وفقا لقاعدة بيانات موقع ” العالم بالبيانات ـــ ورلد إن داتا”، فإنه خلال ثماني سنوات فقط، ارتفعت اعداد النازحين بسبب الحروب بنحو 41% تقريباـ بعدما قفزت من حوالي 25 مليون نازح في العام 2011، إلي نحو 42.5 مليون نازح في العام 2018، دفعتهم الحروب الى ترك أماكن معيشتهم، وحولتهم لنازحين إما داخل أوطانهم أو خارجها، ووفقا لقاعدة بيانات البنك الدولي، فإن عدد سكان العالم في العام 2018 بلغ حوالي 7.63 مليار نسمة، اى أنه بحلول عام 2018 كانت الحروب قد حولت نحو 0.006% من سكان العالم الي نازحين، ودفعت بهم من أماكن معيشتهم الي أماكن أخرى، ما يجعل قضية نازحو الحروب أحد أبرز التحديات الإنسانية التي تواجه العالم في العقود الأخيرة، ومن اكبر الأثمان الباهظة التي يدفعها الملايين من الأبرياء والمدنيين حول العالم بسبب الحروب.
قام مركز جسور بتجميع الكثير من البيانات المتاحة حول النزوح القسري الناجم عن الحروب عالميا، وكانت اقرب البيانات من حيث التكاملية والشمول، تلك التي اتاحها موقع ” ورلد إن داتا” وعرضت توزيع نازحي الحروب خلال سلسلة زمنية طولها 8 أعوام، تغطي الفترة من 2011 الي 2018، بلغ إجمالي عدد النازحين بسبب الحروب خلالها نحو 17 ونصف مليون نازح، هو الفارق بين اجمالي عدد النازحين في عام 2011، واجمالي عددهم في العام 2018.
بتحليل وفهرسة البيانات وفقا للمعيار الزمني، تبين أن أعداد النازحين بسبب الحروب اتخذت مسارا تصاعديا بصورة مضطردة خلال هذه الفترة، ولم تشهد اية تراجعات علي الإطلاق، فقد بدأت في العام 2011 بما يناهز 25 مليون نارح، أو تحديدا 24 مليونا و935 الفا و782 نازح، ثم تصاعدت الي نحو 26.6 مليونا في العام 2012، ثم الي 29.3 مليونا في العام 2013، ثم الي 32.1 مليونا في العام 2014، ثم الي 36.5 مليونا في العام 2015، ثم الي 39.4 مليونا في العام 2016، ثم 40.8 مليونا في العام 2017، ثم 42.5 مليونا في العام 2018.
تعني هذه الأرقام أن أعداد النازحين سجلت نموا سنويا قدره 6.4% في العام 2012، ثم 9.3% في العام 2013، و8.7% في 2014، و11.9% في 2015، و7.3% في 2016، و3.6% في 2017، و3.9 في 2018، بمتوسط نمو سنوي عام قدره 7.3%، وعند مقارنة سنة الأساس وهي العام 2011 بالسنة الأخيرة في الرصد وهي 2018، سنجد أن أعداد النازحين قد ارتفعت بمقدار 17 مليونا و589 الفا و731 نازحا، ما يعني أن عدد النازحين قد حقق نموا قدره 41.4% في 2018 مقارنة بـ 2011.
على المستوي الجغرافي، تبين أن ما يزيد على ثلثي النازحين بسبب الحروب يوجدون في الشرق الأوسط وافريقيا بالشمال وجنوب الصحراء الكبرى، فيما يتركز النصف الأول من الثلث المتبقي في أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي، والنصف الثاني من الثلث المتبقي في جنوب اسيا وشرق آسيا والمحيط الهادي وشرق أوروبا وآسيا الوسطي وغرب أوروبا.
وبالأرقام تضم منطقة افريقيا جنوب الصحراء الكبرى ما يزيد قليلا على 16 مليون نازح بسبب الحروب بنسبة 37.73% من الإجمالي، وتقل عنها منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا قليلا اذ بلغ النازحين بها نحو12.8 مليون نازح، بنسبة 30.29%، أما منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي فتضم نحو 6.8 مليون نارح بنسبة 16.13%، وجنوب آسيا ما يزيد قليلا علي 3.6 مليونا بنسبة 8.63%، وشرق آسيا والمحيط الهادي 837292 نازح بنسبة 1.97%، وشرق أوروبا وآسيا الوسطي ما يزيد قليلا علي 1.8 مليون نازح يمثلون 4.43%، وغرب أوروبا 349438 نازح يمثلون 0.82%، فيما تخلو أمريكا الشمالية من نازحي الحروب.
لو نظرنا للظاهرة بمنظور ثنائي يتناول التطور الزمنى والتوزيع الجغرافي معا، سيتبين لنا أن منطقتي افريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وشمال افريقيا هما من تقودان التصاعد في أعداد النازحين اكثر من غيرهما، ففي منطقة إفريقيا جنوب الصحراء يتصاعد منحني النمو في الأعداد بصورة هي الأكبر من نوعها علي مستوي العالم، ولا يشهد اية تراجعات او حالات هدوء في أي سنة من السنوات، ويتخذ المنحى النمط نفسه الى حد كبير في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وإن كان يميل للانخفاض قليلا في عامي 2017 و2018.
في مناطق أمريكا اللاتينية وشرق آسيا والمحيط الهادي وجنوب آسيا يبدو التصاعد في الأعداد هادئا مستقرا بعيدا عن القفزات، فيما شهدت منطقة غرب أوروبا ومنطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطي أعلي مستوى من القفزات والتراجعات في أعداد النازحين صعودا وهبوطا، حيث شهدت اعداد النازحين بغرب أوروبا هبوطا ملحوظا وكبيرا في العام 2012 ثم شهدت حالة مستقرة اقرب الي الثبات بعد ذلك، بينما شهدت منطقة شرق أوروبا وآسيا الوسطي وضعية معاكسة تقريبا، حيث ظلت الاعداد مستقرة شبه ثابتة من العام 2011 الي 2015، ثم قفزت في 2016 قفزة هائلة جعلتها ترتفع بمقدار الضعف تقريبا، من 847560 الي 1987024 نازحا.
إلى جانب هذه الأرقام تذكر بعض المصادر الأخرى بيانات ترصد المزيد من جوانب وأبعاد الظاهرة، فتقرير مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة الصادر عام 2020 فإن يقدر عدد الأطفال النازحين بسبب الحروب ممن هم دون سن 18 عامًا بنحو 30 مليون شخص، أي أكثر من نصف إجمالي عدد النازحين، ويشكل الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا نحو 23% من النازحين، ومن حيث المستوي التعليمي فإن نحو 31% من النازحين هم أميون، أي غير قادرين على القراءة والكتابة، وحوالي 77% من الأطفال النازحين في سن المدرسة الابتدائية لديهم فرصة للالتحاق بالمدرسة، وتنخفض هذه النسبة إلى 31% فقط لمن هم في سن المدرسة الثانوية.
نخرج من هذه الأرقام بأن أزمة النازحين بسبب الحروب تتفاقم بوتيرة متسارعة، مسببة معاناة ومشكلات معيشية خانقة لأعداد من البشر تتزايد بصورة مقلقة، ويجب على المجتمع الدولي تكثيف جهوده لتوفير الدعم والحماية اللازمين للنازحين بسبب الحروب، والعمل على إيجاد حلول سياسية للنزاعات المسلحة التي تسببت في تهجيرهم.
الرئيسية نشرة رقم عدد نوفمبر 2023