بعد كل ما حققته البشرية من تقدم على صعيد تطوير وتوفير الأدوية واللقاحات والتطعيمات المختلفة، بلغ معدل الحصول على التطعيمات الموصى بها ضد الفيروسات والميكروبات 62% فقط من إجمالي سكان العالم، فيما النسبة المتبقية 38% لم يتلقوا هذه التطعيمات، وهو أمر لا يمكن تجاهله كسبب مهم في ارتفاع الإصابة بالعديد من الامراض الفتاكة، كالسل والملاريا والإيدز التي بلغ متوسط الإصابة بها 38.1 في الألف.
تعالج بيانات خريطة الوضع الصحي العالمي لعام 2022 الصادرة عن منظمة الصحة العالمية هذه النقطة من زاويتين، الأولى معدلات تغطية التطعيمات ضد الإصابات الفيروسية والميكروبية، ويقصد بها من حصلوا ومن لم يحصلوا علي التطعيمات الأساسية ضد الفيروسات والميكروبات المسببة لمجموعة الامراض التي تم الإقرار بضرورة أن يحصل عليها كل من يولد علي ظهر الأرض من البشر، وهي أمراض المكورات الرئوية والحصبة وضيق التنفس والتيتانوس والسعال الديكي والورم الحليمى، والثانية متوسط الإصابات الجديدة بالأمراض الأربعة الأكثر فتكا وضراوة بأكبر عدد من البشر، وهي السل والملاريا والايدز والأمراض المهملة بقارات العالم المختلفة.
كشفت البيانات التي استخلصها وانتجها مركز جسور من البيانات الأساسية لخريطة الوضع الصحي المشار إليها أن قضية الإصابات الفيروسية والميكروبية تمثل مساحة للألم والوجع عالمياً، يدل على مجموعة من البيانات التفصيلية الخاصة بالنقطتين معا، ففيما يتعلق بالنقطة الأولى الخاصة بالتغطية بالتطعيمات نجد الوضع كما يلي:
ــ التطعيم بالجرعة الثالثة من اللقاح المضاد لمرض المكورات الرئوية المقترن المعروف طبياً باسم ( بي سي في 3) ويفترض أن يقدم للأطفال بعمر سنة واحدة، يبلغ متوسطه نحو 63.9% كمتوسط عام علي مستوي القارات، ما يعني أن نحو 36% من أطفال العالم لم يحصلوا علي هذه الجرعة، والامر يختلف من قارة لأخرى، فذروة التغطية في أمريكا الشمالية التي تصل الي 84%، ثم تتراجع لأدني مستوى لها في أمريكا الجنوبية بواقع 52.4%، وتقترب من المتوسط العام في كل من افريقيا وآسيا، بواقع 66.1% و61.4% على التوالي.
ـ التطعيم بالجرعة الثانية من اللقاح المضاد للحصبة، يبلغ متوسطه نحو 72.6% على مستوى العالم، ما يعني أن 27% من أطفال العالم لم يحصلوا على التطعيم الكافي ضد الحصبة، وعلى مستوي كل قارة على حده، يصل مستوي التغطية بالتطعيم الي ذروته في أمريكا الشمالية بنحو 87% وأوروبا 85.7% فيما يصل لأدني مستوياته في افريقيا بنسبة 53.8% ما يعني أن ما يقرب من نصف أطفال افريقيا لم يحصلوا على التطعيمات الكافية ضد الحصبة، ومن ثم مكشوفون أمام الإصابة بالمرض، سواء كلياً او جزئياً.
ــ التطعيم ضد ضيق التنفس والتيتانوس والسعال الديكي بين الأطفال بعمر سنة واحدة، يبلغ متوسطه 85.1 % على مستوى العالم، مسجلا بذلك أفضل تغطية بالتطعيم بين مجموعة التطعيمات الأساسية المهمة، وكالعادة تتصدر أمريكا الشمالية قائمة التغطية بنسبة تصل الي 93%ـ تليها أوروبا بنسبة متقاربة للغاية قدرها 93.4%، فيما تأتي افريقيا في المرتبة الأخيرة بنسبة تغطية قدرها 78.7%.
ـ التطعيم ضد الفيروس المسبب للورم الذي يصيب حلمات الثدي بين الفتيات في سن 15 عاما، تبلغ نسبة التغطية به 26.4% علي مستوى العالم، ويعد الوضع الأسوأ بين التطعيمات الأربع على الإطلاق، وبالنسبة للوضع في كل قارة على حدة، يبدو الامر معقولا بدرجة طفيفة في أمريكا الشمالية التي حيث تتجاوز التغطية اكثر من النصف بقليل، أو 68%، فيما تتراجع نسبة التغطية في باقي القارات الي معدلات مقلقة، فهي في افريقيا 15.5% وآسيا 17.1%، وامريكا الجنوبية 28.5%، ما يعني في النهاية أن ما يقرب من ثلاثة أرباع فتيات العالم لا يحصلن علي هذا التطعيم، ما يجعلهن عرضة بعد ذلك للوقوع في دائرة خطة الإصابة بالأورام الأشد فتكا.
الإصابات الجديدة
أوردت الصحة العالمية أربعة أنواع من الإصابات الجديدة التي تعد من الدلائل المهمة على جودة أو تدهور الوضع الصحي، هي الإصابات الجديدة بكل من السل والملاريا والايدز والأمراض المدارية المهملة، وتشير بيانات الأمراض الأربع الي ما يلي:
ـ جاءت متوسط الإصابة بالملاريا في المرتبة الأولى، حيث بلغت 42.7 شخص لكل ألف من السكان المعرضين للخطر، وبلغ الرقم ذروته في افريقيا بمعدل 144.9 في الألف، تليها أوقيانوسيا بمعدل 24.6 في الألف ثم أمريكا الجنوبية 2.1 في الألف، وثم اسيا 1.8%، ولا إصابات في أمريكا الشمالية وأوروبا، ما يعني ان افريقيا هي المعقل الرئيس للملاريا علي مستوي العالم.
ـ في المركز الثاني جاء متوسط الإصابة بالسل، حيث بلغ 104.9 لكل 100 ألف من السكان، وتصدرت افريقيا المشهد بمعدل 192.4 ثم اسيا 132.2، وانخفض المعدل الي ادني مستوي في أمريكا الشمالية ليسجل 4.1 لكل 100 ألف.
ـ في المركز الثالث جاء متوسط الإصابة بالإيدز الذي سجل 0.3% بين كل 1000 من السكان غير المصابين، وتم تسجيل هذه الإصابات في كل من افريقيا بمتوسط 0.7 % ثم أمريكا الجنوبية بواقع 0.2 % واوقيانوسيا 0.1%، فيما لم تسجل إصابات في أمريكا الشمالية وأوروبا.
ـ فيما يتعلق بالأمراض المدارية المهملة، قالت البيانات أن عدد الأشخاص الذين ابلغ انهم يحتاجون الي تدخلات ضد هذه النوعية من الأمراض بلغوا 8 ملايين و262 ألفاً و272 شخصاً كمتوسط عام على مستوى العالم، وكان المتوسط في افريقيا 11 مليوناً و68 ألفاً، وفي اسيا 20 مليوناً و438 ألفاً، وفي أمريكا الجنوبية مليوناً و519 ألفاً، فيما انخفضت النسبة الي 646 في أمريكا الشمالية و22.3 في أوروبا.
خلاصة الأرقام السابقة أن الحرب بين البشرية من جهة والفيروسات والميكروبات لا تزال مستمرة وغير محسومة، طبقا لخريطة الوضع الصحي للعالم في صورتها الأكثر تكاملاً وتحديثاً، وأن مليارات الفيروسات والميكروبات لا تزال تمرح في ارجاء الأرض مسببة وضعاً صحياً غير مقبول بالمرة، يتمثل في أن أجساد نحو 38% من سكان العالم لا تزال مكشوفة تنقصها الدفاعات اللازمة للصمود أمام الإصابات الفيروسية والميكروبية، كونها لم تتلق التطعيمات الأساسية الكاملة المضادة لهذه الإصابات، وبالتالي ليس مستغرباً أن تكون النسبة المئوية لمن هم في وضعية في الانكشاف وافتقاد الدفاعات متقارباً او تكاد تكون متشابهة مع معدل الإصابة بالأمراض الفتاكة الثلاثة السل والايدز والملاريا، علي الأقل في الشكل الظاهري للأرقام ( 38% انكشاف ـ 38 في الألف معدل إصابة).
الرئيسية نشرة رقم عدد نوفمبر 2024