تحظي كرة القدم، اللعبة الأكثر شعبية في العالم، على أكثر من 4 مليار معجب حول العالم، ويرتبط بها الحدث الأكثر شهرة الذي تنظمه FIFA بوجه عام وكأس العالم 2022 الذي تستضيفه دولة قطر الآن بوجه خاص. وهو ما يستدعي البحث في اقتصاداته من حيث النفقات التي تتمثل بالنسبة للدول المُضيفة في مصارف أساسية مثل الملاعب والبنية التحتية للطرق والمواصلات والإقامة، ثم بنود الصرف للفيفا، في مقابل الإيرادات والأرباح المتوقعة والمتحققة لكلاً من الطرفان. وهو ما سنعرضه انطلاقا من دورته الحالية مقارنةً بدوراته السابقة خلال ما يقرب من 30 عام- حسب توافر البيانات والتحليلات- أي منذ بطولة 1994 التي أقيمت في الولايات المتحدة الأمريكية، مروراً بستة بطولات أقيمت خلال هذه الفترة وهي فرنسا 1998، كوريا واليابان 2002، ألمانيا 2006، جنوب أفريقيا 2010، البرازيل 2014، روسيا 2018.
“أغلى كأس عالم في التاريخ” هو اللقب الذي حازت عليه البطولة الحالية 2022 حيث تكلفت- حسب تقديرات Forbes وFrontOfficeSports.com – حوالي 220 دولار أمريكي منذ اختيار قطر كمضيف لكأس العالم عام 2010، أي في المتوسط حوالي 17 ضعف ما أنفقته روسيا لبطولة 2018 والمُقدر ما بين 11.6-14.2 مليار دولار، والتي تُقارب نفقات البطولة السابقة عليها البرازيل 2014 وتراوحت بين 11-15 مليار دولار. كذلك بطولات عام 2010 و2006 لم يكن هناك تفاوت كبير بينهما في النفقات حيث سجلت ما بين 3.6 -5 مليار دولار في جنوب أفريقيا و4.3 مليار دولار في ألمانيا، أي أقل من بطولة 2002 السابقة عليها بمرة ونصف تقريباً التي أقيمت في اليابان وكوريا الجنوبية، وتكلفت حوالي 7 مليار دولار. أما بطولة فرنسا 1998 فقد تكلفت 2.3 مليار دولار، بينما تكلفت بطولة 1994 بالولايات المتحدة 0.5 مليار دولار.
وقد استعرض المحللين بعض الأرقام لفهم العلاقة بين نفقات البطولات الضخمة مقابل الإيرادات والأرباح التي قد تعود على كلاً من الدول المُنظمة من ناحية والفيفا من ناحية أخرى. وبالرغم من أن النصيب الأهم من ميزانيات البطولات السابقة كان يتم تخصيصه للملاعب والبنية التحتية والإقامة، لم تتصدر نفقات الملاعب بالبطولة الحالية قائمة إجمالي النفقات، مع كونها الأضخم في تاريخ البطولات، حيث استحوذت مصاريف بناء مدينة لوسيل الجديدة وتوسعة الطرق وإنشاء خطوط نقل ومطارات على ما يزيد عن 100 مليار دولار- طبقا لتقرير “بلومبرج” عام 2019 http://bit.ly/3gBM00C – و ذلك لاستقبال حوالي 1.5 مليار زائر وتجهيز حوالي 130000 غرفة فندقية، تم تنسيبها من إجمالي النفقات كالتالي: 45 مليار دولار لإنشاء مدينة لوسيل المتوقع أن يسكنها فيما بعد 200 ألف نسمة (17%)، 36 مليار لإنشاء مترو الدوحة (14%)، توسعة المطار 15.5 مليار (6%)، الملاعب 10 مليار (4%)، بالإضافة الى 6% أخرى للميناء الجديد 7.4 مليار، وتوسعة وسط البلد 4.5 مليار والمنطقة الصناعية 3.2 مليار. وقد أشارت Forbes أنه من المُقرر أن يتم تفكيك الملاعب بعد الحدث والتبرع بها إلى دول أخرى وتحويل المباني إلى مدارس ومتاجر ومرافق رياضية وعيادات الصحية، كما تم استخدام حاويات شحن معاد تدويرها لبناء أحد الملاعب.
وبالمقارنة كانت نفقات روسيا 2018 على الملاعب 3.45 مليار دولار (حوالي 27% من إجمالي الإنفاق)، بالإضافة الى البنود الأساسية الأخرى مثل البنية التحتية للنقل والمواصلات 6.11 مليار دولار (حوالي 47% من إجمالي الإنفاق)، وتجهيزات الإقامة (680 مليون دولار). أما ألمانيا والبرازيل فقد سجلتا تقريبا نفس النسبة بالنسبة للملاعب بنفقات قدرها 1.4 و3.6 مليار دولار على التوالي، كما أنفقت ألمانيا حوالي 3.5 مليار دولار على البنية التحتية للنقل (68% من إجمالي الإنفاق). بينما زادت نسبة نفقات فرنسا على الملاعب 700 مليون دولار (حوالي 30% من إجمالي التكلفة)، وتجاوزت جنوب إفريقيا ميزانيتها المقترحة لألعاب 2010 لتسجل حوالي 2 مليار دولار للملاعب (47% من إجمالي التكلفة)، وما يقرب من 1.7 مليار للبنية التحتية للنقل والطرق (40%). بينما لم تتوافر تكاليف اليابان/ كوريا لبناء الملاعب، التي كانت وقتها أكثر البطولات تكلفة من حيث مصاريف الملاعب والبنية التحتية طبقاً لتصريحات ممثل الفيفا. وبذلك تكون الدول الأكثر إنفاقاً على بناء الملاعب من حيث متوسط تكلفة البناء الى إجمالي النفقات للبطولة- وليس المبالغ المُنصرفة- جنوب إفريقيا، ثم فرنسا وألمانيا والبرازيل وروسيا (طبقاً للبيانات المتاحة).
الإيرادات والأرباح للدول المنظمة: تطرقت بعض الدراسات لمدي جدوى البطولات للدول المنظمة أو المُضيفة وتأثيرها على اقتصاداتها من حيث الناتج القومي المحلي، والسياحة، والضرائب، والتوظيف، لكن تباينت تحليلاتها الى حدٍ كبير. بالنسبة للبطولة الحالية توقع صندوق النقد الدولي أن ينمو الاقتصاد القطري بنحو 3.4٪ هذا العام، وتوقعت المؤسسة الإنجليزية Capital Economics ان يحقق اقتصاد قطر 7.5 مليار دولار، فيما يعتقد اخرون انها ستحقق 17 مليار دولار. وطبقاً للـ Economistمن بين 14 بطولة لكأس العالم، روسيا الوحيدة التي حققت أرباح في 2018 قدرها 235 مليون دولار، مدعومة بصفقة ضخمة لحقوق البث. ومع ذلك، تمكنت البطولة من تحقيق عائد استثماري يبلغ 4.6٪ فقط.
أما صناعة السياحة الألمانية فحققت عائدات إضافية قدرها 399 مليون دولار و15 مليون زائر إضافي، وملياري يورو لمبيعات التجزئة، و50 ألف وظيفة جديدة، و40 مليون يورو كمبيعات التذاكر، بينما حققت اللجنة المنظمة لكأس العالم أرباحًا صافية قدرها 56.5 مليون يورو، من أصل 140 مليون يورو أرباح إجمالية، صرفت منها 40 مليون يورو للفيفا، و44 مليون يورو ضرائب. بينما وصلت تكلفة البنية التحتية إلى 3.7 مليار يورو.
وكان من المتوقع أن تستقبل جنوب أفريقيا حوالي 450.000 سائح لحضور البطولة، لم يحضر إلا ثلثهم فقط. وعلى الرغم من انخفاض الأعداد، زاد إنفاق الزائرين بمقدار الربع تقريبًا وقُدِر العائد من السياحة بنسبة 10% من الإنفاق، كما خلق الحدث ما يقرب من 415000 وظيفة، لكنه لم يعمل على زيادة الناتج المحلي الإجمالي إلا بـ 0.5% فقط. بينما ذكرت بعض التحليلات أن العائد الإجمالي من البطولة تجاوز 5 مليار دولار.
نفقات وإيرادات وأرباح الفيفا
أولا: نفقات الفيفا ببطولة 2022: تكلفت- بحسب FORBES- إجمالي مبلغ 1.7 مليار دولار، 30% منها تقريباً للجوائز المالية التي بلغت 440 مليون دولار، مقابل 400 مليون دولار خصصت لنفس البند لبطولة 2018، بالإضافة الى نفقات تشغيلية مثل الضيافة والخدمات اللوجستية (322 مليون دولار)، وعمليات الإنتاج التلفزيوني (247 مليون دولار).
في حين سجلت التوقعات لإيرادات الفيفا للبطولة الحالية، 4.7 مليار دولار وفقًا لميزانية 2022، تبلغ حقوق البث التلفزيوني منها 2.64 مليار دولار، وحقوق التسويق 1.35 مليار دولار، بينما تضيف مبيعات التذاكر وحقوق الضيافة ما يصل إلى 500 مليون دولار. وتكون الفيفا وفقاً لتلك الأرقام قد حققت أرباح متوقعة قدرها 3 مليار دولار أمريكي.
وبالمقارنة بلغت نفقات الفيفا ببطولة البرازيل 2.2 مليار دولار، مقابل 4.8 مليار دولار من الإيرادات، لتكون بذلك حققت أرباح قدرها 2.6 مليار دولار http://bit.ly/3Oxs63. أم النفقات فأهمها اسهامها مع اللجنة المحلية المُنظمة للحدث (453 مليون دولار)، وكأس القارات (476 مليون دولار)، والإنتاج التليفزيوني (370 مليون دولار)، وصندوق المنح (100 مليون دولار)، بالإضافة الى البنود الأخرى مثل: الجوائز، والتذاكر، والحلول التقنية، والمزايا الممنوحة للأندية، ومصاريف التسويق وأدوات الدعاية والإعلان، ومصاريف السفر والإقامة لأعضاء الجنة، والـتأمين.
وكانت أهم إيراداتها بنفس البطولة 2.4 مليار دولار من رسوم حقوق البث التلفزيوني، و1.6 مليار دولار متمثلة في حقوق الرعاية الرسمية للحدث، و527 مليون دولار من مبيعات التذاكر.
وأخيرا، من متوقع أن يدفع التضخم تكلفة كأس العالم لكرة القدم 2026 الذي سيقام في 16 مدينة بالولايات المتحدة وكندا والمكسيك، لكن لم يُعلن بشكل نهائي عن الميزانيات الإجمالية المخصصة له.