رُبما تكون الإحصاءات هي الوسيلة الأهم التي تُجيب على التساؤل المُتعلق بمسار قطار التنمية المُستدامة في الدول العربية، هناك العديد من المؤشرات الإحصائية التي ترصد التنمية المستدامة بشكل عام، إلا أن ثلاثة منها تتكامل مع بعضها البعض لتعطي مدلولاً لا ينفكُّ عن واقع الدول العربية في2020. ألا وهي التعليم اللائق، ورقمنة الخدمات، وتنافسية الدول العربية عالمياً.
التعليم اللائق
التعليم اللائق ضرورة لا لتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي فقط وإنما أيضاً للمشاركة في التنمية المستدامة وإحداث تحولات إيجابية وفعّالة على الصعيد المحلي والوطني والإقليمي والعالمي. هذا النوع من التعليم يُقدم أفراداً مُجهزين للإدماج مباشرة في عجلة الإنتاج، وفي هذا الإطار لا يُمكن بحال أن نغفل واقع الجامعات في الدول العربية، إذ ضمّن تصنيف شنغهاي 2020 جامعات (5) دول عربية تقدمتهم مصر بتصنيف (5) جامعات. احتلت جامعة القاهرة الترتيب (401)، تلتها الإسكندرية في الترتيب 701))، ثم عين شمس والمنصورة في الترتيب (801)، وأخيرا الزقازيق في الترتيب (901). ثم السعودية: صُنّف فيها (4) جامعات وهم جامعة الملك عبد العزيز التي احتلت الترتيب (101) عالمياً والأولى عربياً، تلتها الملك سعود في الترتيب (151)، ثم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتكنولوجيا (201)، وأخيراً الملك فهد للبترول والمعادن بالترتيب (401). ثم لبنان وتونس وقطر، لم تُصنّف في كل منها سوى جامعة واحدة فقط، وهم على التوالي، الجامعة الأمريكية في بيروت التي احتلت الترتيب (601)، وجامعة قطر بذات الترتيب، وجامعة تونس المنار التي احتلت الترتيب (901)، وفقاً للشكل رقم(1). بناءً على ذلك خرجت جامعات (17) دولة عربية من أفضل (1000) جامعة على مستوى العالم في تصنيف شنغهاي الصيني الذي يعتمد على منهجية خاصّة في التصنيف من بينها عدد الجوائز العالمية الممنوحة لخريجي الجامعة أو أعضاء هيئتها التدريسية كجائزة نوبل علي سبيل المثال، وعدد الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية المرموقة، فضلاً عن عدد الاستشهادات العلمية للجامعة.
رقمنة الخدمات
على صعيد الرقمنة كشفت جائحة كورونا عن ضرورة بل حتمية التحوّل الرقمي للحكومات حتي تتمكّن الأخيرة من تقديم الخدمات الأساسية للمواطن لا سيما التعليم عن بعد، وقد رصد تقرير الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية 2020 تصنيف الدول العربية إقليمياً وعالمياً. حيث يوزع مؤشر تنمية الحكومة الإلكترونية – الذي يقيس تطور أتمتة الحكومة بتقييمها بين (0) و(1) – الدول إلى أربع فئات، المرتفعة جدًا والتي تستحوذ على تقييم بين(1 – 0.75)، والمرتفعة ويكون تقييمها بين (0.75 0.5-)، والمتوسطة (0.5-0.25)، والمنخفضة (0.25-0). وفي الفئة المرتفعة جدًا جاءت خمس دول عربية جميعها من الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. وكان ترتيبها على الصعيد العالمي كما يلي: الإمارات (21)، البحرين (38)، السعودية (43)، الكويت (46)، عُمان (50). بينما حلّت ست دول أخرى في مستويات أقل، حيث جاءت قطر في الترتيب (66)، تونس (91)، المغرب (106)، مصر (111)،الأردن (117)، والجزائر (120). وذلك من مجموع (193) دولة شملهم المؤشر.
تنافسية الدول العربية عالمياً
ترتكز التنافسية على بيئة سياسية توفر لرأس المال البشري والموارد الطبيعية إمكانية الارتقاء بالإنتاجية، وتعزيز الاقتصاد بكافّة قطاعاته عبر تحوله إلى اقتصاد قائم على المعرفة ودعم الابتكار من ناحية، والبحث والتطوير وتعزيز إطار التشريعات في القطاعات الرئيسة من ناحية أخرى، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى رفع مستويات الازدهار وبلوغ أهداف التنمية المستدامة. وقد أشار الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2020 – الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع لمعهد التنمية الإدارية
(IMD) – إلى موقع الدول العربية من التنافسية عالمياً، حيث رصد التقرير تنافسية (63) دولة فقط علي مستوى العالم تخللهم أربع دول عربية، وهم؛ الإمارات التي حلّت في الترتيب (9)، تلتها قطر لتحلّ في المرتبة (14)، ثم السعودية (24)، وأخيراً الأردن (58). وتعتمد منهجية هذا المؤشر على أربعة عوامل رئيسية وهي الأداء الاقتصادي للدولة، وكفاءة الحكومة، كفاءة الأعمال، البنية التحتية.
وبمنهجية أخرى، يُطلِق المنتدى الاقتصادي العالمي (منتدى دافوس) سنوياً، تقرير التنافسية العالمية، والذي يضّطلع بتصنيف (141) دولة مُعتمداً على أربعة عوامل رئيسية وهم: البيئة الاقتصادية التمكينية والموارد البشرية، الأسواق، بيئة الابتكار. ووفقاً لآخر تقرير عن عام 2019، احتلت الإمارات العربية المتحدة الترتيب (25)، تلتها قطر (29)، ثم السعودية (36)، والبحرين (45)، والكويت (46)، وسلطنة عمان (53). بناء عليه استحوذت دول مجلس التعاون الخليجي الترتيب الأفضل عربياً، ثم جاء بعد ذلك الأردن في الترتيب (70) عالمياً، والمغرب (75)، وتونس (87)، ولبنان (88)، والجزائر (89)، ومصر (93).
لا غرو أن التباين في تصنيف الدول العربية بين كل من تقرير التنافسية العالمية، ونظيره الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، مرجعه اختلاف المنهجية التي تعتنقها كل جهة في التصنيف، بل إن المنهجية تختلف في التقرير الواحد من سنة لأخرى، وهو ما حدث بالفعل في تقرير التنافسية العالمية، فانسدل (103) مؤشراً فرعياً من عوامل التنافسية الأربعة الرئيسية في 2019 بعد ما كانت (98) مؤشراُ في 2018. حيث أضيفت (6) مؤشرات جديدة تعكس استدامة التنمية واستقرار سياسات ورؤية الحكومة والتكيف مع رقمية الأعمال، فضلاً عن إلغاء أحد مؤشرات الأسواق.
تتكامل إحصاءات المؤشرات الثلاثة السابقة لإعطاء صورة مُقاربة لواقع الدول العربية فيما يتعلق بالتنمية المستدامة، وتموضعها بالنسبة للعالم، ولعلّ تلك الإحصاءات تُبرر توصيات اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا في التقرير العربي للتنمية المستدامة 2020، بأنه أصبح من الضروري التكامل في السياسات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والعمل بشكل فعال نحو الارتقاء بمستوى الفرد والدولة.