في الــ 15 عاما الأخيرة، شهد المتوسط العام لساعات العمل عالميا تقلبات واضحة، بدأت بهبوط حاد في بداية العقد الماضي، انخفض معه متوسط ساعات العمل من 41.5 ساعة في العام 2011 الي 36 ساعة أسبوعيا في العام 2013ـ ثم شهد موجة ارتفاع لعدة سنوات تالية، جعلته يبلغ 42.3 ساعة أسبوعيا في العام 2019، قبل ان يقع وباء كورونا في السنوات التالية مسببا موجة هبوط ثانية، دفعته للوراء ليصبح 38 ساعة، ثم شهد موجة ارتفاع ثانية قادته الي أعلي نقطة وهي 41.9 ساعة في المتوسط عام 2023، قبل أن يهبط للمرة الثالثة الي 37.7 في العام 2024، وطوال هذه الفترة سجلت ساعات العمل الاسبوعية متوسط عام إجمالي قدره 39.6 ساعة.
هذا ما أمكن ملاحظته في منحني الصعود والهبوط الوارد في الشكل المرفق، الخاص بالتغير السنوي في المتوسط العالمي لساعات العمل أسبوعيا خلال الفترة من 2010 إلى 2025، لكن عندما قمنا في “جسور” بالتعمق قليلا في تحليل البيانات الخاصة بمسار التغير التاريخي، علي مستوي القارات والمناطق والدول، تبين أن حركة متوسط ساعات العمل عالميا قد شهدت تنويعات مختلفة من منطقة لأخرى، فقد لوحظ وجود انخفاض تدريجي طفيف في متوسط ساعات العمل عالميًا بالاقتصادات المتقدمة خلال العقد الماضي، ويمكن ان يعزى ذلك إلي تحسين إنتاجية العمل، والتشريعات القانونية، والتحول نحو اقتصاد الخدمات.
 وعلى المستوي التاريخي أيضا، لوحظ وجود نقاط ذروة (أعلى ساعات عمل) في بعض الدول خلال الفترة بين 2010 و2015، ومنها على سبيل المثال إيران التي سجلت أعلى متوسط عالمي في هذه الفترة، مما يعكس ثقافة العمل الطويل والاعتماد على القطاعات التقليدية، وكولومبيا التي حافظ المتوسط العام لساعات العمل فيها على مستوي مرتفع فاق 51 ساعة وظل قائما حتى 2016، ثم بدأت في الانخفاض التدريجي، وظهرت نقاط ذروة أيضا في بعض الدول الأفريقية مثل السنغال وبوتان، حيث سجلت ارتفاعات ملحوظة بعد 2020 ، بلغت أكثر من 51 ساعة، ربما بسبب التعافي الاقتصادي والعمل في القطاعات غير الرسمية.
وعلى المستوي التاريخي أيضا، لوحظ وجود نقاط ذروة (أعلى ساعات عمل) في بعض الدول خلال الفترة بين 2010 و2015، ومنها على سبيل المثال إيران التي سجلت أعلى متوسط عالمي في هذه الفترة، مما يعكس ثقافة العمل الطويل والاعتماد على القطاعات التقليدية، وكولومبيا التي حافظ المتوسط العام لساعات العمل فيها على مستوي مرتفع فاق 51 ساعة وظل قائما حتى 2016، ثم بدأت في الانخفاض التدريجي، وظهرت نقاط ذروة أيضا في بعض الدول الأفريقية مثل السنغال وبوتان، حيث سجلت ارتفاعات ملحوظة بعد 2020 ، بلغت أكثر من 51 ساعة، ربما بسبب التعافي الاقتصادي والعمل في القطاعات غير الرسمية.
في المقابل … تم ملاحظة نقاط قاع أو هبوط كبير خلال فترة أطول ممتدة بين 2011 و 2021 في كل من كندا وسويسرا وفرنسا، حيث تراوح متوسط ساعات العمل بين 32 و 36 ساعة أسبوعيا، وربما يعود ذلك جزئيا إلى تشريعات العمل المتطورة والتركيز على التوازن بين الحياة والعمل، وحدث الأمر نفسه في دول مثل فانواتو وكيريباتي، التي بلغ متوسط ساعات العمل لديها أقل من 30 ساعة، كما تم رصد نقطتي قاع أخريين بين 2019 و 2020 بسبب وباء كورونا، فيما امكن رصد نقطة قاع اخري بعديد من الدول خلال الفترة بين 2014 و2016 بسبب الركود الاقتصادي الذي وقع ببعض الأسواق الناشئة.
عند ملاحظة مستوي متوسط ساعات العمل على المستوى الجغرافي (قارة ومنطقة ودولة)، تبين أن هناك اربعة مستويات، الأول دول ومناطق يتجاوز فيها متوسط ساعات العمل أسبوعيا 50 ساعة ويضم ثلاث دول، والثاني دول يبلغ فيها أكثر من 40 ساعة الي 50 ساعة ويضم 76 دولة، والثالث أكثر من 30 الى 40، ويضم 95 دولة، والرابع 30 فأقل ويضم دولتين.
في قارة آسيا تبين أن دول المستوى الأول تضم كل من إيران ومنغوليا وبوتان، والمستوي الثاني كل من تركيا، باكستان، الهند الفلبين، فيتنام، والمستوى الثالث اليابان، وكوريا، تايلاند، وتفسير ذلك أن الثقافة الآسيوية تميل إلى ساعات عمل طويلة، بالإضافة إلى أن دول مثل أيران وباكستان تعاني من اقتصادات غير مستقرة مما يزيد من ساعات العمل لتعويض الدخل.
في أوروبا ظهرت دول من المستوى الثالث ومن بينها إسبانيا، المملكة المتحدة، فرنسا، سويسرا، ودول من المستوى الرابع كالسويد والنرويج، وتعتبر هذه الحالة تعبير عن وجود القوانين الاجتماعية والتوجه نحو الإنتاجية وجودة الحياة، ما يجعل أوروبا لديها أدنى متوسط ساعات عمل.
في إفريقيا ظهرت كل من السنغال، بوتسوانا، ساحل العاج في المستوى الأول، ثم مصر، جنوب أفريقيا، نيجيريا في المستوى الثاني، ثم رواندا وأوغندا في المستوى الثالث، وهذه الدول على سبيل المثال لا الحصر، ويعكس ارتفاع ساعات العمل في أفريقيا الاعتماد على الزراعة والقطاع غير الرسمي، مع غياب تشريعات العمل الواقية.
ساد المستوى الثالث أمريكا الشمالية، وتحديدا الولايات المتحدة، كندا، المكسيك، وإن كانت الولايات المتحدة والمكسيك لديهما ساعات أعلى من كندا بسبب ثقافة العمل المكثف.
وأخيرا في أمريكا اللاتينية، جاءت دول مثل كولومبيا والأرجنتين والبرازيل في المستوى الثاني، وتشيلي وأورجواي في المستوى الثالث، وكان النمط الأكثر شيوعا هو ساعات العمل المرتفعة نسبيًا بسبب الاقتصادات النامية والاعتماد على القطاعات التقليدية.
ولو اخذنا متوسط ساعات العمل على مستوى الدول منفردة، سنجد أنه في المراكز الخمس الأولى تأتي دولة بوتان تحتل المرتبة الأولى عالميا بمتوسط يبلغ 54.4 ساعة أسبوعيا، تليها السودان 50.8، ثم ليسوتو 50.4، ثم الأردن في المركز الرابع بمتوسط 48.8 ثم الإمارات 48.7 ساعة.
استنادا للأرقام والملاحظات السابقة، يمكن عرض بعض الاستنتاجات منها أنه كلما زادت التنمية قلت ساعات العمل، والدليل على هذه النتيجة متوسط ساعات العمل في افريقيا في مقابل متوسط ساعات العمل في أوروبا.
كما يمكن القول أيضا ان متوسط ساعات العمل يتأثر بالكوارث الطبيعية والحروب وخير مثال علي ذلك ما حدث في فترة كورونا وفي البلدان التي تعاني اضطرابات وحروب، وفي بعض الحالات الأخرى يكون انخفاض ساعات العمل مصاحبا للركود، وارتفاعها مصاحبا للازدهار، ويمكن التدليل على هذه النتيجة عند مقارنة الأوضاع في كولومبيا مقابل المكسيك.
نخلص من ذلك كله أن ساعات العمل ليست دليلا علي همة أو خمول العمالة، أو جودة أو سوء سلوكها في هذه الدولة أو تلك، بل هي في معظم الأحوال مرآة للوضع الاقتصادي السياسي للدولة قبل أي شيء آخر، 
الرئيسية  نشرة رقم عدد أكتوبر 2025
 

 
