من المفترض أن يتوافق التعليم المتوفر للمرأة مع طبيعة ومتطلبات الوظائف المتاحة أمامها بسوق العمل، والمفترض كذلك أنه حينما تشغل المرأة وظيفة ما، تكون الوظيفة متوافقة مع مستواها التعليمي الذي حصلت عليه، بيد أن الواقع الفعلي يقول إن %47.6 من النساء العاملات حول العالم، يحصلن على تعليم لا يتوافق مع المهارات التي تحتاجها الوظائف والفرص المتاحة لهن بسوق العمل، وعند التحاقهن بالوظائف، يكون 44.6 % من هذه الوظائف غير متوافق مع مستوي ونوعية التعليم الذي حصلن عليه، وفي المنطقة العربية يبلغ متوسط عدم التوافق بين طبيعة التعليم ومتطلبات الوظائف وسوق العمل بالنسبة للمرأة %42.3، أما متوسط عدم التوافق بين الوظائف التي تشغلها المرأة فعليا والتعليم الذي حصلت عليها فعليا فيبلغ %38.5.
قام مركز جسور بتوليد هذه النسب، من خلال تحليل البيانات الأولية الخاصة بالعلاقة بين التعليم وسوق العمل والمتاحة بقاعدة بيانات منظمة العمل الدولية https://www.ilo.org/global/lang–en/index.htm خلال الفترة من عام 2009 وحتي عام 2020، وهي بيانات تمضي في مسارين، الأول يربط بصفة خاصة بين مستوي التعليم الذي حصلت عليه المرأة والوظيفة التي تشغلها فعليا، والمسار الثاني يربط بصفة عامة بين طبيعة التعليم المقدم للمرأة عبر المؤسسات التعليمية المختلفة، والوظائف المتاحة لها بسوق العمل، وفي المسارين، تشير البيانات إلي أن العلاقة بين تعليم المرأة وعمل المرأة عالميا وعربيا تعيش ثلاثة حالات، الأولي يحدث فيها توافق بين التعليم والوظيفة، والثانية يكون فيها التعليم أدني من اللازم للوظيفة، والثالثة يكون فيها التعليم أعلى من اللازم.
وفقا للتحليلات التي نفذها جسور على بيانات المسار الأول، فإن المتوسط العام للنساء العاملات بالدول التي توفر عنها بيانات عالميا خلال الفترة المشار إليها بلغ 2 مليار و242 مليون و731 الف سيدة خلال الفترة المشار إليها ـ 2009 / 2020، وحالة التوافق بين تعليم النساء العاملات والوظائف التي يشغلنها تمثل %55.4، وحالة التعليم الأعلى من اللازم تمثل %22.3، وحالة التعليم الأدنى من اللازم تمثل %22.2، أي أن إجمالي حالة عدم التوافق الذي يضم الأعلى من اللازم والأدنى من اللازم تمثل %44.6، وذلك كما هو موضح في الشكل رقم (1).
وفي المنطقة العربية، بلغ عدد النساء العاملات لدى الدول العربية التي توفر عنها بيانات 26 مليونا و162 سيدة، وتمثل حالة التوافق %61.5، وحالة التعليم الأعلى من اللازم تمثل %24.2 والتعليم الأدنى من اللازم تمثل %14.3، أي أن إجمالي حالة عدم التوافق تبلغ %38.5، ما يعني أن العلاقة بين التعليم الذي حصلت عليه المرأة فعليا، والوظيفة التي تشغلها فعليا في المنطقة العربية أفضل حالا بنسبة طفيفة عن المستوي العالمي، حيث ترتفع فيها نسبة التوافق بين الجانبين بنحو %6.1، وذلك كما هو واضح من الشكل رقم(2).
ومن حيث التطور التاريخي لهذا المسار، تكشف الأرقام الواردة بالشكل رقم (3) أن حالة التوافق بلغت اعلى مستوي لها عالميا عام 2013 حينما سجلت %57.8، وتراجعت الي أدني مستوي لها في العام 2019 حينما سجلت %53.7، لتنتهي عند %54.9 في العام 2020، أما حالة التعليم الأدني فبلغت ذروتها في العام 2019 حينما سجلت %24، ومستواها الأقل في العام 2013 حينما سجلت %21، وبالنسبة لحالة التعليم الأعلى من اللازم كان 2014 هو عام الذروة حيث سجلت فيه نسبة قدرها %23.1، و2012 هو العام الأقل، حيث سجلت فيه %21.
وفي المنطقة العربية يوضح الشكل رقم (4) أن حالة التوافق سجلت أعلي مستوي لها في العام 2019 حينما بلغت %78.1، وتراجعت لأدنى مستوى لها عام2017 حينما بلغت %50.2، أما حالة التعليم الأعلى من اللازم فبلغت ذروتها عام 2016 حينما سجلت %37.4، وتراجعت إلى أدنى مستوي لها عام 2019 حينما سجلت %10.1، أما حالة التعليم الأدنى من اللازم فبلغت أعلى مستوياتها في 2014 حينما سجلت 32.2 %، وتراجعت لأدنى مستوي لها في 2016 حينما بلغت 10.2 %.
يلاحظ من هذه الأرقام أنه على المستوي العالمي، ظلت الوضعيات الثلاث (التوافق ـ التعليم الأعلى ـ التعليم الأدنى) تراوح مكانها وتتغير تغيرات طفيفة خلال العقد الماضي، من دون أن تشهد تحسنا مؤثرا، أو تدهورا كبيرا، أما في المنطقة العربية، فكانت التغيرات أكبر مقارنة بالوضع العالمي.
في المسار الثاني الخاص بالعلاقة بين طبيعة التعليم المقدم للنساء من المؤسسات التعليمية، والوظائف المتاحة لهن بسوق العمل بصفة عامة، توضح البيانات أنه كانت هناك 2 مليار و842 مليون و526 الف وظيفة متاحة للنساء بسوق العمل بالدول التي توفر عنها بيانات عالميا خلال الفترة من2009 / 2020، وأن %52.5 من الوظائف متوافقة مع التعليم، و%24.1 التعليم أعلي من اللازم ، و23.4 التعليم ادنى من اللازم.
وعربيا بلغت الوظائف المتاحة للمرأة بسوق العمل بالدول المتاح عنها بيانات 36 مليونا و242 الف وظيفة، تصل فيها حالة التوافق إلى %57.7، والتعليم الأعلى من اللازم %28.1، والادنى من اللازم %14.1.
وبالنظر لهذا المسار تاريخيا، نجد أن أعلى نسبة توافق تحققت عالميا كانت في 2009 حينما سجلت %69.9، وأقل نسبة توافق تحققت في 2019 حينما سجلت %48.6، وبلغ التعليم الأعلى من اللازم ذروته في 2020 حينما سجل %34.3، وكان في أدني مستوياته عام 2009 حينما سجل %2.3، أما التعليم الأدنى من اللازم فبلغ ذروته في العام 2009 حينما سجل %27.8، وتراجع لأدنى مستويات في العام 2020 حينما سجل %13.2.
وفي المنطقة العربية، تبين أن التوافق بين التعليم المقدم للمرأة وفرص العمل المتاحة لها وصل أعلى مستوياته عام 2013 حينما بلغ %68.9، وتراجع لأدني مستوياته في 2014 حينما سجل %30، أما التعليم الأعلى من اللازم فبلغ ذروته في 2017 حينما بلغ %38.1، وتراجع لادني مستوياته في 2014 حينما بلغ %14.1، وبلغ التعليم الأدنى من اللازم ذروته في 2014 حينما سجل %47.9 وتراجع لأدنى مستوياته في 2013 حينما بلغ %10.5.
تكشف الأرقام الخاصة بهذا المسار عالميا وعربيا عن حالة حراك وتغيرات بنسبة أعلى مقارنة بالمسار الأول الذي اتسم بالهدوء وربما الركود، ويدل على ذلك اتساع الفرق بين نقطة الذروة والنقطة الأدنى في الوضعيات الثلاث (التوافق ـ التعليم الأعلى ـ التعليم الأدنى)، والنتيجة التي يمكن الخروج بها من هذه الملاحظة، أن التغيير في نوعية التعليم المقدم للمرأة بالمؤسسات التعليمية، وطبيعة فرص العمل المتاحة امامها بسوق العمل، أعلى مقارنة بالتغيير في المهارات التي تكتسبها النساء فعليا من هذا التعليم، وفي فرصة شغل وظيفة تتوافق مع هذا التعليم.والخلاصة أن العلاقة بين تعليم المرأة وعمل المرأة، تعاني في نصف حالاتها تقريبا من سوء الإرسال والاستقبال بين ما يجري في المؤسسات التعليمية من جهة، وسوق العمل من جهة اخري، أي ان التعليم يدفع لسوق العمل بما هو ليس مطلوبا، وسوق العمل ترفض استقبال ما ليست في حاجة إليه، أو تضعه في غير موضعه، لتدفع المرأة الثمن. .