27% من سكان العالم يعانون الحصول على المياه النظيفة و43% بلا صرف صحي آمن

من المؤشرات المخيفة التي تظهر على الخريطة الصحية العالمية أن ما يزيد على 27% من البشر لا يزالوا يعانون من الحصول على مياه شرب نظيفة، و 43% منهم لا يستخدمون خدمات صرف صحي آمنة، ما يضع مصداقية مؤتمرات البيئة السنوية وخطط التنمية المستدامة بهدف الوصول الى افضل جودة لحياة الإنسان على الأرض على المحك، ويبرز هذا الملمح القاتم بالأخص في المناطق الفقيرة وعلى رأسها أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (15% من سكان العالم)، وأمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي (8% من سكان العالم)، وجنوب آسيا (24% من سكان العالم)، وشرق آسيا والمحيط الهادى (30% من سكان العالم)، وتمثل مجتمعة 78% من سكان العالم. وهي ذاتها نفس المناطق بالترتيب من حيث أقل نسبة سكان تحصل على مياه شرب آمنة وتستخدم خدمات صرف صحي آدمي. أما المناطق الأكثر حظاً بالترتيب فهي أمريكا الشمالية، وغرب أوروبا، والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشرق أوروبا وآسيا الوسطى.
تتضمن قاعدة البيانات الأولية لمنظمة الصحة العالمية لعام 2022 ثلاثة مؤشرات تتعلق بحصص السكان من الخدمات الحيوية والبنية التحتية الأساسية للمجتمعات، وبعد استخلاص متوسطات النسب الخاصة بهذه المؤشرات لسهولة التحليل، بدا واضحاً أن القصور في أحدهما في منطقة ما يتماشى معه قصور في المؤشرين الأخريين في المناطق نفسها، والعكس صحيح، فتوافر أحد المؤشرات في مناطق بعينها يقابله الإتاحة والتوافر بباقي المؤشرات بالمناطق ذاتها، مع تفاوتات لا تُذكر، وبناء عليه كان من المنطقي أن تكون المناطق المُتلقية للمساعدات الإنمائية في قطاعات الصحة والمياه والصرف هي ذاتها الأقل حظاً من استخدام خدمات الصرف الصحي ومياه الشرب الآمنة، والأقل نسبة في تدفقات مياه الصرف الصحي المنزلية المعالجة، كما في الشكل (1) والذي نوضحه فيما يلي:
1- سكان لا يشربون مياه من مصدر مُحسَن يصل بيوتهم، ومُتاح عند الحاجة، وخال من أى نوع من التلوث، وعن طريق مصادر توصيل نظيفة
وقد بلغت متوسط النسبة في افريقيا جنوب الصحراء الكبرى- وهي الأقل عالمياَ- 9.4%، أى أن حوالي 90% من سكان دول هذه المنطقة لا يشربون مياه صحية، خاصةً جمهورية افريقيا الوسطى وتشاد (6%)، وتنزانيا والكونغو واثيوبيا ما بين 11%-13%. ولم يكن حال أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي أفضل بكثير، حيث زادت نسبة المتمتعين بمياه نظيفة أكثر من ضعف نصيب المنطقة السابقة (23%)، بمعني أن المحرومين من مياه شرب صحية 77%، مثل المكسيك والدومينيكان بنسبة 57% و55% على التوالي.
وفي البقعة المقابلة من الأرض حيث أعلى كثافة سكانية في العالم بمنطقتي شرق آسيا والمحيط الهادىء، وجنوب آسيا، تكاد تكون النسب للحاصلين على مياه نظيفة متماثلة (حوالي 37% للأولى و39% للثانية)، أى 60% تقريباً من السكان لا يشربون مياه نظيفة، نذكر منهم النسب التي تعدَت نصف السكان المحرومين من مياه نظيفة مثل نيبال، أفغانستان، اندونيسيا، منغوليا، سريلانكا، الفلبين، وباكستان.
أما الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وإن كانت في المركز الخامس إلا أن النسبة التي قاربت من 50% لا تزال كبيرة، ما يعني أن نصف سكان دول المنطقة لا يحصلون على مياه شرب نظيفة حتى الآن. ويتحَسَن المشهد كلما اقتربنا من الغرب، حيث أن النسبة في شرق أوروبا وآسيا الوسطى تعدت 75%، أى أن ما يقرب من ربع السكان لا يتمتعون بمياه من مصادر آمنة. ويصل لأفضل مستوياته في منطقتي غرب أوروبا وأمريكا الشمالية: أقل من 5% في غرب أوروبا، و1.7% فقط في أمريكا الشمالية في المتوسط لا يحصلون على مياه شرب نظيفة بواقع 1% في كندا و2.6% في الولايات المتحدة. لذا تغلب على قائمة الدول الـ19 عالمياً التي تتوفر فيها المياه النظيفة بنسبة 100% دول غرب أوروبا بواقع 16 دولة، أما الثلاث دول الذين لا ينتمون الي الغرب فهم الكويت، وسنغافورة، ونيوزيلندا.
2- سكان لا يستطيعون استخدام أنظمة صرف صحية ومُحسنة ومرافق غير مُشتركة مع أسر أخرى، بالإضافة الى حجم تدفق مياه الصرف وهو عبارة عن توليد ومُعالجة مياه الصرف المنزلية قبل تصريفها في البيئة، ويتم قياسها بالمتر المكعب يومياً.
والواقع أن كلا المؤشران مُتقاربان من حيث نسب المناطق الجغرافية، ومُتطابقان من حيث ترتيبهم، كما أنهم يتشاركان مع سكان نفس المناطق التي لا تحصل على مياه نظيفة بنفس الترتيب، مع تبادل الترتيب الثالث والرابع بين منطقة جنوب آسيا ومنطقة شرق آسيا والمحيط الهادىء، وتبادل الترتيب الخامس والسادس بين منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا ومنطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطى.
إلا أنه يوجد تفاوت واضح بين نسب الصرف الصحي ومثيلتها من مياه الشرب حيث تزيد نسب سوء تدفق خدمات الصرف الصحي عن خدمات مياه الشرب، وظهر جلياً في أمريكا الشمالية بمعدل حوالي 9 مرات (17% للأولى مقابل 2% للثانية)، و 4 مرات في غرب أوروبا ( 20% مقابل 5%). بينما في شرق أوروبا وآسيا الوسطى بلغ المعدل مرتين ونصف تقريباً. كما بالشكل (2)، ومن ثمَ تلجأ الدول الى مساعدات رسمية لتغطية العجز في حصول السكان على الخدمات الأساسية والبنية التحتية على شكل مساعدات انمائية رسمية للصرف على قطاعي المياه والصرف الصحي والتي تشكل جزءًا من خطة الانفاق المُنسقة من قبل الحكومة، وهي مبالغ إجمالية يتم تقييمها بملايين الدولارات الامريكية الثابتة لعام 2020، وبالطبع تتصدر نفس المناطق الأكثر حرماناً من خدمات مياه وصرف صحى آمنة – باستثناء منطقة الشرق الأوسط- قائمة أكثر المناطق حصولاً على مساعدات مالية لكن بترتيب مختلف فالأولى جنوب آسيا (117 مليون دولار)، ثم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المرتبة الثانية (80 مليون دولار )، وبعدها أفريقيا جنوب الصحراء (54 مليون دولار) وأخيراً شرق آسيا والمحيط الهادىء (31 مليون دولار). واللافت أن نصيب أمريكا اللاتينية ضعيف على اعتبار أنها من ضمن أكثر المتضررين الأوائل، فقد جاءت في المركز الخامس بمبلغ قدره 23 مليون دولار فقط.
هذه الإحصاءات إن دلت على شيء، فإنها تدل للأسف على التناقض بين مساعدات إنمائية مالية وجهود تنمية إنسانية للأحتياجات الأساسية الحياتية لم تطل بعد القطاع الأكبر من سكان العالم، وفي مقابل ذلك هناك انشغال وتركيز اكبر على تطور تقني وتقدم علمي تستفيد منه القطاعات الاصغر والشريحة الأقل من البشر.