لا تقل الجوانب الاقتصادية للاندماج النووي ( التكلفة ــ الاستثمار ـ العائد ـ القابلية للتشغيل التجاري) إثارة وسخونة عما يجري في الجانب العلمي والتقني، فالاستثمارات تتلاحق وترتفع، والتكلفة تخضع لمراجعات متواصلة عميقة لتنخفض، والعائد المتوقع علي الأمد البعيد يزداد وضوحا يوما بعد آخر، والتصورات الموضوعة في هذا السياق على المدي الطويل تسعي لضخ تريليون دولار في مشروعات الاندماج النووي، من أصل 9.5 تريليون في استثمارات الطاقة المتجددة علي مدار السنوات العشرين المقبلة، حتي يشهد العالم طاقة اندماج موصولة بشبكات الكهرباء بحلول عام 2030، أما على الأجل القصير والمتوسط، فقد ارتفعت الاستثمارات الجديدة في الاندماج النووي هذا العام لتصل الي نحو 4.8 مليارات دولار، بزيادة قدرها 139% مقارنة بالعام الماضي، وبما يعادل أكثر من ضعف الاستثمار التاريخي الإجمالي للصناعات في عام واحد، وهناك توقعات بأن يواصل الرقم الارتفاع ليبلغ 40 مليار دولار خلال وقت قريب.
بالمعايير الاقتصادية أيضا، يرى الخبراء أنه حال تحقيق مُعضلة تكلفة مُدخلات الإنتاج المنخفضة والوعود بإنتاج طاقة لا نهاية لها، سيغير الاندماج النووي التجاري جميع المقاييس الراهنة، وقد يتفوق عل تقييمات “تيسلا” للسيارات الكهربائية في سوق تكنولوجيا الطاقة.
وبحسب تقديرات “بلومبرج”، تبلغ قيمة مشاريع الطاقة عالمياً حوالي 15 تريليون دولار، ثم ظهر الاندماج ليعكس التباطؤ في مكاسب إنتاجية الطاقة نظراً لارتفاع تكاليف الانتاج، وليغير تقييمات الكفاءة. فإذا تم استثمار تريليون دولار فقط في مشاريع الاندماج من أصل 9.5 تريليون دولار في استثمارات الطاقة المتجددة المخطط لها على مدار العشرين عامًا المقبلة، فقد تتحقق آمال وكالة الطاقة الدولية لتوصيل الكهرباء المُولَدة عن طاقة الاندماج إلى الشبكة بحلول عام 2030.
مستويات الاستثمار
وطبقاً لتقارير عام 2022 الصادرة عن “مؤسسة صناعة الاندماج” https://bit.ly/3PJHbjd، والوكالة الدولية للطاقة الذرية https://www.iaea.org، فقد استطاع القطاع الخاص خلال عام 2021، توفير أكثر من 2.8 مليار دولار من التمويلات الجديدة، لتصبح إجمالي التمويلات الخاصة أكثر من 4.7 مليار دولار، بالإضافة إلى 117 مليون دولار إضافية في شكل منح وتمويلات حكومية، أي بإجمالي حوالي 4.8 مليار دولار أمريكي ونسبة إجمالية بلغت 139% عن العام الماضي، وهو أكثر من ضعف الاستثمار التاريخي الإجمالي للصناعات في عام واحد. وقد يصل هذا الرقم قريباً بحسب تقديرات “بلومبرج” الى 40 مليار دولار https://bit.ly/3VpqMBD. وكان النصيب الأكبر من هذه الاستثمارات خلال نفس العام من نصيب الشركتين الأمريكتين كومنولث للنظم الاندماجية Commonwealth Fusion Systems (1.8 مليار دولار) التي دعمتها بشكل أساسي الشركة الإيطالية للنفط إيني ENI ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا، وشركة هيليون للطاقة Helion Energy (500 مليون دولار)، بالإضافة الى بعض الاستثمارات الأخرى التي تزيد قيمتها على 100 مليون دولار.
وبوجه عام، من ضمن حوالي 33 شركة خاصة و69 مستثمر تضمنه التقرير، تم تأسيس 8 شركات اندماج خاصة جديدة خلال عامي 2021 و2022 فقط، مما يدل على النمو السريع للصناعة وثقة المستثمرين فيها. ويتعدى تمويل أكبر 5 شركات في القائمة 200 مليون دولار-بالإضافة الى الشركتين السابق ذكرهما- وهم ثاني شركة تأسست عام 1998 TAE Technologies الأمريكية (أكثر من مليار دولار) – سبقتها شركة Princeton Fusion Systems عام 1992-، وGeneral Fusion الكندية (أكثر من 300 مليون دولار أمريكي)، وTokamak Energy الإنجليزية (250 مليون دولار أمريكي)، وENN الصينية وZap Energy الأمريكية كلاهما (200 مليون دولار أمريكي)- كما هو موضح بالشكل 1.
تعدد الأهداف
فيما يخص أهداف الاستثمارات، ترُكِز الغالبية العظمى من الشركات على سوق توليد الطاقة الكهربائية بواقع 28 شركة من إجمالي 33، بجانب سوقين مُحتملين وهما “الدفع الفضائي والبحري” (6 شركات)، فضلاً عن الاهتمام باستخدام اندماج الطاقة ليس فقط لإنتاج كهرباء للشبكات، بل وإنتاج الهيدروجين النظيف (9شركات)، والطاقة المُستقِلة عن شبكات الخدمات والمرافق العامة المعروفة بالـ Off-grid energy (9شركات)، والحرارة الصناعية (7 شركات). كما تتوقع هذه الشركات أن الاندماج النووي سيتمكن من تشغيل الشبكات خلال العِقد الثالث من القرن الحالي، أو النصف الأول من العِقد على أفضل التقديرات.
سوق اسهم الاندماج
وبينما يترقب العالم النتائج، ينصح خبراء الاستثمار مثل “Investorplace” bit.ly/3PStr5v بسبعة أسهُم طويلة الأجل للشراء مرتبطة بالتقدم المرتقب في صناعة الاندماج النووي– موضحة بالشكل 2- استناداً الي أن الشركات مالكة الأسهُم هي نفسها قد استثمرت في أحد شركات الاندماج أو تعاونت معها علمياً او تقنياً او تعتمد عليها لاستغلال طاقة الاندماج لتحقيق مكاسب أكثر لنشاطاتها التجارية. هذه الأسهم هي: 1- سهم Alphabet (GOOG) الشركة الأم لـ Google التي استثمرت بكثافة في طاقة الاندماج وعملت عن كثب مع TAE لدعمها في مجال التعلم الآلي وعلوم البيانات. 2- سهم شركة النفط العملاقة Chevron (CVX) التي تستثمر في مصادر الطاقة النظيفة، والمتوقع أن يرتفع بنسبة 10% العام القادم. 3- سهم شركة Albemarle Corporation (ALB) التي تقوم بإنتاج مادة الليثيوم وهي أحد المواد الأساسية اللازمة لعملية الاندماج النووي. 4- أمازون (AMZN): كواحدة من أضخم شركات التجزئة عالمياً التي تطمح الى خفض التكاليف وزيادة الإيرادات من خلال استخدام طاقة الاندماج بتكلفة منخفضة وطاقة عالية الكفاءة، خاصةً بعد أن استثمر “جيف بيزوس” الرئيس التنفيذي السابق بها في شركة “General Fusion” الشركة الناشئة الكندية الموضحة بالقائمة أعلاه. 5- Verizon (VE)، شركة البيانات العملاقة التي تسعى مثل Amazon لاستخدام هذه الطاقة الجديدة لتحسين وظائف أعمالها وتحقيق أعلي عائد.
في النهاية لا يزال هناك عمل ضخم مطلوب إنجازه حتي تصبح طاقة الاندماج قيد التشغيل التجاري العام، وهو عمل يتطلب حشد للموارد الدولية في مشروعات مشتركة عملاقة بعيدة المدي، مثل مشروع Wendelstein 7-X الذي تكلف أكثر من 1.15 مليار دولار أمريكي لبناء وتوظيف وتشغيل أول اختبار للبلازما عام 2015، ومشروع مفاعل آي تير ITER الاندماجي الذي يعد اكبر مشروع عالمي في هذا المجال، ويتم بناؤه وتشغيله في جنوب فرنسا وتدعمه 35 دولة، بما في ذلك الصين والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وروسيا وكوريا الجنوبية واليابان بتكلفة لا تقل عن 23 مليار دولار.