكرانيا بـ 20 مليون دولار شهرياً، باعتبار أن الجزء الأكثر تكلفة هو استمرار الخدمة وليس الأدوات المستخدمة في تلقيها فقط، وقد طلبت شركة «سبيس إكس» من الحكومة الأمريكية ما يقرُب من 100 مليون دولار في 15 أكتوبر المُنصرم للتمكّن من استمرار الخدمة. تصل إلى 120 مليون دولار حتى نهاية عام 2022، وقد تُكلف ما يقرُب من 380 مليون دولار لعام 2023. من ثم فإجمالي ما تم انفاقه وما سيُنفق في العام المُقبل هو 500 مليون دولار لضمان بقاء وجود خدمات الإنترنت في وضع استقرار في أوكرانيا عامين أي %77 مما أنفقته روسيا في عدة أيام لتدمير البنية التحتية للإتصالات فيها. تظل أوكرانيا منتفعة كذلك بتوفيرها ما قيمته 2.6 مليار دولار تقريباً وهو مقدار الخسائر التي تكبدها سوق الاتصالات لديها إذا ما أرادت أن تُعيد مدّ الأسلاك والكابلات ونقاط التوصيل مجدداً للمناطق المتضررة.
2.2 مليار دولار مساعدات
في العديد من مناطق أوكرانيا، تتيح خدمة ستارلنك للأشخاص على أرض الواقع مواصلة مشاركة المعلومات ونشرها على بعض وسائل التواصل الاجتماعي كتويتر وتيك توك. وقد أدى التدفُق المستمر للصور ومقاطع الفيديو المروعة من منطقة الحرب إلى زيادة الضغط على الحكومات الغربية لتوريد الأسلحة وتشديد العقوبات وزيادة المساعدات العسكرية التي تقدر بـ2.2 مليار دولار كاستثمارات عسكرية على المدى الطويل من أكثر من 50 دولة بحسب تقرير وزراة الخارجية الأمريكية حتى سبتمبر 2022.
صراع التكنولوجيا والسلاح
يبدو أنه إذا كان الصراع قائماً بين قوة السلاح وقوة التكنولوجيا ستُرجّح بالتأكيد كفّة الثانية على الأولى، وهو ما تحقق في أوكرانيا تارة وفي إيران تارة أخرى، عندما استُخدمت أسراب الأقمار الصناعية التابعة لستارلينك التي تطوف على مقربه من الأرض لبث الإنترنت مجدداً بعدما أجهزت عليه القوة العسكرية في الغزو الروسي، والرغبة الحكومية الجامحة حال إندلاع المظاهرات في إيران بالتزامن مع مقتل فتاة في مقتبل عمرها على يد الشرطة الداخلية. أضحت هذه التكنولوجيا لا تعترف بالثوابت فلا حدود لديها ولا نطاق مكاني، متجاوزة في ذلك سيادة الدولة والأعراف والمواثيق الدولية لتصبح بقدر ضروريتها على المستوى التجاري والاجتماعي، تعد كذلك جزءاً من بعض النزاعات العالمية بل وعنصر فعّال فيها بفضل شخص واحد لم يُرشّح كرئيس دولة ولم ينتخبه أحداً ولم ينصِّب نفسه زعيماً ولم يمتلك سلاحاً نووياً ولكنه أبصر وأبدع في التكنولوجيا فامتلك فضاء العالم ليطبق حرفية مفهوم العولمة، إنه إيلون ماسك.