30 مليار دولار لتسريع إنتاج لقاحات وأدوية

سليمان عبد المنعم

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 27/6/2020 أن مبادرة دولية لتسريع عمليات تطوير وإنتاج فحوص كوفيد19- ولقاحاته وعلاجاته ستحتاج الي أكثر من 30 مليار دولار خلال العام المقبل، وبالتحديد 31.3 مليار دولار.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإنه تم التعهد بما قدره 3.4 مليار دولار من هذا المبلغ حتي الآن، أى ما يربو قليلا علي %10 من المبلغ المطلوب. هذا يعني أن المنظمة المؤهلة علميا ومهنيا ودوليا للحديث عن أى جديد علي طريق مواجهة الفيروس التاجي تُدرك مدى أهمية التمويل والتشبيك وحشد الموارد لإنجاح الجهود الدؤوبة التي تسابق الزمن حالياَ من أجل الوصول الي لقاح أو دواء يضع نهاية لهذه المحنة العالمية غير المسبوقة في التاريخ الإنساني، والتي بلغ عدد ضحاياها لحظة كتابة هذه السطور 488 ألف حالة وفاة تقريبا، بالإضافة الي 9 ملايين و600 ألف حالة إصابة في 196 بلدا ومنطقة ضربها الفيروس منذ بداية انتشاره حتي الآن، تعافي منهم 4 ملايين و770 ألف. حالات التعافي تبعث علي الأمل لأنها تعني أن أكثر قليلاً من نصف عدد المصابين بالفيروس تم شفاؤهم، بقدر ما يقلل من حالة الهلع البشرى السائد حقيقة أن حالات الوفاه بسبب كوفيد-19 مازالت تمثل نحو 5 %فقط من إجمالي أعداد المصابين بالفيروس في العالم كله.
وفي هذا العدد من «نشرة رقم» ثلاث إطلالات مختلفة علي ملف مواجهة فيروس كورونا المستجد، الأولي تتقصي حركة البحث العلمي في قطاع الصحة والدواء علي الصعيد العالمي من خلال رصد النشاط الذي تقوم به سبع دول تتقدمها الولايات المتحدة الأمريكية. ولا تخلو الأرقام هنا من بعض المفاجآت بشأن الدول الأكثر انخراطا في مسعي البحث عن لقاح أو دواء. والإطلالة الثانية تتعلق ببعض التداعيات الناجمة عن جائحة الفيروس التاجي مثل ظاهرة العنف المنزلي المرتبطة بما فرض علي الناس من حجر منزلي وإغلاق للمطاعم والمقاهي والأسواق ودور العمل والتسلية. والإطلالة الثالثة تمثل رصدا لحركة التمويل الدائر علي قدم وساق لدفع جهود البحوث الفيروسية والدوائية، وهى رؤية مترجمة عن مقال منشور بدورية The Lancet العلمية البريطانية.
في المشهد العالمي من أجل الوصول الي لقاح أو دواء لمواجهة فيروس كورونا المستجد يمكن رصد عدة ملاحظات:
الملاحظة الأولي: أن هناك سباقا محموما بين أعضاء نادى الدول الأكثر تقدما من أجل الظفر بلقب الدولة الأولي التي تقدم للبشرية أملا في مواجهة الفيروس التاجي سواء باختراع لقاح أو دواء. السبق هنا سيختلف ربما عن السبق في أى أكتشاف تكنولوجي آخر في التاريخ لأن الكثير من الاختراعات التكنولوجية السابقة كانت تقدم للبشرية وسائل للعيش والرفاهية أو تحسين ظروف الحياة والإرتقاء بها، وكلها بالطبع إنجازات مهمة ومفيدة وأحيانا فارقة. أما هذه المرة فإن الدولة التي ستحوز قصب السبق في اكتشاف لقاح أو دواء لفيروس كورونا سيسجل التاريخ بلا شك بحروف من نور اسمها باعتبارها الدولة المنقذة التي أسعفت البشرية من أحد أخطر الأوبئة الفتاكة التي بسببها توقفت حركة السفر والتنقل وأغلقت أبواب الجامعات والمدارس والمتاجر والأسواق والمؤسسات الإدارية، وفرضت التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي علي عدة مليارات من البشر. ربما تشير التكهنات بأن الدولة صاحبة قصب السبق في اكتشاف اللقاح أو الدواء لن تخرج عن هذا النادي محدود العضوية من الدول الأكثر تقدما مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وانجلترا، وفرنسا، واليابان، والصين. لكن لا أحد يعلم ما إذا كان يمكن لمفاجأة أن تحدث بأن نستيقظ علي نبأ اكتشاف دولة أخرى من غير هذه الدول للقاح أو الدواء المأمولين اللذين تتطلع اليهما عقول ومشاعر البشر في كل مكان. المعطيات المتوافرة حتي الآن توحي بأن هناك بعض الدول التي قطعت شوطا أبعد من غيرها علي طريق البحث عن لقاح مثل ألمانيا وانجلترا والصين. لكن الملاحظ أنه لا شيء يقينياً بعد، و أنه مازال علينا الانتظار حتي تتضح الرؤية أكثر وتقطع الحقائق جدل التخمينات.
الملاحظة الثانية: وهي بمنزلة سؤال مؤداه هل من الأفضل لهذا السعي الدؤوب في البحث عن لقاح أو دواء أن تحسمه اعتبارات المنافسة العلمية بين الدول الأكثر تقدما في مجال البحوث الدوائية أم أنه كان من الأفضل لو قامت منظمة الصحة العالمية مثلا برعاية مبادرة دولية مشتركة تتضافر فيها الجهود والتجارب الوطنية علي نحو يُسهم في الإسراع واختصار الزمن وصولا الي اختراع اللقاح أو الدواء؟ وماذا يقصد بهذا المبلغ الثلاثيني من مليارات الدولارات الذي تسعي الي توفيره منظمة الصحة العالمية، وهل يعني أنه سيتم توظيفه لأجل هذه المبادرة الدولية المشتركة أم سيكون موزّعاً على عدة دول أو شركات بحوث دوائية هنا أو هناك؟ والواقع أن تساؤل الخيارات والبدائل بين جهد محلي لهذه الدولة أو تلك وبين مبادرة عالمية مشتركة ليس منبت الصلة بموضوع آخر يتعلق بما إذا كانت الخريطة الجينية لفيروس كورونا المستجد قد أصبحت متاحة من الجانب الصيني باعتبار أن الصين هي الدولة المنشأ التي ظهر فيها الفيروس التاجي لأول مرة في نهاية نوفمبر أو أوائل ديسمبر في عام 2019. أعلن الرئيس الأمريكي ترامب عدة مرات في معرض اتهاماته الي الصين أن الأخيرة تخفي بعض المعلومات الخاصة بظروف نشأة الفيروس وشفرته الوراثية، وردت الصين على ذلك بأنها أبلغت منظمة الصحة العالمية في شهر يناير في العام الحالي بالخريطة الجينية للفيروس. وبصرف النظر عن الجدل المتبادل الذي دار حول هذه الإتهامات فإن سؤال اللحظة هو ما إذا كان لمنظمة الصحة العالمية تصور علمي واضح لكل أسرار الخريطة الجينية لفيروس التاجي، وما إذا كان لديها أيضا من الناحية القانونية تصور حول مدي كفالة الحق في المعرفة وتداول المعلومات والأفكار الخاصة بالشق العلمي في المسألة وكيف يمكن التوفيق بين هذا الحق المعتبر أحد حقوق الإنسان وبين مقتضيات حماية الملكية الفكرية لنتائج البحوث الفيروسية والدوائية؟ أياً كانت الطروحات المقدّمة فالمؤكد هو أن واقع أن فيروس كورونا المستجد باعتباره جائحة عالمية شديدة التفاقم سيحد كثيراً شئنا أم أبينا من صرامة قواعد حماية الملكية الفكرية، وهو ما سنرى على أي حال نتائجه العملية على أرض الواقع في سباق البحث عن لقاح أو دواء.
الملاحظة الثالثة: هي أن التساؤل الذي تتردد أصداؤه اليوم علي امتداد الكرة الأرضية بشأن متي يتم الوصول الي لقاح فعّال أو دواء نوعي جديد يسهمان بحق في مكافحة انتشار الفيروس التاجي، مثل هذا التساؤل يجدر- لكي لا تحلق بنا الآمال بعيدا عن الواقع- أن نفرق فيه بين اكتشاف اللقاح أو الدواء من ناحية وبين إتاحته من ناحية أخرى. فاختراع اللقاح أو الدواء لا يعني بالضرورة أن يكون متاحاً لكل البشر علي الفور. هناك عملية (إنتاج) ضخمة ذات جوانب تكنولوجية وبشرية تتطلب توفير مليارات الجرعات من اللقاح أو الدواء، وهو أمر لا بد وأنه سيستغرق وقتا، كما أن عملية (توزيع) هذا المنتج الطبي علي دول العالم مُترامية الأطراف يحتاج بدوره الي تنظيم لوجستي ووقت، وإذا أضفنا الي ذلك ما هو متوقع من أن الدول التي ستنتج اللقاح أو الدواء ستمنح مواطنيها أولوية الحصول علي هذا اللقاح أو الدواء أولاً فإن خلاصة ذلك كله أن الأمر قد يحتاج لفترة زمنية يتمناها البشر جميعا أن تكون قصيرة لكن الواقعية تفرض التحسب والتريث وعدم الاستغراق في الأمل، فلربما يتطلب الأمر الانتظار لعام أو أكثر حتي (يتاح) للناس بالفعل في كل مكان الحصول علي الجرعة اللازمة من اللقاح أو الدواء. هنا مرة أخرى سيكون لمنظمة الصحة العالمية دور كبير في عملية (دمقرطة) الدواء وإتاحته للجميع، وهذا ما أعلنته الصين أيضا في مبادرة من جانبها تبعث على الأمل في قدرة التضامن الدولي علي إنقاذ الأغنياء والفقراء معا.