3.7 ملايين دولار جوائز سنوياً.. هل أسهمت في دفع حركة الترجمة في العالم العربي؟!

محمود سلامة

222 عدد من ظفروا بجوائز الترجمة العربية أفراداً ومؤسسات، على مدار الـ6 دورات المتتالية الأخيرة حتى 2020، أي بمتوسط 37 فائزاً كل عام يُرصد لهم 3.7 ملايين دولار، موزعة بين 5 جوائز للترجمة هي الأعلى قيمة على الإطلاق. فما هي تلك الجوائز، وهل تتساوى في قيمتها، وما هي الدول العربية الأكثر فوزاً بها؟ وهل حقاً أسهمت في دفع حركة الترجمة في العالم العربي أم لا؟ وكم تُترجم مصر سنوياً من الكتب؟

لم تتعدَّ جوائز الترجمة العربية ذات الحوافز المالية الكبيرة عدد أصابع اليد الواحدة، غير أنها لم تكن متماثلة في قيمتها. إذ اعتلت الترتيب جائزة الشيخ حمد للترجمة التي تأسسّت في 2015 والتي تبلغ قيمتها 2 مليون دولار في مجموع فروعها، تليها جائزة الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمية للترجمة بقيمة 1.13 مليون دولار والتي سبقتها في الإنشاء بـ9 سنوات تقريباً إذ أنشأت الأخيرة في 2006، أما الثلاث جوائز الأخريات فإن مجموع قيمتهم قلَ عن مليون دولار، غير أن أعلاهم قيمة هي جائزة ترجمان (الشارقة للترجمة) بمبلغ 354 ألفأً، ثم جائزة زايد للكتاب فرع الترجمة التي بلغت قيمتها 205 ألفاً، وأخيراً جائزة ابن خلدون – سنغور للترجمة لتحتل المركز الخامس والأخير بقيمة 11 ألفا و720 دولار فقط. تلك هي العينة التي أُجرى عليها البحث في الفترة ما بين 2015 حتى 2020 من خلال رصد بيانات كل جائزة (اسم الجائزة، قيمتها، تاريخ تأسيسها، فئات الجائزة، إسم الفائز، جنسيته، فرد أم مؤسسة).
تبرز خصوصية الجوائز الـ5 أنها ليست قاصرة على أبناء جنسيتها فلا يشترط أن يكون المرشح لجائزة الشيخ حمد قطرياً، والمرشح لجائزة الملك عبد الله سعودياً بل تمتد للمبدعين في مجال الترجمة (من أو إلى اللغة العربية) على مستوى العالم، وهو ما لا يتوافر لبعض الجوائز الأخرى التي تتسم بالطابع الداخلى لاسيما جائزة المغرب للكتاب فرع الترجمة، وجائزة شباب المترجمين التابعة للمجلس الأعلى للثقافة المصري، وجوائز المركز القومي للترجمة، وغيرها من الجوائز التي تمنحها الجهات الحكومية لمواطنيها في العالم العربي.
ولعلّ ما يؤكد ذلك أن %30 من الفائزين بالجوائز الـ5 في الدورات الـ6 الأخيرة مترجمون أجانب بلغ عددهم 66 من حوالي 25 دولة مختلفة، وهو في حد ذاته ميزة لتجسير الفجوة بين الثقافات المتنوعة والثقافة العربية وتحفيزهم نحو ضخّ المزيد من الترجمات من وإلى اللغة العربية بلغتهم الأم، مُقابل %70 مترجمين عرب من 14 دولة عربية.
استأثرت 7 دول عربية بـ %50 من الفائزين الذين بلغ عددهم 111 في المدى الزمني المرصود وهو آخر 6 دورات من الجوائز الـ5 محل البحث، أتت مصر في المركز الأول لتستحوذ على 25 جائزة برصيد 15 جائزة من فروع جوائز الشيخ حمد للترجمة و10 جوائز من فروع جائزة الشيخ عبد العزيز للترجمة، وحلّت سوريا في المركز الثاني برصيد 22 جائزة، ثم السعودية في المركز الثالث برصيد 18 جائزة، تلتها العراق في المركز الرابع برصيد 13 جائزة، ثم لبنان وتونس والمغرب برصيد 12 و11 و10 على التوالي. كما هو موضح بالشكل رقم(1). أما باقي الفائزين الآخرين وعددهم 45 فائزاً وُزعوا على الـ7 دول العربية الأخرى لتستحوذ على %20 فقط من الفائزين وهم (عمان وقطر والسودان والإمارات وفلسطين والجزائر والأردن).
هذه الأرقام ربما تُعطي 3 دلالات مهمّة، أولاً: شفافية ومعيارية منح الجائزة، فعلى سبيل المثال لم تفُز قطر سوى بجائزتين فقط في فرع واحد من فروع جوائز الشيخ حمد للترجمة عن عام 2019 وهو فرع الترجمة من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية، ولم تحصل على أي جائزة في الـ5 دورات الأخريات في أي من فروعها. ثانياً: حصدت مصر العدد الأكبر من جوائز الترجمة عربياً بما يُعادل ما حصدته 3 دول يُفترض أنهم أكثر انفتاحاً منها على الغرب وهم دول شمال أفريقيا (تونس والمغرب والجزائر). ثالثاً: أن هناك دولاً عربية غابت عن المشهد تماماً ولم تنل جائزة واحدة في أي فرع من فروع الـ5 جوائز المذكورة في آخر 6 دورات متتالية لها وهم (ليبيا والكويت واليمن والبحرين).


ومن حيث موضوع الترجمات نجد أن السواد الأعظم منها في فروع الترجمة من الإنجليزية إلى العربية، على خلاف اللغات الأخرى التي كان يتعيّن أن تحظى بقدر من الإهتمام، كالفرنسية على سبيل المثال، فقد طُرح في 2020 عدد 97 ألفا و 326 عنواناً جديداً في فرنسا بحسب الاتحاد الوطني للنشر (SNE). وفي ألمانيا بلغ عدد الإصدارات المنشورة في ذات العام 69 ألفا و200 عنواناً جديداً بحسب (STATISTA)، في المقابل نجد أن إجمالي عدد المؤلفات المترجمة لّلغة العربية عام 2019 في مصر هو 1269 فقط بمعدل انخفاض %24 عن العام الذي سبقه والذي بلغ عدد المؤلفات المترجمة فيه 1666 بحسب النشرة السنوية للإحصاءات الثقافية (الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء).يظل هناك رقماً مطموساً من الكتب المترجمة لاسيما ما يباع منها مباشرة على المواقع الالكترونية دون أن تودع إيداعا قانونيا بدار الكتب والوثائق القومية، إلا أن عدد الأعمال المترجمة إلى العربية لا يزال هزيلاً مقارنة بحجم الإصدارات التي تضخها دول مثل فرنسا وألمانيا وإنحلترا وأمريكا.
ورغم الاهتمام بالترجمة من الإنجليزية إلى العربية إلا أن الدول العربية صُنّفت كدول منخفضة الكفاءة في مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية لعام 2020 «EF English Proficiency Index»، من بين 100 دولة تم تصنيفها حسب 2.2 مليون إختبار معياري تم إجراءه، وقد تباين ترتيب الدول العربية فيما بينها، إذ احتلت تونس والإمارات المركزين الأول والثاني عربياً بينما جاءتا في المركز 54 و66 عالمياً، وتزيلت سلطنة عمان والعراق القائمة لتحتلا المركز 98 و99 عالمياً، كما هو موضح في الشكل رقم (2). لعلّ المؤشر لا يُعطي دلالة شاملة عن مدى إجادة العرب للإنجليزية كونه يقتصر على الدارسين الذين يختبرون مستواهم الكترونياً، إلا أنه لا يزال معبراً بعض الشي عن كفاءتهم في اللغة الإنجليزية.


أخيراً .. نعم، هي الإجابة على التساؤل المتعلق بمدى إسهام الجوائز في دفع حركة الترجمة في العالم العربي من عدمه؟ إلا أن تعزيز أواصر الثقافات المختلفة والتحامها يحتاج مزيداً من الترجمات من وإلى اللغة العربية. جوائز الترجمة رغم أهميتها الكبرى تعجز منفردة عن ترسيخ ظاهرة التقاء الثقافات المتباينة، إذ يتطلب الأمر أيضاً تعزيز دور المراكز البحثية المعنية بالترجمة، كذلك تكليف طلاب الجامعات بترجمة أهم المؤلفات الأجنبية كمشاريع تخرّج وبخاصة كليات الترجمة واللغات والألسن والتربية، دفع القرّاء نحو اقتناء الأعمال المترجمة من خلال حملات توعوية مُتلفزة، وغيرها من الأفكار التي ربما تثري الترجمات في عالمنا العربي.