يظل تصنيف أفضل جامعات العالم الذي يصدر سنوياً عن بعض المؤسسات الدولية أحد أكثر التصنيفات إثارة واستقطاباً للاهتمام. ليس في الأمر ما يُدهش لأن هذا التصنيف يكاد يمثل مؤشراً للمستقبل العلمي والصناعي والتكنولوجي والمعرفي والفكري والاجتماعي لدول العالم المختلفة. وقد تعددت التصنيفات السنوية لأفضل الجامعات في السنوات الأخيرة وإن ظل تصنيف جامعة شنغهاي هو الأقدم والأكثر ذيوعاً.
هناك تصنيفات تقتصر على قياس أداء الجامعات من خلال مواقعها الإلكترونية مثل تصنيف webometrics وهناك أيضاً تصنيف مجلة التايمز للتعليم الجامعي الذي يقوم بتصنيف الجامعات على عدة مستويات من بينها افضل 100 جامعة لم يمر عليها 50 عاماً. ويوجد كذلك التصنيف المعروف اختصاراً ب QS .
يتميز تصنيف شنغهاي بأنه يعتمد على عدة معايير متنوعة ومتكاملة للتقييم ويعطي لكل منها وزناً نسبياً. %10 من درجات التقييم لخريجي الجامعة الحاصلين على جائزة نوبل أو جوائز فيلدز الشهيرة في الرياضيات، و%20 لأعضاء هيئة التدريس في الجامعة الحاصلين على جائزة نوبل أو جوائز فيلدز في الرياضيات، و%20 تُخصص لنسبة الاقتباسات العلمية عن الأبحاث المقدمة باسم الجامعة، و%20 لنسبة الأبحاث والدراسات المنشورة في دوريتي Nature وScience، و%20 للأبحاث المشار إليها في كشّاف العلوم الاجتماعية والكشّاف المرجعي الموسّع للعلوم، وأخيراً %10 للأداء الأكاديمي للجامعة بالنسبة لحجمها. وقد بدأ تصنيف شنغهاي عند انطلاقه بقائمة تضم أفضل 500 جامعة على مستوى العالم تقييماً عاماً بصرف النظر عن التخصصات (الكليات والمعاهد) التي تضمها كل جامعة، وفي مرحلة تالية أصبح التصنيف يضم تصنيفات للجامعات والمعاهد المتخصصة في 54 مجالاً أكاديمياً.
الاعتماد على تصنيف شنغهاي لعام 2020 يكشف عن عدد من الدلالات التي تًسلّط الضوء على المشهد العالمي في سباق التنافس الأكاديمي بين جامعات العالم.
الدلالة الأولى أن الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تتصدر قائمة أفضل جامعات العالم سواء على صعيد التصنيف العام أم على صعيد التصنيفات المتخصصة. في التصنيف العام تجيء الجامعات الأمريكية في الصدارة حيث يوجد 103 جامعة أمريكية من بين ال 500 جامعة الأفضل في العالم بنسبة %21 مع ملاحظة أن عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية لا يمثل أكثر من %4 من إجمالي عدد سكان العالم. أما على صعيد الكليات والمعاهد المتخصصة في الرياضيات فإنه توجد 120 جامعة ومعهداً متخصصاً ضمن ال 500 الأفضل في العالم، و71 جامعة ومعهداً متخصصاً في هندسة الميكانيكا، و121 جامعة ومعهداً متخصصاً في الطب الإكلينيكي، و142 جامعة ومعهداً متخصصاً في إدارة الأعمال. تزيد هذه الأرقام ثلاث وأحياناً أربع مرات عن عدد مثيلاتها في بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان. يُضاف إلى هذا أن الجامعات الأمريكية تتفوق ليس فقط على صعيد عدد الجامعات الأفضل في تصنيف ال 500 جامعة ولكنها تتفوق أيضاً على صعيد أن هذه الجامعات تحتل غالباً المراكز الأولى في صدارة الأفضل عالمياً إذ توجد 30 جامعة أمريكية ضمن قائمة ال 50 الأفضل في التصنيف العام، كما تأتي 16 جامعة أمريكية أو معهداً متخصصاً في الرياضيات ضمن قائمة ال 30 الأفضل عالمياً.
الدلالة الثانية أنه إذا كان عدد الجامعات والمعاهد الأمريكية الأفضل يزيد على عدد جامعات ومعاهد بريطانيا وألمانيا وفرنسا واليابان وروسيا وإسبانيا وكوريا الجنوبية مجتمعةً فإن هذا الفارق الكبير بين الجامعات الأمريكية وغيرها من الجامعات المتقدمة يتضاءل بشكل ملحوظ حينما تتم المقارنة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. فاللافت أن الجامعات الصينية تغزو في السنوات الأخيرة قائمة الأفضل في العالم. ففي التصنيف العام للجامعات مثلاً يوجد 72 جامعة صينية ضمن قائمة ال 500 الأفضل عالمياً مقارنة ب 103 جامعة أمريكية (مع ملاحظة أن عدد الجامعات الصينية يرتفع ليصل إلى 82 بإضافة جامعات هونج كونج وتايوان). وتصل المنافسة بين الجامعات الأمريكية والصينية في مجال هندسة الميكانيكا إلى نقطة التعادل بعدد 71 جامعة أمريكية ومثلها صينية في قائمة الأفضل عالمياً. كذلك الأمر في مجال الرياضيات إذ يوجد 120 جامعة ومعهداً أمريكياً ضمن قائمة الأفضل عالمياً مقابل 94 في الصين.
الدلالة الثالثة أن الجامعات العربية ما زالت متأخرة في تصنيف الأفضل عالمياً. تأتي السعودية ومصر بتصنيف يتقدم كل الدول العربية لكنه ما زال دون الجامعات الأجنبية المتقدمة بكثير. في آخر تصنيف عام لسنة 2020 جاءت 4 جامعات سعودية وجامعة مصرية واحدة ضمن قائمة ال 500 الأفضل عالمياً. وفي مجال الطب الإكلينيكي جاءت 4 جامعات مصرية و3 جامعات سعودية ضمن الأفضل عالمياً، وفي مجال الرياضيات 6 جامعات سعودية وجامعتان مصريتان. ولم تظهر سوى جامعة إماراتية واحدة ضمن تصنيف هندسة الميكانيكا والطب الإكلينيكي وإدارة الأعمال، ولم تظهر أي جامعة إماراتية ضمن التصنيف العام لأفضل 500 جامعة.
الدلالة الرابعة أنه وبخلاف ما تمثله روسيا من قوة عسكرية وربما اقتصادية فما زالت جامعاتها ومعاهدها أقل بكثير في تصنيف أفضل جامعات العالم مقارنةً بباقي الدول الصناعية المتقدمة الأخرى، بل إن الجامعات الروسية تأتي أقل في التصنيف من جامعات إسبانيا وكوريا الجنوبية وإسرائيل!
يبقى أن ما سبق ذكره من دلالات وأرقام ما زال يحتاج إلى دراسات أكثر تمحيصاً وشمولاً، بل إن بعض معايير التصنيف ما زالت تثير الجدل. والأهم أن معيار التصنيف العام للجامعات بدأ يتراجع في التعبير عن أفضلية الجامعات لصالح التصنيفات المتخصصة بحسب المجال الأكاديمي لا سيّما في ظل أفول ظاهرة الجامعات كثيفة العدد أو “جامعة كل التخصصات”. في الأحوال كافة يبقى التعليم الجامعي تعبيراً عن واقع الحاضر ومؤشراً للمستقبل وهو بذلك يصبح ساحة حقيقية للتنافس الحضاري لمن يلتقطون مغزاه ويدركون أهميته.